زاوية

الفقير الثائر.. الشاعر الألماني “فريدريش شيلر”

“يوهان كريستوف فريدريش فون شيلر” هو شاعر ومسرحي كلاسيكي وفيلسوف ومؤرخ ألماني ولد في 10 نوفمبر 1759 في مدينة “مارباخ” الواقعة علي نهر النيكار في الجنوب الألماني، وتوفي في 9 مايو 1805 في مدينة “فايمار” عن عمر يناهز 45 عاماً.

يعتبر هو و”غوته” مؤسسي الحركة الكلاسيكية في الأدب الألماني، ومن الشخصيات الرئيسية في التاريخ الأدبي الألماني.

التحق شيلر في طفولته وصباه بمدرسة القرية في “لورش”، ثم بالمدرسة اللاتينية في “لودفيغسبورغ”، ودرس القانون، ولكنه تحول في العام 1775 إلى دراسة الطب، وقد بدأ يكتب في هذه الفترة محاولات شعرية ومسرحية وكتب في العام 1777 أولى مسرحيته وهي “اللصوص” وبالألمانية:( Die Räuber) تحت تأثير أفكار عصر التنوير. وفي هذه المسرحية يتجسد الرفض المطلق للسلطة المطلقة، والنزوع نحو الحرية الإنسانية من الاضطهاد والظلم الاجتماعي، وبذلك أصبح “شيلر” من الممثلين الأساسيين لأفكار حركة العاصفة والاندفاع «روحي ظامئة إلى الحرية»، و فرض الدوق “كارل أويجين” قرارا بمنع كتاباته لما فيها من تحريض على الطغيان والاستبداد والدعوة إلي الحرية،

هرب شيلر إلى مدينة “مانهايم”و بدأ بكتابة مسرحية “فيسكو “ التي اكتملت وعرضت في العام 1784، وتوالت بعد ذلك أعماله الدرامية، فكتب “دسيسة” و”حب” التي ينقد فيها زيف المجتمع وقسوته.

ربطت “شيلر” بالشاعر الألماني “غوته” صداقة عميقة، وكانت من أشهر الصداقات في التاريخ الأدبي، وفي تلك الفترة كتب واحدة من أروع القصائد”إلى السعادة” التي لحنها “بيتهوفن” فيما بعد في سيمفونيته “الناقصة”، وفيها يمجد “شيلر” الرغبة الإنسانية الجارفة نحو السعادة، رغم الآلام التي تكبل روح الإنسان.

ازداد اهتمام شيلر بالتاريخ، الذي يعتبره المنبع الحقيقي للتجارب الإنسانية، ومن كتاباته التاريخية: تاريخ “سقوط الأراضي الواطئة من الاحتلال الإسباني”، وقد أصبح أستاذا للتاريخ في جامعة يينا في العام 1787، وذلك بتوصية خاصة من غوته، وكانت محاضرته الأولى بعنوان «ما المعنى والهدف من دراسة التاريخ العالمي؟».

واهتم شيلر بالفلسفة، وتأثر بفلسفة”إيمانويل كانت”، وكانت له كتابات فلسفية حول الفن والأدب، ومنها عن الشعر الحساس والشعر الفطري، كما كتب المسرحيات التاريخية التي تعكس اهتمامه العميق والمتجذر بالتاريخ، فكتب الثلاثية المسرحية “فالنشتاين” التي تدور حول شخصية “فالنشتاين” أحد القادة العسكريين، في حرب الثلاثين عاما.

وكتب في العام 1800 مسرحية”ماريا ستيوارت” حول ملكة اسكتلندا”ماريا ستيوارت” وصراعها مع أختها ملكة إنجلترا “إليزابيث”، وفي سنة 1801 كتب مسرحية “عذراء أورليان”حول كفاح “جان دارك” الفرنسية، و كانت آخر أعماله “فلهلم تل” المعروفة في العالم العربي باسم “وليم تل”حول شخصية أحد الثوار في سويسرا.

صدرت أول الترجمات العربية لشيلر في العام 1900، وكانت لمسرحية “دسيسة وحب” والتي صدرت بعد ذلك في عدة ترجمات، كان آخرها عن الألمانية من إنجاز عبد الرحمن بدوي، وفي العام 1903 ترجمت أشهر مسرحيات شيلر “فيلهلم تل”، ثم أعيدت ترجمتها مرات عدة عن لغات وسيطة بعنوان”وليم تل”، وصدرت ترجمة صدرت في دمشق بعنوان “غليوم تل”، إلى أن أعاد “عبد الرحمن بدوي” في مطلع الثمانينات ترجمتها.

أما مسرحية “قطاع الطرق” التي ترجمت أيضا بعنوان “اللصوص” فقد ترجمت مرتين عن لغات وسيطة، قبل أن ينقلها بدوي إلى العربية عن الألمانية مباشرة، وصدرت في العام 1959 في بغداد ترجمة عن “هاشم المعلوف “وتضمنت مسرحيات (اللصوص ، ومؤامرة وغرام، وفيلهلم تل، وفالنشتاين، ودون كارلوس).

وإذا كان “غوته” أمير الشعراء وشاعر الأمراء الألمان، فإن “شيلر” هو الشاعر الفقير الثائر على البلاط والأمراء، ورغم تباين ظروف حياة الشاعرين تباينا كبيرا، وكذلك حظهما من الشهرة والمجد التي حظي بها “غوته”، المقرب من الأمراء ونعِمَ بها، بينما عاش “شيلر” معدماً، ومات مريضا بالسل الرئوي ولما يتجاوز السادسة والأربعين.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى