مفارقة سياسية شهدتها الحكومة النمساوية الجديدة بتعيين وزيرة عدل مسلمة من أصول بوسنية “لاجئة” في حكومة يغلب عليها الطابع اليمين.
“ألما زاديتش” كانت في العاشرة من عمرها حين هاجرت مع والديها من البوسنة إلى النمسا عام 1994 هربا من الحرب التي كانت حينذاك تفتك في كثير من مناطق الاتحاد اليوغسلافي سابقاً. وبعد مضي ربع قرن على هجرتها القسرية، تسلّمت “زاديتش” حقيبة العدل في حكومة المستشار المحافظ “سباستيان كورتس.”
درست “زاديتش” القانون ونالت درجة الدكتوراه في مجال حقوق الإنسان وعملت في مجال المحاماة، تسّلمت حقيبة وزارية إلى جانب ثلاثة آخرين من حزبها “الخضر” الذين انضموا إلى حكومة كورتس بعد انهيارها على خلفية قضايا فساد اتّهم بها حزب الحرية اليميني شريك حزب كورتس (حزب الشعب وهو يمين الوسط) في الائتلاف الحاكم.
وقبل أن تتسلّم زاديتش مفاتيح وزارة العدل، أخذت تتلقى من اليمين المتطرف سيلاً من التهديدات بسبب انتمائها العرقي والسياسي، وعلى إثر ذلك حصلت الوزيرة على حماية من الشرطة، وذلك بعد ساعات من أدائها اليمين الدستورية في السابع من شهر كانون الثاني/يناير الماضي.
“زاديتش” ابنة اللاجئيْن البوسنيين وعضو حزب الخضر التقدمي، دخلت معترك السياسة قبل ثلاث سنوات بهدف واضح: محاربة اليمين المتطرف الصاعد، والآن، هي مكلفة بالدفاع عن السياسات التي تم تكريسها من قبل اليمين المتطرف في السنوات السابقة لمنع المهاجرين من دخول البلاد.
وكان حزب الشعب المحافظ الذي يتزعمه كورتس قد توصل مع حزب الخضر الأسبوع الماضي إلى اتفاق لتشكيل ائتلاف حاكم (11 وزيرا من حزب الشعب و4 وزراء من حزب الخضر ووزير واحد مستقل)، يضع حماية المناخ وخفض الضرائب في مقدمة جدول أعمال الحكومة، مع مواصلة العمل بالنهج المتشدد لحزب الشعب فيما يتعلق بملف الهجرة.
ولعلّ المعضلة الأخلاقية التي يواجهها حزب الخضر (الذي يُعرف بسياساته الداعمة للاجئين والمهاجرين)، تكمن في أنه تحالف مع المحافظين بقيادة سيباستيان كورتس في ظل الخشية من أن يشكّل الخضر غطاءاً لسياسات الأخير اليمينية خاصة لناحية تشديد الإجراءات ضد المهاجرين وطالبي اللجوء وإنشاء مراكز احتجاز لهم.