الحلويات السورية في “أوبرهاوزن”.. مطاعم أوروبية بطعم عربي
حسام حميدي – ألمانيا
يكاد لا يخلو سوق أو شارع منها، وربما يمكن القول بأنها باتت مشهداً مألوفاً في العديد من المدن الألمانية، إن لم نقل إنها قد أصبحت منافسةً لنظيراتها؛ في بلد يعيش فيه ملايين الأشخاص المنحدرين من ثقافات وأصول وأعراق مختلفة.
الحديث هنا عن محال الحلويات العربية التي افتتحها اللاجئون السوريون مؤخراً في عدد من المدن الألمانية، خاصةً مع موجة اللجوء الأخيرة التي شهدتها البلاد صيف العام 2015، والتي اعتبرها البعض مؤشراً ايجابياً على الدور الذي قد يلعبه اللاجئون في واحدِ من أكبر اقتصادات العالم.
بعد تراثي بقالب اقتصادي
الخصوصية الأعم التي تمثلها مطابخ الحلويات السورية في أوروبا عموماً تتجسد ببعديها الاقتصادي والتراثي بآن واحد، حيث لفت “نور سراقبي” صاحب أحد تلك المطابخ في مدينة أوبرهاوزن إلى دور مثل هذه الفعاليات الاقتصادية في إظهار البعد الثقافي والحضاري لسوريا، لا سيما وأن معظم الأصناف المقدمة يعود عمرها لمئات السنين.
إلى جانب ذلك، لفت “سراقبي” إلى أن قلة اللاجئين العرب في ألمانيا عموماً قياساً بالجنسيات الأخرى جعل من أطباقهم تجربة جديدة للألمان الذين غالباً ما تكون لديهم الرغبة بالتعرف على ما هو جديد، مضيفاً: “الاقبال لم يقتصر على العرب وحدهم وإنما كان لمحلنا زواره من الألمان، لمست رغبتهم بالتعرف علينا عن قرب، حتى ولو عن طريق أطباقنا ومأكولاتنا”.
”قبل أعوام كانت الموائد والحلويات السورية شيئاً دخيلاً على المجتمع الأوروبي، أما اليوم فتجد الكثير منهم يعرف أسماء معظم مأكولاتنا، ليس هذا فحسب وإنما بات يفضل بعضها على بعضها الآخر”، يقول “سراقبي”، مشيراً أن هذا ما شجع على انتشار المطاعم والمطابخ السورية كواحدة من المشاريع الناجحة.
القصة منذ بدايتها.. فرع تحول لفروع
”منذ أربع سنوات تقريباً دخلنا إلى هذا البلد لاجئين، باحثين عن فرصة حياة جديدة، فكان هذا المطبخ بفرعه الأول الذي افتتحناه قبل أشهر في مدينة أوبرهاوزن؛ حيث يوجد تجمع للسورين والعرب” يقول “سراقبي” عارضاً بدايات تنفيذ المشروع الذي أصبح اليوم مؤلفاً من ثلاث فروع منشرة بين مدن ولاية شمال الراين الألمانية.
طموح “سراقبي” وشركاءه يبدو أنه لم يتوقف عند حد ما حققوه خلال سنوات قليلة من العمل، حيث أشار لموقع “Arabs in Europe” أن الهدف المستقبلي يكمن في تحويل مشروعهم إلى واحدة من أكبر سلسلة مطابخ حلويات سورية في ألمانيا، مضيفاً: “هي ليست مهنة جديدة بالنسبة لنا وإنما هو امتداد لعملنا في سوريا، وبحسب الإمكانيات نحاول أن نطورها بشكل مستمر”.
وفي نظرة عامة على المشاريع الممثالة، أكد “سراقبي” أن كل تلك المشاريع قادرة على الاستمرار والمنافسة في سوق مكتظ بالمشاريع المحلية والأجنبية، لافتاً إلى أن السوريين بالمجمل وعبر تلك الأنشطة الاقتصادية تمكنوا من إثبات أنفسهم في هذا السوق، بالرغم من الظروف الصعبة التي مرت عليهم والفترة الزمنية القصيرة التي قضوها هنا، مشيراً في الوقت ذاته إلى أهمية هذه المشاريع بالمساهمة الإيجابية باقتصاد البلد المضيف.
بين المال والمجتمع .. مساهمات لدعم الاندماج
كثيراً ما يعتقد الناس أن مسألة المشاريع والعمل والإنتاج ترتبط فقط بالجوانب المادية أو الربح المالي فقط، وهو ما رفضه “سراقبي”، مشيراً إلى أن العمل والمساهمة الاقتصادية في الحالة السورية تحديداً تمتد إلى عدة مجالات أخرى على رأسها العلاقة مع المجتمع المضيف، والمساهمة في تقليل الضغط عن الحكومة عبر توظيف اللاجئين في تلك الشركات أو الأنشطة، إلى جانب ترسيخ ثقافة الاندماج التي تكلف سنويا آلاف اليورهات حسب قوله.
يضيف “سراقبي”: “في محالنا كافة الموظفين من اللاجئين السوريين أو العرب، وهذه إحدى الأمور الإيجابية، فهذا يساعد بشكلٍ أو بآخر بتخفيض الضغوط عن الحكومة، إلى جانب مساعدة اللاجئين في إيجاد فرصة عمل غالباً ما تكون في إطار مهنتهم السابقة، ما يمكنهم من إعادة بناء مستقبلهم الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، لا سيما وأنها مهمة لتكون بالسهلة في بلد غريب بلغة وثقافة مختلفتين”.
في جانب آخر، لفت “سراقبي” خلال حديثه إلى مدى مساعدة الأعمال التجارية المرتبطة بالثقافة والعادات السورية في ترسيخ مفهوم الاندماج الذي تعتبره ألمانيا واحد من أهم المعايير التي تحكم من خلالها على أحقية اللاجئ بالحصول على جنسية البلد الذي يعيش فيه، مضيفاً: “فتح المجال للتواصل باتجاهين بين اللاجئين والمواطنين يساعد على سرعة الاندماج بين الطرفين وتعرف كل منهما على الآخر، وكما يقال في بلادنا يجمع بينهما الخبز والملح”.
نقطة الاندماج الأخيرة كانت أكثر النقاط التي شدد “سراقبي” على أهميتها، موضحاً أنها تظهر بشكل مباشر وصريح أن السوريين أتوا هنا نتيجة ظروفٍ معينة، وأنهم لن يكونوا عالةً على المجتمعات المضيفة، وإنما عنصر من عناصر البناء فيه وأداة انتاج وتحريك اقتصادي هامة، إلى جانب محاربة ما يتردد في بعض وسائل الإعلام العالمية من أخبار هادفة لتشويه صور اللاجئين وإظهارهم بصورة غير حقيقية على حد قوله.
يذكر أن الجالية السورية في ألمانيا تصنف كثالث أكبر جالية أجنبية في البلاد بعد الأتراك والبولنديين، بحسب مكتب الإحصاء الاتحادي.