أخبار العرب في أوروبا – حسام حميدي
“كأي شاب في العشرينيات من العمر، فكرت بالزواج، خاصةً وأنني أعيش بمفردي في ألمانيا، التي وصلتها قبل خمس سنوات، لكن الواقع كان صادم وأصعب مما تخيلت”، يقول الشاب وحيد لموقع “أخبار العرب في أوروبا”، سارداً تجربة زواجه من فتاة أوروبية، بعد أن فقد سبيلاً للارتباط بفتاة من بنات جلدته.
يشير “وحيد” إلى أنه في بداية الأمر بدأ في البحث عن فتاة سورية يرتبط بها، خاصةً وأنه كان يستبعد فكرة الارتباط بفتاة غريبة نظراً لاختلاف العادات والتقاليد والتفكير، بين المجتمع السوري وغيره من المجتمعات، وتحديداً الأوروبية، إلا أن قناعته لم تصمد وقتاً طويلاً، لينتهي به المطاف بالزواج من فتاة ألبانية؛ التقى بها صدفة في المدينة، التي يعيشان فيها سوية، في شمال ألمانيا.
أما عن أسباب تبدل القناعات بداخله، يقول “وحيد”: “ارتبط ذلك بعدة أمور، من بينها قلة عدد الفتيات السوريات الموجودات في ألمانيا والمؤهلات للزواج، فالأغلب منهن إما صغاراً أو متزوجات، طبعاً بالإضافة إلى موضوع ارتفاع المهور وطلبات الزواج، التي لا يمكن للاجئ واصل حديثاً أن يلبيها، إلى جانب أنني شعرت بإمكانية أن أعيش مع زوجتي الحالية بعد أن تعرفت عليها ولمست فيها المواصفات التي أبحث عنها”.
يؤكد “وحيد” أنه اليوم وبعد عامين من الزواج، يعيش حياة مستقرة مع زوجته وطفلهما الأول، موضحاً: “الأمور بيننا تسير كما لو أنني ارتبطت بواحدة من أبناء جلدتي، ووصلت إلى قناعة بأن الزواج يقوم على التفاهم والرغبة المشتركة بين الزوجين، نعم في البداية واجهت رفضاً من قبل عائلتها كوني غريب، ولكن في نهاية المطاف نلت قبولهم واليوم تجمعني بهم علاقة جيدة جداً، والحمد لله كل شيء يسير على ما يرام”.
وبناءً على تجربته، يوضح الشاب ابن الـ 26 عاماً، أن مسألة الارتباط بأجنبية متعلقة لدى الكثيرين باختلاف الثقافات والأحكام المسبقة، ولكن المعيار الأساسي يبقى هو حسن الاختيار، وهذا لا يرتبط بأصل أو جنسية الفتاة وإنما في طباعها وتفكيرها ونظرتها إلى الزواج، موجهاً نصيحة للشباب الراغبين بالزواج أن لا يستبعدوا فكرة الارتباط بأجنبية، لكن على أن يمنحوا أنفسهم المهلة الكافية بالتعارف وخلق فرص للتفاهم بينهما.
حالات اجتماعية ونتائج إيجابية
الباحثة الاجتماعية، “سميرة المبيض”، ترى أن الزواج المختلط، يخلق حالة اجتماعية جديدة تضع عادات وتقاليد كل مجتمع في بوتقة التفاعل المستمر مع الآخر وهذا التفاعل قد يقود الى نتائج ايجابية في حال عدم وجود رفض للانفتاح او تشبث بمظاهر وتقاليد سطحية ليست قابلة للحياة في كافة الأطر المكانية والزمانية، وقد يكون له اثر سلبي ان وجد بحالة مستمرة من التفاضلية واثبات تفوق ثقافة على أخرى بعيداً عن مفهوم التكامل والمساواة الانسانية.
وتضيف “المبيض”: “لا يمكننا تعميم حالات النجاح او الفشل بل هي تتعلق بالمرجعية الثقافية للمعنيين من الشباب السوري بمسألة الزواج المختلط، ومن العوامل التي يمكن أن تدعم نجاح مثل هذه الخطوة هي وجود القدرة على تقبل الاختلاف والنظر له بمنظور ايجابي والانفتاح على ثقافة الآخر وعدم وجود حكم مسبق سلبي”، مشيرةً إلى أن هذا النوع من الزواج يؤثر على الأطفال ممن ينشأون في مجتمعات متنوعة من جهة اكتساب الثقافات المحيطة بهم بسرعة وعفوية، لافتةً إلى أنه في حالة وجود عامل ضاغط سلبي تجاه إحدى الثقافات، قد يؤدي ذلك إلى اضطراب في مكتسباتهم ونشوء ردود فعل قد تبعد الاطفال عن مسار سليم مُتزن.
في ذلك يمكننا الاشارة لاتجاهين سلبيين اما الانغلاق على الهوية الثقافية المرتبطة بالاصول ورفض اي هوية اخرى مما يؤدي غالباً لحالة تشنج ذات اثر سلبي على العائلة والاطفال، او الغاء الهوية الثقافية المرتبطة بالاصول وهذا بدوره يؤدي لحالة غضب كامن وعدم تفاعل ايجابي مع المحيط، اعتقد ان التوازن يكمن في اعتزاز كل فرد بهويته الثقافية والتي لا تتناقض مع اي مفهوم انساني عالمي وترك الباب واسعاً لتقبل التعددية الثقافية وتكاملها.
الخطابة وحملات زواج لا تخل من عمليات الاحتيال
مقابل قصة “وحيد” تظهر رواياتٍ وقصص أخرى، ترتبط بالبدائل التي بدأ الشباب السوريين تحديداً بالبحث عنها، كسبيل للزواج، وهنا يقول الشاب “أحمد” من سكان ولاية شمال الراين: “ما يحدث في حالات الزواج أمر لا يمكن قبوله، فالمهور التي تصل إلى عشرات الآلاف من اليوروهات وطلبات حفل الزفاف والذهب، كلها جعلت من الزواج شيء أشبه بالبورصة، فبعض العائلات ولا أقول الجميع بدأت ترى في عملية الزواج، حركة تجارة لتعويض مبالغ الوصول إلى أوروبا، وهو ما تسبب في بحث الكثير من الشباب عن بدائل قد لا تخل من الجنون في بعض الأوقات”.
عن أنواع البدائل، التي اتجه إليها الشبان اللاجئين للزواج، يؤكد “أحمد” أنها لم تعد تقتصر على الزواج بأوروبيات، وإنما البعض منهم اتجه إلى الخطابة، موضحاً: “هناك الكثير من العوائل العالقة مثلاً في تركيا أو حتى اليونان، بعض الشباب ولا سيما من يمتلك عملاً في ألمانيا، بدأ بالبحث عن طريق ما يمكن تسميتها بالخطابة، عن فتاة من بين تلك العوائل يتزوجها ويجري لها عملية لم شمل”، واصفاً تلك الخطوة بالجنونية كونه سيرتبط بإنسانة لا يعرف عنها شيء أبداً، ليكون معها أسرة، بالإضافة إلى إمكانية أن تتحول العملية برمتها إلى مسألة احتيال، كون الفتاة قد تنفصل عنه بعد وصولها إلى ألمانيا، لتتحول بذلك عملية الزواج إلى مجرد حظ أو زواج أمر واقع، بدلاً من اعتمادها على التفاهم والرغبة المشتركة بين الطرفين
حماية الحقوق وتأمين للمستقبل
مسألة ارتفاع المهور تحديداً، وجدت لدى الكثير من العائلات تبريراً؛ بأنها مسألة أقرها الشرع الإسلامي وهي حقوق للمرأة، بالإضافة إلى أنها تشكل تأمين لحياة الزوجة، في بلاد الغربة، وهو ما رفضه الكثير من الشبان، من بينهم الشاب “فادي” ابن الـ 30 عاماً، مرجعاً رفضه إلى أن القانون عموماً منح المرأة حقوقاً كبيرة من بينها نصف ممتلكات الزوج في حالة الانفصال، ما يعني أن مسألة المهر باتت حق إضافي خاصةً وأن نسبة كبيرة من المهر تذهب لوالد الفتاة وليس لها على حد قوله.
من الناحية القانونية، يوضح المحامي والمستشار القانوني، “باسم السالم” لأخبار العرب في أوروبا، أن القانون في كافة الدول الأوروبية، لا ينظر إلى مسألة الزواج كما هو الحال في المشرق العربي، مضيفاً: “هنا لا وجود للمهر أبداً في القانون هناك مواد واضحة تعطي للزوجة نصف ما امتلكه الزوج منذ تاريخ عقد القران وتثبيته في المحكمة، وهنا أشدد على مسألة تثبيته في دوائر الدولة، كونه المعيار الأساسي في ضمان المرأة لحقوقها”، مشدداً أنه يتحدث من ناحية وجهة نظر مهنية بحتة.
ويضيف “السالم”: “المرأة في الشرق هي الحلقة الأضعف في الزواج، بينما في الغرب حتى لو كانت شريكة بالحياة وليس زوجة هي الحلقة الأقوى، طالما تم التصريح عن هذه العلاقة أمام الدولة، كشريكة تعيش بالمنزل لا أكثر ولا أقل، وبرأيي الخوف من تخفيض المساعدات يتبعه انحلال العلاقة دون أي إثبات لوجودها”.
على الجانب الديني، أوضح الباحث الإسلامي، “زياد الأحمد” أن الشرع الإسلامي وقف ضد مسألة رفع المهور في الزواج، بل وأمر بتيسير الأمور فيها، مشيراً إلى الحديث النبوي الشريف: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”، مؤكداً في الوقت ذاته على أن الإسلام شرع للرجل المسلم الزواج من غير المسلمة، فقط في حال كانت من أصحاب الكتب السماوية، أي يهودية أو نصرانية.
استقواء بالقانون وممارسات تجاوزت الحقوق
توجه الشبان اللاجئين إلى البحث عن بدائل جديدة للزواج، لم يرتبط بحسب وصف شريحة منهم بمسألة المهور وشروط الزواج، بل تعدوا ذلك، إلى ما وصفوه باختلال العلاقة داخل الأسرة العربية، وارتفاع معدلات الانفصال بين الأزواج اللاجئين، منذ عام 2015 وحتى عام 2020، والذي تحول إلى ظاهرة، بحسب ما أكدته جمعيات معنية بشؤون اللاجئين، في تصريحات لأخبار العرب في أوروبا.
في هذا السياق، يقول الشاب “محمد”: “أدرك أن الكثير من النساء كانت تعاني من ضياع الحقوق أو الزواج القسري، أو التعنيف، وهذه حالات مبررة وقد يتم تفهمها، ولكن ما يحدث اليوم قد تجاوز مسألة الحقوق إلى حد بعيد، وتحول إلى شيء من الانتقام، فالشرطة أو القانون تحولوا إلى العصا التي تضرب بها المرأة زوجها عند أي موقف قد يحصل، مهما كان صغيراً، بات الأمر مرتبط بفرض الرأي لدى الكثير من النساء اللاجئات أكثر من كونه تحصيل حقوق، وهو أيضاً ما يعتبر عاملاً إضافياً لابتعاد الكثير من الشباب عن الزواج”.
ويلفت “محمد” من خلال التجارب التي عايشها من أقربائه أو أصدقائه، إلى أن الكثير من السيدات بتن يفهمن أن القانون يحول مؤسسة الزواج إلى مملكة خاصة بها، والزواج أحد رعايا هذه المملكة، والتي يمكنها طرده منها بأي وقت، وهو مفهوم خاطئ بالمجمل، مضيفاً: “تشكلت قناعة لدى العديد من النساء ولا أقول كلهن بأنها باتت الطرف الأقوى في عملية الزواج، وباتت مسألة طرد الزوج من البيت كلمة السر في حل أي خلاف، مستغلةً أيضاً التفكير الشرقي لدى الرجل، وخشيته من الفضيحة التي قد تلاحقه في حال طردته، ويمكنني القول أيضاً بأن العديد من الرجال اليوم باتوا ضحايا تلك النظرة”.
الشهادة الأبرز حول قضية الحقوق، وابتعادها عن مسألة رفع الظلم، أو المساواة، تحدثت عنها السيدة “علياء”، “اسم مستعار”، والتي تحدث لأخبار العرب في أوروبا عن تجربتها في إحدى دور رعابة السيدات، حيث قالت: “بفترة من الفترات ونتيجة ظروف عائلية خاصة، اضطررت للعيش في إحدى دور الرعاية الخاصة بالسيدات، وهناك شاهدت فعلاً حالات لسيدات كان الهدف الأبرز لهن من عمليات الانفصال هو الانتقام من الرجل أو ما يعرف بالعامية (بهدلته)، مؤكدة أن إحدى السيدات كانت تتغنى بعلاقاتها الخاصة بعد انفصالها عن الرجل.
وتؤكد “علياء” في شهادتها، أنها لا تجمل الجميع وأن الحالات التي شاهدتها، هي حالات فردية، ولكنها موجودة على حد قولها، دون أن تلغي مسألة حق المرأة بالمطالبة بحقوقها التي عاشت لسنوات طويلة مسلوبة إياها.