معاناة المعلمين السوريين في ألمانيا.. بين القانون واختلاف أسس التعليم
العرب في أوروبا – حسام حميدي
وجدوا الأمان ولكنهم فقدوا المستقبل، فلا شيء يعلو اليوم فوق اليأس الذي سيطر على معظم المعلمين السوريين اللاجئين في ألمانيا إن لم نقل جميعهم، بعد سنوات من المحاولات الفاشلة للعودة مجدداً إلى مهتنهم.
المشكلة بحسب ما اختصرها المعلم السابق “محمد ذياب” خلال حديثه مع “العرب في أوروبا”، تكمن في ناحيتين متناقضتين أولهما قانون أنصفهم واعترف بشهادتهم دون أن يمنحهم أي حلول، وثانيها شركات رفضتهم دون التفات لخبراتهم أو إمكانياتهم، مشيراً أن بين الاثنين تبخرت سنوات طوال من الدراسة والتعب والعمل، ليصبح حلم العودة إلى مهنة التدريس سراباً يتلاشى كلما حاولوا الاقتراب منه.
منذ البداية .. جهود ضائعة ومحاولات محكومة بالفشل
“فعلت كل ما بوسعي، لم اترك باباً إلا وطرقته، ولكن في النهاية كل شيء ذهب أدراج الرياح” شرح بسيط عرض خلاله “ذياب”عبر تجربته الشخصية جانباً من معاناة المعلمين السوريين في ألمانيا، مضيفاً: “منذ اللحظة الأولى التي وصلت بها إلى هنا قبل ثلاث سنوات بدأت بفعل كل شيء أستطيع فعله كي أمارس مهنتي، تعلمت اللغة ووصلت إلى مستوى B2 وأجريت الكثير من الدورات في مجال التعليم ولكن كل ذلك لم يكن له معنى أو فائدة”.
بين أوراقه وشهادات خبرته، ووثائقه الألمانية، استذكر “ذياب” أولى محاولاته للعودة إلى ما وصفه بـ”وضعه الطبيعي” كمدرس، من خلال إجراء براكتيكم “عمل بمدة تجريبيية بدون راتب” في إحدى الروضات لمدة ست أشهر، والتي كانت فعلياً أولى خطوات فقدان الحلم بالنسبة له على حد قوله، مضيفاً: “سررت كثيراً عندما حصلت على هذه الفرصة وظننت أنها بداية الأمل ولكن مع الخوض أكثر بالتجربة أيقنت أن الطريق لا زال طويلاً”.
خيبة أمل “ذياب” وبحسب ما قاله كانت عندما أخبرته مديرة الروضة بأن وضعه لا يسمح له بالاستمرار والعمل على اعتبار أن الشركات أو المدارس الألمانية العاملة في مجال التدريس تمنح الأولوية المطلقة للشهادات الألمانية حتى وإن كانت مجرد شهادة تأهيل مهنية، مضيفاً: “لا أدري كيف أصف شعوري في تلك اللحظة، ولكن كل ما تذكره وقتها هو لحظة تخرجي من الجامعة”.
على طاولة صغيرة نثر “ذياب” كافة الأوراق التي قال إنها طلبات التوظيف أو التأهيل المهني التي أرسلها خلال العام الماضي، وذلك في إشارة منه أن اليأس لم يسيطر عليه منذ المحاولة الأولى، وإنما تلا ذلك عدة محاولات أخرى سواء في روضات أطفال ومراكز خاصة باللاجئين، مشيراً أنها كلها كانت تأتي بذات النتيجة “لا جواب”.
وتسائل “ذياب”: “ماذا علي أن أفعل أكثر من ذلك؟”، لافتاً بعد لحظات من الصمت إلى انه حاصل على شهادة من كلية التربية اختصاص مناهج التعليم بجامعة دمشق، وأنه قد عمل كمدرس في سوريا لعدة سنوات، إلى جانب خوضه دورة تأهيلية في معهد ألماني لمدة ستة أشهر.
مطرقة الواجبات وسندان المطلبات وخيارات مؤلمة
بعد نظرة خاطفة على طفله “يوسف” الذي رزق به مؤخراً، فيما بدا أنه محاولةً لإخفاء مظاهر اليأس التي سيطرة على ملامح وجهه، أشار “ذياب” أن المعلمين الأجانب عموماً يعيشون اليوم حالة حصار حقيقية بين ضرورات إيجاد العمل لتحسين ظروفهم القانونية، وبين عجزهم عن إيجاد فرصة لذلك العمل، مضيفاً: “ليس من السهل أن تلقي سنوات من عمرك في القمامة”.
أمام هذه المتطلبات، وأمام البحث عن طريق الحياة الجديدة، أشار “ذياب” أن العديد من المعلمين لا سيما الكبار في السن اتجهوا نحو ما يعرف بتبديل المهنة أخرى كالحدادة أو قيادة الباصات أو في توصيل الطلبات، لاسيما وأنهم باتوا في مرحلة عمرية لا تسمح لهم إضاعة المزيد من السنوات على حد قوله.
مقترحات وحلول غائبة
“حاول مرة أخرى”، ربما هي أكثر عبارة تغضب المرء عندما يسمعها بعد إجراء أي تجربة حتى لو كانت مجرد محاولة لإجراء مكالمة مع موظف أو شركة ما دون أن يجد أي طريقة أو حلٍ آخر سوى إعادة المحاولة، فكيف وإن كانت تلك التجربة مرتبطة بمصير وحياة كامليين، يقول “ذّياب” موضحاً أن أكثر ما يعمق من معاناتهم كمعلمين سابقين هو غياب الحلول أو محاولات الحلول.
يقول “دياب”ً في سياق عرض رؤيته للحل: “لقد أضعنا أكثر من ثلاث سنوات فيما يسمى دورات الاندماج، وبرأيي أنه من الأفضل لو تتجه الحكومة الألمانية لاستبدال هذه الدورات، بدورات تأهيلية حقيقية للمعلمين في الجامعات بحسب الطرق والأساليب الأوروبية في التربية”، مشيراً أن معظم المدارس أو الروضات يرجع رفضها لتوظيف اللاجئين إلى الاختلاف بين أسس التربية والتعليم في الشرق الأوسط ونظيراتها في أوروبا.
ويوضح “ذياب” أنه من خلال هذا المقترح تكون الحكومة في بداية الأمر ساهمت في سد الثغرة أو النقص في أعداد المعلمين، ومن جهة أخرى تساهم في ادماجهم بسوق العمل بوقت سريع، بدلاً من انفاق أموال طائلة على دورات لا تسمن ولا تغني من جوع على حد قوله، خاتماً حديثه بالتأكيد على أن لا ينتقص من أي مهنة ولا يحقرها طالما أنها مهنة شريفة تمكن صاحبها من كسب رزقه، وإنما يعرض معاناته مع وضعٍ قائم يحرمه من المهنة التي اختارها لنفسه وقضى سنوات في دراستها وجمع الخبرات فيها.
يشار إلى أن ألمانيا تواجه نقصاً شديداً في أعداد المعلمين، حيث أظهرت مجموعة من التقارير أن البلاد بحلول العام 2030 ستكون بحاجة إلى ما يزيد عن 32 ألف معلم إضافي لسد الثغرة.
آليات التعاطي مع اللاجئين في ألمانيا مؤتمتة، بمعنى لا تفرق بين الأشخاص و خبراتهم و مؤهلاتهم فهي كالتالي (إقامة، لم شمل، لغة) و انتهى، إما بيحولوهم إلى maßnahme اللي صارت رعب للكل، أو ليورو جوب، أو بأفضل الأحوال Umschulung.
أكثرنا وصل لمرحلة اليأس و الاحباط بعد الرفض من عدة جهات أو حتى لعدم الرد بتاتاً و كأن طلباتنا لم تصل للجهة المرسَل إليها