فرنسا: مؤيد أبازيد
القليل من الجمعيات العربية في أوروبا مزجت بين الاندماج والحفاظ على الهوية، من بينها “جمعية التعاون السوري الفرنسي ” في مدينة “نانسي” بمقاطعة “اللورين” شرقي فرنسا.
الجمعية التي تأسست نهاية 2015، تعمل لمساعدة السوريين الواصلين حديثاً، ولم تكتف بذلك بل تعددت نشاطاتها ما بين المسرح والفن والسينما وفعاليات ثقافية متنوعة، وما زاد من تعدد ونجاح تلك النشاطات، وجود متطوعين فرنسيين ساعدوا الجمعية منذ تأسيسها، إضافة للمساعدة الكبيرة التي قدمها مركز” الثقافة والشباب” في “نانسي” لهذه الجمعية ووصل حد الشراكة.
فكرة تأسيس الجمعية وخبرتها القانونية
يقول “معن كفا” رئيس الجمعية لموقع “أخبار العرب في أوروبا”: تهدف الجمعية في المستوى الأول وهي علمانية تخضع للقانون الفرنسي، لمساعدة السوريين الواصلين حديثاً الى المدينة وضواحيها على كافة المستويات الإدارية، أما المستوى الثاني فهو الاندماج والحفاظ على الهوية في الوقت ذاته، ويكون عبر تسهيل التعاون ما بين الفرنسيين والسوريين الموجودين قديماً مع السوريين الواصلين حديثاً”.
وعن فكرة تأسيس الجمعية أشار إلى أنها جاءت بناءً على نصائح من أصدقاء فرنسيين، لاسيما أن مساعدة الواصلين إلى نانسي بدأت منذ بداية 2013، وكانت بجهود فردية.
وأكد أنه نصف أعضاء الهيئة الإدارية للجمعية ( 10أعضاء) هم من الفرنسيين المتضامنين مع القضية السورية، والنصف الآخر هم فرنسيون من أصل سوري أو من السوريين المقيمين.
وفيما يخص المساعدة التي تقدمها للواصلين الجدد، أوضح بأن “أعضاء الجمعية أصبح لديهم خبرة متراكمة وواسعة في القانون الفرنسي، جاءت نتيجة التعامل اليومي حول مراحل تقديم طلب اللجوء في فرنسا”، مضيفا: “نحاول لحظة وصول أي عائلة سورية أو أي شخص لمدينة نانسي وضواحيها، مساعدته في كل خطواته من لحظة تقديم طلب اللجوء حتى تأمين السكن”.
وحول نشاطها خارج “نانسي” يقول “كفا” :”المساعدة تكون عبر شبكة العلاقات، من خلال متابعة الملف عن بعد عبر التواصل مع المساعدين الاجتماعيين، كذلك أي سؤال يأتي للجمعية عبر صفحتها على الفيسبوك يتم متابعته سواء من نانسي أو من خارجها للمساعدة في حل مشكلته، إن وجدت كذلك فإن أي لاجئ من أي جنسية مرحب به في الجمعية ويوجد حالياً العديد من الجنسيات العربية ضمن دورات اللغة”.
تسهيل الاندماج ..الأطفال هم الأساس
أكثر ما يعانيه أي قادم جديد إلى أوروبا هو موضوع الاندماج، لكن الجمعية حاولت أن تتجاوز هذه العقبة من خلال كسر حاجز اللغة الذي يمنع التواصل مع المحيط .
يقول رئيس الجمعية:”وجود جالية سورية يخفف عن العائلات الإحساس بالغربة، لكن رغم ذلك نحن واعين لهذه النقطة، ونعمل لتجاوز حاجز اللغة في وقت قصير من خلال دورات لغة ثابتة على عدة مستويات من المبتدئ حتى المتقدم، والمستوى المتقدم يخص الطلاب الجامعيين ويتم من خلال أستاذ جامعي فرنسي متقاعد متطوع “.
وتابع:” الجمعية تركز على الأطفال، لأنه يعول عليهم في مسألة الاندماح، ونعمل أيضا لتجاوز مسألة التعقيدات الإدارية، بحيث تقع المهمة على عاتق الجمعية، والمقصود ليس اللغة الفرنسية، فالمدرسة تكفي، لكن من خلال ورشات عمل مع أطفال فرنسيين لكسر الحاجز بين الطرفين ، إضافة لوجود ورشات للأشغال اليدوية والرسم، بمعدل مرة في الشهر مسؤولة عنها مهندسة فرنسية، ويصل عدد المشاركين في الورشة لنحو 30 طفلاً، وتكون حول مواضيع مختلفة، مثال منزله كيف كان يتصوره في سوريا وكيف أصبح الآن من خلال رسومات أو مجسمات تنمي خيال الطفل”.
وأضاف بأن “هناك ورشة أخرى خاصة بمسرح الطفل وهي مهمة من أجل موضوع اللفظ وتتم من خلال مخرجتين فرنسيتين وتكون الورشة مرة كل أسبوعين بالتناوب، ويشارك فيها 10 أطفال سوريين و5 أطفال فرنسيين”، لافتاً إلى أن الجمعية أطلقت مؤخراً ورشة مسرح للبالغين وتهدف لتجاوز موضوع نطق الفرنسية.
ولم تكتف الجمعية بالاندماج فعملت للحفاظ على الهوية، وبما أن الخطوة الأولى هي تعلم اللغة الأم، قامت بعمل دورات مستمرة لتعليم العربية للأطفال السوريين.
يعتبر مدير الجمعية أن الطفل بعد فترة يخسر لغته وستكون لغته العربية مختصره على المحكية في البيت، كذلك مفرداته قليلة، لهذا عملت الجمعية على إقامة دورة مستمرة تكون يوم في الأسبوع أيام السبت او الاحد، لتعليم العربية ضمن منهاج وبشكل أكاديمي.
شرائح الشباب ومنتصف العمر
في فرنسا يعاني الشباب غير الدارس، ضمن الشريحة العمرية ما بين 18 و25 عاماً، من اشكالية عدم تغطيته بالمساعدات الاجتماعية، هذا الأمر جعل الجمعية تعمل للاهتمام بهذه الشريحة، وادخالها ضمن سوق العمل عبر دورات لغة مكثفة ودورات مهنية متنوعة تمتد من عدة شهور حتى عامين وتكون مأجورة حتى دخوله سوق العمل.
يشير مدير الجمعية إلى أن مشروع ادخال شريحة الشباب في سوق العمل، مهم جداً، وتتم بالشراكة مع التضامن الاجتماعي في البريفكتور “المحافظة”، وهي من أهم الأعمال التي قامت بها الجمعية في الفترة الأخيرة.
وأضاف بأن شريحة أخرى لا تقل أهمية، وهي ما بعد الـ40 عاماً، حيث تعاني هذه الفئة من صعوبة تعلم اللغة بشكل سريع، لاسيما أن أغلبهم لديه شهادات علمية وتكون اللغة حاجزاً لدخول سوق العمل.
وأكد بأن هذا المشروع تم بعد طلب “البرفيكتور” من الجمعية، حيث تتم دورات لغة ودورات مهنية في مجال الاختصاص تهيئ الشخص لدخول سوق العمل ضمن شركات كبرى، خاصة من يملك شهادات هندسة وغيرها من الشهادات العلمية المطلوبة في فرنسا.
ولفت بأن العديد من الشركات وافقت على قبول توظيف العديد منهم، حتى لو لم يكن يتقن الفرنسية جيداً، بحيث يكون على عاتقها تطوير لغته.
معرض الكتاب ..
رغم أنها التجربة الأولى للجمعية في تنظيم معرض للكتاب الذي تمت بالتعاون مع جمعية “العمال المغاربي” وجمعية “ديوان” في منطقة “اللورين” بالإضافة لـ “بيت الشباب والثقافة” في نانسي، إلا أن المعرض حقق نجاحاً فاق تصورات المنظمين .
المعرض كان مخصصاً للكتب العربية والفرنسية التي تتحدث عن العالم العربي، ونُظم نهاية شهر تشرين الثاني الماضي على مدى يومين، استطاع جذب انظار الفرنسيين والعرب، حيث زاره أكثر من ألف شخص، شكل الفرنسيون نحو 30% موزعين ما بين مهتمين بالثقافة العربية، كذلك عشرات الفرنسيين الذين لديهم نظرة نمطية سلبية تجاه العرب وثقافتهم، حيث كان المعرض مناسبة لتعريف هؤلاء بالعرب عبر الكتاب.
يؤكد مدير الجمعية بأن فكرة المعرض للكتاب باللغتين الفرنسية والعربية عن العالم العربي، جاءت من أجل إقامة جسر للتواصل بين الثقافتين العربية والفرنسية، مشيراً إلى أن المعرض شارك فيه بالإضافة لدور نشر من تونس والمغرب، دار نشر فرنسية مختصة بالرويات المصورة وكانت مشاركتها خاصة بالعالم العربي.
كذلك تم دعوة المكتبة المتنقلة التي يقوم بها “ورد الدمشقي” بمشاركة 400 عنوان، وتم دعوة الكاتب اليمني الفرنسي ” حبيب عبد الرب سروري”، لاسيما أنه يكتب بالفرنسية والعربية وتم اختياره كرئيس شرفي للمعرض إلى جانب رئيسة المعرض الرسمية السورية”ريم الحلو”.
المعرض كان مناسبة للنقاش حول صعوبات النشر والكتابة في العالم العربي، لاسيما أنه يقال عن العالم العربي ” عالم لا يقرأ”، هذا النقاش كان بين عرب وفرنسيين.
سوريا في القلب
دأبت الجمعية على تنظيم فعالية “سوريا في القلب” كل عامين مرة وكانت أخر دورة من منتصف شباط حتى نهاية آذار الماضي، وهي فعالية ثقافية امتدت لنحو شهر ونصف.
وضمن الفعالية كانت الثورة السورية حاضرة من خلال نحاتة سورية، قامت بعرض أعمال عن المرأة السورية ودورها في الثورة، كذلك ندوة عن حقوق المراة ودورها في المجتمع السوري من خلال نقاش بين عدة صحفيات سوريات .
كذلك تمت دعوة المفكر الفرنسي “فرانسوا دوغا” وهو خبير بالوضع العربي والمنطقة العربية وكانت أخر أقامة له في دمشق عام 2013 ، حاول وضع الجمهور الفرنسي والعربي حول ما يجري في سوريا عبر تحليل وشرح كان شاهداً عليه في سوريا.
تجربة الجمعية لم تقف عند ذلك، فهي تعمل أيضاً على عرض الأفلام التي تتحدث عن المأساة السورية بشكل مستمر كفيلم تم تصويره في داريا “مكتبة تحت القصف” وفلم “من اجل سما”، في أهم صالات العرض في نانسي، بهدف وضع الجمهور الفرنسي ما كان يحدث في سوريا أثناء حصار حلب والقصف والقتل اليومي، ومن خلال النقاش ما بين الجمهور السوري والفرنسي بعد عرض الفلم .
بقي أن نقول أن مدينة نانسي تعد من أكبر المدن في مقاطعة ” اللورين” حيث يبلغ عدد سكانها مع الضواحي اكثر من 360 ألف ويوجد فيها حالياً اكثر من 600 عائلة سورية وصل معظمها بعد العام 2014.
رابط صفحة جمعية( FSE France Syrie Entraide جمعية التعاون الفرنسي السوري) على الفيس بوك
https://www.facebook.com/pg/FSENancy.fr/photos/?ref=page_internal