تقاريرثقافة وفنون

نوّار بلبل فنان يقاتل على أهم مسارح العالم

مؤيد أبازيد : فرنسا

فنان متعدد المواهب شارك في عشرات المسلسلات التلفزيونية وقدم عشرات العروض المسرحية، عُرف عنه أنه من الفنانيين السوريين الذين اتخذوا موقفاً ثابتاً من خلال تأييده للمتظاهرين مع انطلاق الثورة في سوريا قبل نحو تسع سنوات.

نوّار بلبل اتخذ من خشبة المسرح ميداناً لثورته  لاسيما من خلال مسرحية “مولانا” التي ألفها الكاتب السوري فارس الذهبي عام 2007 وعدلها بلبل وأخرجها بنفسه العام الماضي، لا تزال تعرض في عواصم أوروبية عديدة، كان أخرها خلال مهرجان “إفينيون” بفرنسا والذي يعد أهم مهرجان مسرحي بالعالم.

عاش في بيئة مسرحية

كان للأسرة التي عاش فيها بلبل من خلال والده “فرحان بلبل” الذي كان يرأس فرقة مسرحية، دوراً كبيراً في اختياره لمجال المسرح، وفي هذا السياق يقول في حديث مع ( Arabs in Europe ):”عشت في بيئة مسرحية منذ ولادتي وكانت مع فرقة فرحان بلبل وعرفت بفرقة المسرح العمالي، ودائماً كنت أعيش في فلك الفرقة متاثراً بهذا الجو وأدرك وأعرف الأفكار التي يطرحها ضمن جو الفرقة التي يؤديها هواة من محامين ومهندسين وعاملين أي ليس لديهم احتراف، وبالنسبة لي اخترت الاتجاه نحو الاحتراف من خلال الدراسة في المعهد العالي للمسرح”.

ويضيف “الفرقة كانت ملتزمة أخلاقياً وفنياً ومسرحياً وقد تكون العروض التي قدمتها الفرقة ليست ذات مستوى جيد، لكنها كانت دائما مع الناس وآلامهم، بالتالي ترعرعت ضمن هذا الجو وهو الشعور بألم الناس ووجع الفقراء وتسلط السلطة ورأسال المال التابع للسلطة”.

ويوضح حول تمكن فرقة”فرحان بلبل” من التعاطي مع محرمات من وجه نظر النظام ضمن فترة زمنية معروفة بالكبت لاسيما خلال الثمانينيات: “أي مواطن سوري خُلق بسوريا وأخص في ظل حكم البعث، يُخلق معه المخفر أو فرع المخابرات الذي يعشعش في رأسه”، مضيفاً : “كان هناك هامش ضيق للحرية في سوريا والفرقة وأنا وأقراني ندرك هذه الحدود وإذا تم الحديث خارج هذه الحدود يعرف مصيره إما الاعتقال أو القتل، ويمكن القول هنا، هو اللعب على الهامش قدر المستطاع والسقف الذي نعرفه، وسبق أن قدمت وبعض الزملاء عرض مسرحي (المنفردة) قبل الثورة بسنوات وكنا نظن أنها محاولة لتغيير شيء من واقع البلد”.

غياب عن الدراما وحضور في المسرح

بلبل الذي غاب عن الدراما منذ سنوات، سجل حضوراً لافتاً عبر العروض المسرحية التي تنقل واقع المأساة السورية سواء في الأردن سابقاً، ولاحقاً في مقر إقامته في فرنسا التي من خلالها انطلق لمعظم أوروبا، محاولاً تقديم جانب كان ولايزال فيه لبُس وغموض لدى كثير من الأوروبيين، لاسيما فيما يخص طبيعة الشعب السوري الذي ثار على النظام ومطالب هذا الشعب والتداخلات التي جرت لاحقاً وأدت لنشوب حرب أكلت الأخضر واليابس في البلاد.

يقول الفنان بلبل :” كانت هناك خطوة بمثابة إعلان موقف في بداية الثورة، وهي الوقوف مع الشعب ضد تسلط السلطة القمعية، نعم كنا ولا نزال مجرد أقلية ضمن الوسط الفني ممن أعلن موقفاً واضحاً بتأييد الثورة، لكن هناك فنانيين كُثر قلبهم مع مطالب الشعب، لكن لم يعلنوا ولم يصرحوا هذا بشكل علني وقد يكون للحفاظ على حياتهم أو قد يكون للمحافظة على المكتسبات، بالنهاية لكل فنان توجهه وظروفه الخاصة “.

وفي معرض إجابته على سؤال حول غيابه وكذلك معظم من وقف مع الثورةعن الأعمال التلفزيونية، يؤكد بالقول:” لسنا نحن من تغيب، النظام وشركات الإنتاج وضعت جميع الفنانيين الذين اتخذوا موقفاً صريحاً معارضاً للنظام على قائمة سوداء، بل إن القائمة بدأت منذ بيان الحليب ( لأطفال درعا في إبريل 2011) في بداية الثورة”، موضحاً :”شركات الإنتاج تابعة للنظام السوري بالعموم وحتى بالخليج ولبنان هي سورية بالنهاية، وبالتالي هي في فلك النظام”، وأكد بأنه رغم محاصرته من قبل شركات الإنتاج بسبب وقوفه مع الثورة، لكنه ليس في وارد الندم مطلقاً واعتبر هذا المنع تأكيد على أنه موقفه على حق.

مولانا .. مسرحية حطمت المؤسسة الدينية المتربطة بالسلطة

عرضت مؤخراً مسرحية “مولانا” التي أخرجها وقدمها بلبل في مهرجان “أفينيون” الفرنسي وكانت ضمن أكثر من 1600 عرض، وصنفت من بين أفضل 10 مسرحيات عرضت في المهرجان.

طرحت المسرحية بجرأة واقع المجتمع السوري، ماقبل اندلاع الثورة وتعاطت مع التطرف الديني والتسامح بين الشعوب، كما كشفت أسلوب هيمنة مؤسسات النظام على المؤسسات الدينية بهدف التحكم بالعقل الجمعي المقموع سياسيًا، والمكبوت اجتماعيًا.

المسرحية التي جابت العديد من العواصل والمدن الأوروبية حتى وصلت للولايات المتحدة، ستعرض لاحقاً في عواصم أوروبية أخرى كبروكسل وامسترادم.

يؤكد بلبل بأن المسرحية رفعت السقف كثيراً تجاه المؤسسة الدينية والسياسية وحتى الاجتماعية في سوريا، مشيراً بالقول”البعض هاجمني واتهمني بأنني استهزأ بالإسلام وهو حر في انطباعه عن المسرحية، لكن هدف العرض ليس الاستهزاء من الإسلام نهائياً، بل تحطيم المؤسسة الاجتماعية التي هي نتاج المؤسسة الدينية والتي هي بالنهاية نتاج المؤسسة السياسية في سوريا”.

واعتبر بأنه تمكن من الوصول لمبتغاه من خلال المسرحية والتي كانت مترجمة للفرنسي وذلك “من خلال اللعب بلطف عبر تمرير المعلومة بهدوء للجمهور والذي خرج معظمه يبكي بالرغم أن المسرحية تناقش مسألة سورية بحتة والتي تركز على كيفية تخدير المؤسسة الدينية للمجتمع، بالتأمر والتعاون والتواطئ مع المؤسسة السياسية لتركيع المجتمع”، كما قال.

ولفت بأن الفرنسيين اعتبروا العرض جريء ويتعاطى مع موضوع “على حد الشفرة”، حتى أن بعضهم أكد له بأنه”حتى في فرنسا طرح هكذا موضوع سيكون حساس جداً” مع وجود جالية مسلمة كبيرة في البلاد، وقد تكون فئة من بين الجالية غير مدركة جيداً لهدف ومضمون المسرحية والتي هي بالأساس لا تهاجم الإسلام بل تهاجم المؤسسات الدينية التي تحاول تركيع المجتمع من خلال السلطة السياسية.

المسرح أعلى صوتاً من السلاح

يقول بلبل إن الأوروبيين بشكل عام لديهم اثنين من الخيارات في سوريا وهما النظام والمتطرفيين ويفضلون النظام بالتأكيد، ولكي نفصل عن هذين الخيارين والذي بات محل غموض للرأي العام الأوروبي واقصد هنا الشعب السوري، كان ميدان المسرح بمثابة المُعرف لهذا الشعب، واليوم حين يتم عرض مسرحية “مولانا” في أهم وأضخم مهرجان بالعالم وبعروض وصلت لـ 19 وكان المسرح في جميع العروض مُمتلىء، تمكنت من إيصال رسائل عبر العرض وكذلك في نهاية العرض من خلال جملة واحد فقط تقول (هذا العرض مُهدى للفنانيين السوريين الذين استشهدوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري ) هذه الجملة فقط، كان لها صدى غير محدود لدى الفرنسيين وتحدثت عنها الصحافة الفرنسية، وهي رسالة للعالم، تقول نعم النظام قتل فنانيين تحت التعذيب وقتل آلاف الأشخاص تحت التعذيب بسبب رأيهم، وقد تقول هل هذا سيغير الرأي العام؟. أجاوبك بالتأكيد!”.

وتساءل :” هل استطاع أي مؤتمر سياسي للمعارضة تغيير رأي عام أو أي شيء على الأرض، وهل العسكرة غيرت الوضع المأساوي في البلاد ؟. وحين نقول بأن الفن يستطيع تغيير رأي عام. سيرد البعض ويقول هل من المعقول أن يتمكن الفن من تغيير السلطة المستبدة؟. سيكون جوابي لكل متسائل، إذاً ليعود على الأقل كل شخص لعمله ويؤدي دوره فيه لكي نستطيع التغيير وأنا من على خشبة المسرح استطعت إيصال صوت سوريا ووجعها لجزء من الأوروبيين وعبر جهود فردية فكيف لو كان هناك تظافر للجهود لكنا استطعنا أن نوصل صوتنا للعالم”.

نوار بلبل في مسرحية مولانا بمهرجان “أفينيون” بفرنسا

هامش حرية بسوريا !

يعتبر بلبل أن في سوريا كان هناك هامش صغير جداً من الحرية ، وأنه من المهم أن يعرف الأوروبيين هذا من خلال التأكيد بأن هذا الهامش إذا ما تم تجاوزه كان سيتم قطع يدك ولسانك وأن الثورة السورية انطلقت أساساً من أجل الحرية والعدالة .

ويشير إلى أن بعض العروض التي قدمها قبل الثورة كان لديها بعضاً من هامش الحرية وأنه أخبر الأوروبيين بهذا، معتبراً بأن هذا الأمر مهم جداً من خلال التأكيد أن سوريا كان فيها هذا الهامش الصغير من الحرية حالها كحال أي دولة عربية، حتى السعودية فيها هامش لكن من يتجاوزه يتم اعتقاله أو قتله.

وبحسب الفنان بلبل فأن “الكثير من الأوربيين كانوا لا يتخيلون هذا الأمر وهو وجود هذا الهامش، ولكي يدركوا بأننا نحن هكذا بسوريا طلاب حرية، من هذا المنطلق سيؤثر على الرأي العام إيجاباً لصالحنا وهو ما نسعى إليه لتحقيق هذا الهدف المتمثل بأن يعرف الأوروبي بأن طبيعة الشعب السوري هكذا وكان يعاني وهنا مربط الفرس، وللأسف هذا أمر مغيب عن الأروربيين ويرى سوريا فقط محصورة كما قلت سابقاً ما بين النظام والمتطرفين، لكن حين تتضح الصورة سيقول الأوروبي اعتذر منك لم تكن لدي هذه الفكرة وهي مطالب الشعب بالحرية والتصدي لقمع النظام”.

عمر ابو ميشيل.. عرض مسرحي يرى النور خلال أشهر

يسير نوّار بلبل ضمن المسار الذي يكشف فيه تسلط السلطة في سوريا وقمعها الذي طال حتى أبناء الشعوب الأخرى من بينها فرنسا عندما اغتال في العام 1986 الكاتب الفرنسي ميشيل سورا في لبنان .

يقول بلبل إنه انتهى مؤخراً من تأليف مسرحية “عمر أبو ميشيل” والتي تتحدث عن الكاتب الفرنسي “سورا” الذي قتل على يد المخابرات السورية و” حزب الله” في لبنان بعد تأليفه كتاب “سوريا الدولة المتوحشة” .

ويكشف بأن مسرحية “عمر ابو ميشيل” سيكون فيها وحيداً على خشبة المسرح، بالإضافة لدراجة هوائية والتي تعود لـ”سورا”، وهي بمثابة شخصية ثانية بالمسرحية، وأن العرض بمجمله كوميدي لكن يعتمد على مبدأ الصدمة للجمهور التي تجعله يتحول من الضحك للبكاء، سيما أن المسرحية تحكي قصة “سورا” إضافة للاعتقال والاغتصاب في سجون السلطة في سوريا، ومن خلالها يحاول تسليط الضوء للأوروبيين بأن “سورا” هو مثال لاشخاص فكروا وكان سلاحهم الكلمة والصوت وقتلوا تحت التعذيب كسمير القصير وجبران تويني، وهو تماماً كجزء كبير من شهداء سوريا الذين قتلوا تحت التعذيب.

المسرحية هي تكريم لهؤلاء الناس وفرصة لنذكر الرأي العام في أوروبا بأن هناك اشخاص قتلوا لانهم تكلموا وفكروا وعبروا عن وجهة نظرهم، ولنقول لهم انظروا ماذا يحدث لهم ! تحركوا لمحاسبة الانظمة التي تقتل الاشخاص لمجرد إبداء الرأي، يقول الفنان بلبل.

وفي ختام حديثه لـ( Arabs in Europe ) يؤكد الفنان نوّار بلبل بأن صرخة السوريين لا تزال عالية جداً رغم جميع المحاولات التي قام بها النظام لإسكات هذا الصرخة سواء بالكيماوي أوبالفسفور أو بالبراميل المتفجرة أو حتى من خلال كل من جلبهم إلى سوريا من الخارج، والصرخة مستمرة ولن يتم إسكاتها مهما فعل، وللمتقاعسين أن يدركوا بأن مطالب الشعب السوري بالحرية والعدالة والكرامة لتحقيق ثورته التي بدأها قبل تسع سنوات تحتاج لزمن طويل ولا يمكن أن تتحقق في فترة زمنية قصيرة، لكن في نهاية المطاف الشعب سيحقق مطالبه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى