تعليمتقارير
أخر الأخبار

تجربة لاجئ في المانيا: مشوار الألف ميل يبدأ بتعلم اللغة

أخبار العرب في أوروبا – حسام حميدي

يصف الشاب “أسامة محمد”، اللاجئ السوري من أصول فلسطينية، رحلته إلى ألمانية بأنها كانت مقامرة فعلية، وضع فيها حياته مقابل الحصول على فرصة لبناء مستقبله، أو بشكلٍ أوضح انتشاله من تحت أنقاض الحرب التي مزقت سوريا، خاصةً أن الرحلة التي تمت بقارب خشبي انطلق من سواحل مصر باتجاه الشاطئ الأوروبي، تلك الرحلة، التي قال إنه شعر في بضع من ساعاتها التي استمرت لثمانية أيامٍ، بأنها قد تكون الأخيرة.

يشير “أسامة” ابن الـ 32 عاماً، في حديثه مع “أخبار العرب في أوروبا”، إلى أن ما عاناه خلال الرحلة، التي بدأها مطلع العام 2014 انطلاقاً من سوريا وصولاً إلى ألمانيا، شكلت لديه دافعا إضافيا للحلم والسعي لبناء المستقبل، الذي يتناسب مع ما تحمله خلال الرحلة من مخاطر، مضيفاً: “ركبت البحر وكدت أفقد حياتي، تحملت تعامل مهربي البشر السيء، لأصل إلى هنا وأبدأ طريقي، ولا أقبل بأقل من تحقيق حلمي كثمن لتلك الرحلة”.

مشوار ألف ميل بدأ بحرف ولم يعرف النهاية

في الموطن الجديد، وبعد أن استقر به الحال على أراضي ألمانيا، التي نال حق الإقامة فيها في شهر شباط من العام 2015، أدرك “أسامة” بحسب ما قاله: بأن اللغة هي المرحلة الثانية من بناء حياته المنشودة، معتبراً أن صعوبة اجتياز تلك المرحلة لا تقل عن صعوبة اجتياز رحلة اللجوء، خاصةً أنها تمثل مفتاح الدخول إلى المجتمع الألماني وسوق العمل فيه، مضيفاً: “أردت أن أستغل فترة انتظاري للحصول على الإقامة بالاطلاع على اللغة الألمانية وقواعدها من خلال بعض الدروس الموجود على الانترنت، وبالفعل تمكنت من إنهاء مستويي  A1 و A2، قبل حصولي على تصريح الإقامة، وهو ما مكنني من إنهاء دورة اللغة والحصول على  مستوى B1، خلال أربعة أشهر فقط”.

ما حسبه “أسامة” وما فكر به، وجده واقعاً ملموساً أمامه بعد شهر واحدٍ فقط من إنهاء دورة اللغة، حيث تمكن من الحصول على وظيفة في أحد مراكز منح بطاقات اللجوء القريبة من بلدته، ليبدأ حياته العملية ويستغني تماماً عن مساعدات مركز العمل، “جوب سنتر”، في زمن قياسي، مقارنة بشريحة كبيرة من الأجانب المقيمين على الأراضي الألمانية.

أما عن طبيعة ذلك العمل يقول “أسامة”: “كانت مهمتي ملئ الاستمارات والمساعدة في أعمال الترجمة بالنسبة للناطقين باللغة العربية، لم يكن الأمر سهلاً، فأنا لا أزال حديث التعلم، وهذا ما وضعني أمام تحدٍ لإثبات الذات، والسعي لتحسين مستوى اللغة، خاصةً وأن العمل في ألمانيا يعتبر من أقدس المقدسات في المجتمع، وكنت أريد في ذات الوقت أن أسارع من خطواتي في البلاد، في مشوار الـ 1000 ميل، الذي أدركت أنه سيبدأ بتعلم الحروف”.

تنقلات وأعمال وعودة إلى الحضن الأول

سعي الشاب الثلاثيني ومحاولته المستمرة لتحسين أوضاعه، قادته إلى التنقل بين عدة وظائف، خلال ثلاثة أعوام، فوفقاً لروايته، انتقل بعد العمل في مركز منح بطاقات اللجوء إلى العمل في مركز لإيواء اللاجئين، بصفة مساعد اجتماعي، وهي الصفة التي أضافت إلى مهامه الكثير من الحمل، خاصةً وأنها تستدعي العمل مع مؤسسات الدولة ومساعدة اللاجئين على حل مشكلاتهم داخل مركز الإيواء، والتواصل مع إدارة المركز لنقل كافة القرارات أو الأنظمة للاجئين، وهو ما يتطلب مهارة لغوية عالية ودقة في نقل المعلومات والترجمة، على حد وصفه.

ويضيف أسامة: “بقيت لمدة ثمانية أشهر في مركز الإيواء، من ثم انتقلت للعمل مع الصليب الأحمر الألماني، الذي مثل لي تجربة رائعة ساعدتني أكثر على التعرف عن قرب على طبيعة المجتمع وأفكاره وتعاملاته في سوق العمل بالإضافة إلى طبيعة التفكير الألماني على المستوى الشخصي والحكومي على حد سواء، كنت سعيداً جداً بعملي معهم، تحديداً وأنا في مكان يمكنني فيه أن أساعد أكبر قدر من اللاجئين السوريين وغيرهم ممن يحتاجون فعلاً إلى يد تمتد لهم في الموطن الجديد”.

وعلى الرغم من شعوره بالارتياح خلال عمله في الصليب الأحمر الألماني، إلا أن “أسامة” أكد أن أعظم لحظات السعادة، التي مرت عليه خلال خمس سنوات من العيش في ألمانيا، كانت لحظة حصوله بداية العام 2018 على اعتراف من الحكومة الألمانية بشهادته الحاصل عليها في سوريا في مجال الاتصالات، والتي مهدت الطريق أمامه للعودة إلى ما وصفه بـ “الحضن الأول”، وعمله الأساسي في مجالات تكنولوجيا الاتصالات، مضيفاً: “بعد أن حصلت على الاعتراف في ألمانيا نلت فرصة العمل في إحدى الشركات في مجال قريب جداً من مجال عملي الأساسي، فألمانيا معروفة جداً بتقدمها وتطورها في هذا المجال، وهو ما يمكنني ان أصفه فعلاً بالانتقال من مرحلة تأسيس إلى مرحلة بناء مستقبلي وتحقيق حلمي والسير على طريق أكثر ثبات”.

بداية حصاد…

الحصاد الفعلي لسعي “أسامة” بدأ بشكل عملي بعد مضي خمسة أعوام على إقامته في ألمانيا، من خلال الحصول على تصريح الإقامة الدائمة، والذي يعتبر واحداً من أهم وأكبر الأهداف، التي يسعى إليها اللاجئون، بعد هدف الحصول على جواز السفر الألماني، على اعتبار أنها الإقامة، التي تحسن وضع اللاجئ القانوني في البلاد، وتزيد من المزايا التي يحصل عليها في العديد من المجالات القانونية والاجتماعية والبنكية وحتى على مستوى العمل.

وهنا يضيف أسامة: “على الرغم من أنني لم اتلق مساعدات من الدولة سوى لمدة ستة أشهر، وعملي لم يزد عن عامين ونصف العام، وحصولي على مستوى لغة B2، ومعدل عال في امتحان الحياة في ألمانيا، إلا أن القانون لم يسمح لي بالحصول على الإقامة الدائمة بعد ثلاث سنوات، كوني لا أملك مستوى لغة C1، وهو ما جعلني انتظر عامين إضافيين”، لافتاً إلى أنه حالياً يشعر بالرضى عن ما وصل إليه حتى الآن، ويسعى لتحقيق المزيد.

ويختتم الشاب حديثه مع أخبار العرب في أوروبا، بالتأكيد على أن الفترة، التي قضاها كانت مزيج مشترك من المعاناة بسبب البعد عن العائلة ومصاعب الحياة، والشعور بالتفاؤل من جهة الفرص، التي تتيحها ألمانيا للراغبين بإعادة بناء حياتهم ومستقبلهم، مشيراً إلى أنه “لا يزال لديه الكثير من الخطوات والطموحات التي يسعى للوصول إليها.. فألمانيا بلد الفرص لمن يبحث عنها”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى