اقتصاد واعمالتعليمتقارير
أخر الأخبار

“ابتسام”.. الطبيبة السورية التي أعادت بناء حياتها في ألمانيا

أخبار العرب في أوروبا – حسام حميدي

“حلم يتحقق في زمن الحرب”، أولى العبارات التي لخصت بها الطبيبة السورية، “ابتسام المحمد” سنوات إقامتها الخمس في ألمانيا، التي وصلتها عام 2015 بعد أن تخرجت من كلية الطب بجامعة دمشق، مضيفةً: “كان حلم السفر وإكمال دراستي في الخارج، يراودني منذ أن كنت طالبة في الجامعة، واعتقد أنه وبغض النظر عن الظروف المحيطة، بدأت بتحقيق حلمي”.

تنحدر الشابة السورية، من هضبة الجولان، وسبق لها أن تخصصت كطبيبة نسائية، وعملت بعد تخرجها بعدة مستشفيات سورية من بينها مستشفى الرازي ومستشفى الشرق الخاص للعقم وأطفال الأنابيب، ما منحها المزيد من الخبرة العملية في مجالها، على حد قولها.

الحرب وعودة الحلم الضائع

كغيرها من أبناء بلدها، تركت الحرب، التي مرت بها سوريا، آثارها على مستقبل “ابتسام”، التي تقول لـ ” أخبار العرب في أوروبا: “كان وقتي مقسماً بشكل كلي بين العمل والتخصص كنت أرى بأنني أسير على الدرب الصحيح، لكن الحرب كان لها كلمتها في ذلك الحين، وأوقفت كل شيء، حالي كحال بقيت السوريين”، مشيرةً إلى أنها كانت فترة صعبة تمر على جميع الناس بمختلف  أعمارهم وأعمالهم

اقرأ أيضا: لغتي هويتي.. بمناهج بسيطة مهندس سوري يعلم اللغة العربية للهولنديين

يمثل الوصول إلى ألمانيا، منعطفاً جديداً في الحياة المهنية، للشابة “ابتسام”، بحسب ما ترويه، مشيرةً إلى أنها تمكنت بعد تجاوزها لدورات اللغة الألمانية من إعادة بناء حلمها من جديد، لا سيما بعد أن حصلت منتصف العام الماضي، على شهادة “Approbation”، والتي تمثل تعديلاً لشهادة الطب العام في ألمانيا، ما يسمح لها بممارسة مهنة الطب داخل ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي.

العودة إلى المستقبل، في قصة الشابة، امتدت أيضاً إلى تخصصها بمجال “Psychosomatik”، لتحصل لاحقاً وفي مطلع العام الحالي، على عقد عمل ثابت في إحدى المستشفيات، لتنتقل عبره إلى الحياة المهنية العملية في البلد المضيف.

ويعتبر تخصص “Psychosomatik” واحداً من أفرع الطب النفسي، القائم على العلاج بالكلام والتواصل مع المريض، دون استخدام العلاج الكيماوي أو المصنع، وهو من التخصصات غير الموجودة في معظم دول الوطن العربي.

ابتسام محمد مع زملائها

رحلة بدأت بحرف واسم لن ينسى

أولى خطوات العودة إلى الحلم، مرت بحسب ما تقوله “ابتسام” عبر تعلم اللغة الألمانية، التي مثلت اللبنة الأساسية للانخراط في المجتمع الجديد، لافتةً إلى أنها بدأت دورات اللغة كغيرها من السوريين إلى أن وصلت إلى مستوى C1 mediziner التخصصي في مجال الطب.

في هذا السياق، تشير “ابتسام” إلى أن رحلتها لتعلم اللغة ومعرفة المزيد عن المجتمع الألماني، ارتبطت باسم السيدة الألمانية، التي استأجرت لديها، حيث تقول: “كان لهذه السيدة السبعينية دوراً كبيراً في تعلمي للغة، كونها لا تتحدث إلا الألمانية،  كما أن ابنتها ساعدتني في إيجاد دورة لتعليم اللغة، بعد أن كنت قد بدأت بالتعلم عبر الانترنت”، لافتةً إلى أنها في تلك الفترة، كانت محاطة بمجتمع شبه كامل من الألمان، ما ساعدها أكثر على التعلم.

بصمات السيدة الألمانية في حياة “ابتسام”، تجاوزت اللغة إلى حد تعريفها على أسلوب الحياة الألمانية وأساليب التعامل بين الناس، فتشير إلى أن كل شيء خلال الفترة الأولى كان جديد بالنسبة لها، وأنها كانت تمر بمواقف مضحكة وأحياناً تكون مخجلة، موضحة: “كل شي كان مختلف بالنسبة لي، طبيعة الناس المحيطين، وأعمارهم الكبيرة، التي لم اعتد على رؤيتها في سوريا، حتى الأكل وعاداته كانت مختلفة بشكل جذري، بالمختصر عشت الحياة الألمانية لأبعد حد من خلال الاحتكاك بالسيدة الألمانية وعائلتها وأصدقائها، الذين بدورهم ساعدوني كلٌ بطريقته وأمكانياته”.

البيروقراطية وعقبات غير متوقعة

على عكس الفهم السائد في الشرق الأوسط، فإن ألمانيا تعتبر واحدة من أكثر الدول بيروقراطية على مستوى العالم، وهو ما كان للشابة السورية نصيبها منه، حيث تؤكد أن بيروقراطية الإجراءات؛ المتبعة في الدولة الألمانية والمؤسسات عموماً، كانت أكبر العقبات، التي واجهتها خلال السنوات الخمس الماضية، ليس بالنسبة للعمل أو الدراسة فحسب، وإنما في معظم نواحي الحياة اليومية.

قسم طب النفس – مستشفى الجامعي في هايدلبرغ

إلى جانب ذلك، تشير “ابتسام” إلى أن الحياة في ألمانيا تتسم بشكل عام بالجانب العملي والمهني، الأمر الذي يجعل من الحياة الاجتماعية تتم في أضيق حدودها، مضيفةً: “على الرغم من سعادتي بأنني عدت إلى عملي ومهنتي، إلا أنني لا أزال أحن إلى الحياة الاجتماعية في سوريا، التي من الصعب أن أجدها في أوروبا”.

تجارب شخصية وإيجابيات متعددة

خلال السنوات الماضية، وَلَّد تباين الحكم على الحياة في ألمانيا، انقساماً بين اللاجئين، على اعتبار أن قسماً منهم رأى أن ألمانيا تقدم الفرص للجميع لإعادة بناء الحياة مجدداً، وبين من عبر عن صدمته من الواقع ووصفها بأنها مجرد هالة، وهنا تؤيد “ابتسام” من خلال تجربتها الشخصية؛ الرأي الأول، مشيرةً إلى أن الدولة الألمانية بحاجة إلى الكثير من الأيدي العاملة، سواء على المستوى الحرفي أو على مستوى أصحاب الشهادات العليا والجامعية، وهو ما يفتح الطريق أمام الجميع للاتجاه نحو الطريق، الذي يريده، خاصة مع تمويل مراكز العمل للدورات المهنية بشكل خاص.

وكانت تقرير صادر عن التبادل الأكاديمي الألماني والمركز الألماني للبحوث العلمية والجامعية عام 2019، قد أشار إلى جود إلى زيادة أعداد الطلاب الأجانب في الجامعات الألمانية في الفترة بين 2015 – 2018 بنسبة 228 في المئة، فيما كشفت الرابطة المركزية للحرف الألمانية، عن دخول 44000 ألف لاجئ يتدربون في مجال التدريب العملي في 2018 بينهم 33.3 في المئة من الجنسية السورية.

وهنا توضح “ابتسام”: “التجارب تختلف بين شخص وآخر، وأحياناً الحظ يكون له دور، ولكن الايمان بالذات وتعلم اللغة لا تأتي بشهور ولا حتى بسنوات، وغنما هي مجهود تراكمي يتشكل مع الوقت، وهذا هو فعلياً مفتاح البلد”، لافتة إلى أهمية ما أسمته بـ “الدعم الإيجابي”، الذي حظيت به من محيطها بدءاً من جيرانها وصولاً إلى زملائها في العمل، والذي ولد لدها إيماناً بقدرتها على إعادة بناء مستقبلها من الصفر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى