ابداعات ومواهبتقاريرثقافة وفنون

قادماً من إدلب.. “علي الزعيم” شاب يحمل لواء الشعر في المانيا

خلدون المزعل – ألمانيا

حملته أمه وهي بالقرب من حدود الجولان المحتل، لم ينس إدلب وزيتونها، وفلسطين وجنينها، فكتب:

أنا جنينٌ تنفّس

عطرَ الجولان

جرّحت ولادته

أسلاكها ..

فصعدَ الشّمال

يُقبّل

جبهةَ الزّيتون ..

تعلم الكتابة منذ صغره وعشقها كما عشق مدينته بزيتونها و كررزها و جبلها، ابن مدينة إدلب الخضراء الشاعر الشاب “موسى علي الزعيم” المقيم في مدينة برلين يقول لـ”أخبار العرب في أوروبا”: “إن الشعر بالنسبة لي ليس مجرد بداية، الشعر طيور، أرواح من الأفكار والمشاعر تجوب حولنا، وهو صديق تشعر به في كل ثانية و تبدأ العلاقة بين الإنسان والشعر بالتعارف عن طريق وسيط ،ومدينتي ادلب المنسية كانت الوسيط، و زاد والدي الأديب موسى لزعيم من فضولي للتعرف على هذا الفضاء الإبداعي، إذ كان يصطحبني منذ كنت صغيراً إلى المركز الثقافي الذي كنت أسميه المركز الكرزي لأنه يقع بجانب سوق الكرز في مدينة أريحا“.

ويتابع الشاب الشاعر ابن العشرين عاما: “كتبت أول قصيدة في الصف العاشر، وأول كتاب قرأته (الأجنحة المتكسرة) للرائع جبران خليل جبران الذي مزج بين الفلسفة والأدب، وتأثرت به كثيراً كونه كاتب في المهجر رغم صغر سني ولم أتخيل أنني ساغادر بلدي سوريا، طفلاً هاربا من الحرب والدمار، ورصاص الغدر وقذائف النظام والآلام التي شوهت بلدة بلدتي أريحا وحرقت زيتونها حتى اختلطت رائحة ترابنا في الشتاء بأنفاس حقدهم على أسمائنا”.

يصر الشاب الذي ترك وطنه في عمر الخامسة عشر على تذكر طفولته التي عاشها في زمن القتل والدمار فيقول: ” الغريب في وطنه هو الذي يجبر على ترك داره و حجارتها و الإلتزام بالملاجئ، هو الطالب الذي يرى مدرسته على بعد ١٠٠ متر لكن الوصول إليها يعتبر موتاً، كل حدث كل ثانية كل وجه رأيته ، وكل رصاصة جبانة سمعتها أعيدها في ذاكرتي في المهجر، وهو ما حفزني وجعلني أمسك بالقلم واطلق العنان لخيالي” .

كتب قبل عام قصيدة “أيها المسلحون” عن حادثة تعرض لها أثناء عودته من درس اللغة الفرنسية ليتم اعتقاله من قبل النظام، يوضح “علي الزعيم”: “كان حزني وخوفي على شوارع مدينتي أكبر من الموت،.. الحزن هو أن أحرم من حرية التجول حيث ولدت و كبرت هذه هي الغربة بعينها، ان افقد الشعور بوطني حين يحارب لأجل وجوده لأجل ذاته و ما الوطن إلا نحن و نحن الوطن”، ويضيف “لا يمكن فصل الشعر عن واقع سوريا ولا عن السياسة ، كيف اكتب دون ذكر تلك الأطلال والذكريات، سأبقى أتذكرها ولن أهرب من الواقع، هذا شعبي أحبه و أعلم ما في قلوبهم من بساطة و حب فكيف أنساهم و أهرب من دائرة تاريخنا و ماضينا، هم أكرم من قصيدة أكتبها“.

BY Rottkay

أيها المسلحون

لا تحرقوا الرصاص

بصدري

لا تأخذوا خوفي

لأمي

و تزعجوا ربيع

يومنا بدبابةٍ

تخاف وجوهنا

أيها الخارجون

للحياة لا تحذروا

ركام البنادقِ

ستتمزق القمصان

من أجسادكم

لتروي شمسنا

ماء الوقوفِ

أيها المسلحون

لا تتركوني أرحلُ

دون وطني

سأتحجّر في عقب جدارٍ

حتى تملّ مخازنكم

لن أسأل

الجنود العابرين

عن النور

سأعود للدرس

بجنون ..

أضم الأبواب

أزعج الطرق

بلهيب الوصولُ

و سأترك الزناد

يبحث عني

من جديد

وعن وصوله إلى ألمانيا يقول” وصلت الى ألمانيا مع أسرتي وأنا بعمر الخامسة عشر، وعشت كل مراحل العذاب والأوجاع وألام السوريين في طريق وممرات الموت، فكانت مرهقة قصائدي متعبة خائفة كالطفل الضائع بين إستهلاكية الغرب وغربتي التي لم تكن بالنسبة لي (غربة الجسد)، بل (غربة الفكر)، فأنا اليوم أعيش في جنون برلين ، كأسير، و لكنني ما زلت اخاف على نصبات زيتوننا و افكر فيما إذا حجارة الدار إشتاقت لاطيافنا. فلغتي العربية وقصائدي هي رسالتي في سجن الغربة “.

و كم أتمنى

أن أكون على الطريق القديم

لبيتنا الأوّل

حيث يشمخ الحجر

الأوّل و الأخير

كلّ الطرق بعدك اختلفت

تجعّدت

امتلأت

و لغاتٌ كثيرة

حتّى مللت الحروف من كثرتها

أمّا بيتنا الأول

فهو كوحمةٍ على باب الجنّة

وعن تأثير البيئة على ما يكتبه، يوضح الزعيم:“ أنا اكتب عن مواقف تختارني و اختارها ،اختار الشعر لحفظ الذاكرة ، الغربة عدو لقصيدتي تارة و صديق تارة أخرى ، لكن الزيتون يستوطن شعري، الشوق و الدفاع عن الذات العربية موجود، الغضب و الخذلان من أصحاب القرار يفجر قصيدتي حتى البكاء“.

ويضيف ” أكتب القصيدة كردة فعل عن حدث أثر بي وهنا أريد أن أذكر قصيدة “إخراج قيد” التي كانت جواب عن بريد وصلني من محكمة ألمانية تشكك بهويتي، فتفجرت مشاعري في الدفاع عن نفسي و نكران الشكوك في وجودي و تاريخي”.

BY Rottkay

إخراج قيد

تلك بلادي

حيث الأساور الدمشقيّة تكمل وجه الشمس

الثورة تدفّئ أجسادنا من الشمال إلى الجنوب

تلك بلادي قبل الحرب.. و بعدها

وعليها

يتخدّر الحبّ فوق ترابها

يا جلق أعيادي

ما الرصاص و ما القذائف

إذا افترش عطر سيدتي مداخل قصيدتي

أطلقت عند المهد الشجرةَ

أمي

أوّل بسمة رست على زيتونها

أنا اليوم أسير رومٍ

موظّف يستجوب البسمة و الأبجدية

كأنّه تناسى تدمري..

هنا في تجاعيد وجهي..

تحت أظافري

اقرؤوا..

عناوين معاصر الزيتون

أصص الريحان على شرفاتنا

أسماء الرعاة..

وبقايا الرغيف الأول

حكايا أختي لدميتها

وانتبهوا..

لا تقلقوا يقين هويتي

هي سوريا ككف مريم تشفي طريقي بعد صلب السنين

اللغة العربية بالنسبة لـ ” علي الزعيم”: “هي الصبية الحسناء، عندما كنت أشارك في صغري بعيد اللغة العربية وأحضر الندوات تختلط في طفولتي ألوانها, كبرياء هذه اللغة علمني منذ الصغر ما هو العشق و ما هي المرأة”.

ويتابع “المرأة في قصيدتي هي زينة من الذهب، فالأم هي سوريا و أمي التي غطت صدري بأغصان الزيتون و عطرت رائحة مسيرتي بتراب أرضنا، ومدينتي التي عشقتها اسميتها (سعاد) لأنني أعلم حق اليقين أنها تستحق تلك السعادة و الفرح، وسعاد هذا الاسم الأنثوي العريق الذي يحمل بحروفه ماض و تاريخ عظيم، أما الثورة فهي أم حلقت لتعود بنا للمجد والحرية، فما المرأة إلا كل القصيدة”.

BY Rottkay

وعن نشاطاته في ألمانيا يقال الزعيم: “أخر مشاركاتي كانت في نهاية العام الماضي في مدينة ميونخ بأمسية شعرية كتبت عنها صحيفة الجنوب الألمانية في (Literaturfest München)، كما أنني شاركت في مشروع كتاب للشعر في العام 2019 يتحدث عن اللاجئين في قصيدتين (لا تذكروني) و (إلى أبي). قصيدة (لا تذكروني) تتحدث عن فكرة رفض إظهار الشفقة والتعاطف مع اللاجئين ، لانك فكرة (لاجئ ) لا تسعد أصحابها, فعندما تقول لصاحب قضية و ارض انك تعطف عليه فهذه برأيي إهانة له “.

لا تسجّلوا

إنّي لاجئ

أتيتكم بسترة نجاة

بلا حقائب

لا تذكّروني بطرق الأناضول

بالبيوت الإغريقية

لا تتفاخروا

أني مُسجّل لديكم

و أني اليوم أحسن حروفكم

لا تتحدثوا إلي بنبرة الأمراء

فأنا راع أغنام

تعرفه البراري

وتخشاه الذئاب

لا تعطوني جواز سفر

يربك مطاراتكم

و لا حصة جغرافيا

تعلّم أنّ النفط

لدينا كالأنهار

لا تكتبوا اسمي بالصحف

و لا على أبواب المؤتمرات

فأيّ فخرٍ هذا؟

حين استبدلوا وطني

بشفقة صحفيّ أو ضمّة امرأة عابرة

لا تقرؤوا قصيدتي

لكن اقرؤوا تاريخي

لا تعلقوا

بل انصرفوا

لكؤوسكم

فأنا لديّ ليلٌ

طويلٌ

للتفكير

بموسم الزيتون

ويتابع “علي”: “شاركت مع العديد من المدارس الالمانية في التدريب على الكتابة (The poetry project )، كما عملت سنة و نصف في جلسات كتابية مع أجانب و كتبت بعض القصائد التي تمت ترجمتها إلى الألمانية”.

وعن مشروع الكتابة (The poetry projec)، يشرح: “هو مشروع ألماني لكتابة الشعر بين اللاجئين والشباب الألمان وما لفت انتباهي اعجاب مؤسسة المشروع وهي صحفية المانية بالشعر العربي و تطوره، فتعلمت أن الشعر العربي هو جزء من حضارتنا و تراثنا، فوقع إختيارها على هذا المشروع لأنها رأت ان الشعر الألماني في تدهور”.

BY Leo zimmermann

وعن نشاطاته وأعماله القادمة يقول الشاعر الشاب: “أعمل الآن على إصدار اول كتاب لي بالعربية مترجم للالماني،وسيكون مفاجأة جديدة على ساحة أدب الشباب العربي، ورسالة هذا الكتاب ستكون موجة لنا نحن كسوريين لنرى ما مدى الظلم والقهر الذي نعيشه، حتى نكون أقوى وعلى وعي أكثر بما يسجله التاريخ عنا ، لأنني أرى أن هذا الشعب العظيم عانِى الكثير لكن بدرجات مختلفة، أما الكتاب الآخرسيكون عن ذكريات من محافظة إدلب، وأعني ذكريات الناس هنالك ، فأنا اجمع قصصا عن الناس أثناء النزوح والفقر وصعوبة الحياة وسأترجمه للالمانية، ليكون موجهاً للغرب في رسالة تأكيد على صمود هذا الشعب .“

ويختم الزعيم :”أتمنى من الشباب السوريين في المهجر، ألا ينسوا وطنهم الأم ولا يتخلوا عن قضيتهم، ولا أن يتجاهلوا المعتقلين ، فالوطن جلدنا، فلا تظلموا سوريا العظيمة فهي تحبنا“.

انتظري أمّاه

لعلّ والدي

يعود من

وحشة الدم

و يضمّك

كما كان

يضّم صوري

أنا الشهيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى