متطوعون على دراجات نارية لمساعدة المهاجرين المعزولين في باريس
أخبار العرب في أوروبا- مهاجر نيوز
منذ بداية شهر كانون الأول\ديسمبر، بدأ فريق مجموعة “سوليدراتي ويلسون” لدعم المهاجرين، بتسيير دوريات متنقلة كل ثلاثاء لتوزيع وجبات الطعام على المهاجرين المشردين والآخذين بالانعزال بشكل متزايد في العاصمة باريس.
ككل دوريات أيام الثلاثاء، يلتقي المتطوعون أمام مسرح Belle Étoile في سان دوني شمال باريس. المركز الثقافي المغلق بسبب تدابير مكافحة فيروس كورونا، سمح لمجموعة “ويلسن” (le collectif Solidarité migrants Wilson) استخدام مطابخ المسرح لإعداد حوالي نصف كمية الوجبات التي توزع على المهاجرين والتي يبلغ عددها الإجمالي حوالي 700.
المجموعة التي تقدم الدعم للمهاجرين أنشأها سكان منطقة سان دوني في عام 2016، لتوزيع وجبات الإفطار في مخيم بورت دو لاشابيل، وبعدها تكيفت المجموعة مع الوضع غير المستقر، وباتت تذهب لمقابلة المهاجرين بمجرد أن يحطوا خيامهم في أحد شوارع باريس، ومن هنا بدأت فكرة الدوريات المتنقلة.
يوم الثلاثاء 5 كانون الثاني/يناير، بدأ 11 فريقا، بما في ذلك فريق مكون من خمس دراجات نارية، بتوزيع وجبات الطعام من بورت دوبرفلييه وصولا إلى أحياء وسط باريس. معظم عمليات التوزيع تتم بواسطة فريق ثابت في منطقة بورت دوبرفلييه (porte d’Aubervilliers). يتجول المتطوعون على متن دراجات هوائية وسيارات في جميع أنحاء المنطقة لتوزيع المواد الغذائية أيضا. ويتكفل فريق الدراجات النارية بتوزيع ستين وجبة على مختلف أحياء باريس.
“نوزع على الجميع، المهاجرين أو المشردين. لا نطلب أوراق الناس قبل إطعامهم”، حسبما يؤكد المتطوع في الجمعية فيليب كارو.
دوريات الدراجات النارية هي أمر جديد بالنسبة للمتطوعين. وقرروا تجربة هذه الطريقة بعد أسابيع قليلة من تفكيك مخيم سان دوني في 17 تشرين الثاني/نوفمبر. لا سيما بعدما عمدت السلطات خلال السنوات الأخيرة إلى دفع المهاجرين خارج باريس، الأمر الذي أدى إلى انعزالهم أكثر من قبل.
نبحث عن أشخاص يختبئون
“نحن نعلم أن هناك أشخاصا بحاجة للمساعدة في الشارع ولكننا نواجه صعوبة في العثور عليهم في ظل سياسة الدولة القائمة على مطاردتهم”، ويوضح حكيم، المتطوع في الجمعية والمسؤول عن تخطيط طرق توزيع الوجبات، أن الدراجات النارية تتيح تغطية مساحة أكبر من باريس لمقابلة المهاجرين المشردين في أرجاء العاصمة.
أمام حوالي 50 متطوعا جاؤوا للمشاركة في العملية وتجمعوا أمام الواجهة المضيئة للمسرح، يعطي حكيم بعض التعليمات قبل المغادرة، ويخاطبهم قائلا “تأكدوا من البقاء في فرق مكونة من شخصين على الأقل، فالأجواء متوترة جدا في الوقت الحالي […] إذا كان للناس احتياجات معينة بخلاف الطعام، فاكتبوها لكي نتواصل مع الجمعيات الأخرى”.
ويعطي فيليب كارو توصياته قائلا “نبحث عن أشخاص يختبئون، لذا يجب أن نظل متحفظين”. ويضيف “إذا لم تستطع رؤية الأشخاص، فقد تشعر أنك عديم الفائدة، ولكن الليلة سوف نقدم حوالي 700 وجبة إجمالا”.
بمجرد وضع الوجبات المعلبة وأدوات المائدة البلاستيكية وترمس الشاي على الدراجات، ينطلق فريق الدراجات النارية متجها إلى الطريق الدائري للوصول بسرعة إلى بورت دو بيرسي (Porte de Bercy) ثم محطة أوسترليتز (Austerlitz) وأرصفة نهر السين.
لم نأكل منذ أمس
تحت جسر أوسترليتز، بالكاد يمكن ملاحظة هالة النار المضيئة خلف سلة المهملات. يحاول ثلاثة شبان مغاربة تدفئة أنفسهم حول بضع قطع من الخشب المحترق بجوار خيمة. وفيما الحرارة بالكاد تبلغ 3 درجات، يمضي الشباب ليلتهم في سراويل رياضية وسترات خفيفة، وهم بأمس الحاجة للطعام والشراب. في مزيج من الفرنسية والإسبانية، يوضح عبد الرحمن الذي يرتدي سترة صفراء وبنطال أخضر، أنه ورفاقه تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما.
“وصلنا إلى فرنسا قبل أسبوعين وإلى باريس قبل خمسة أيام فقط”، كما يقول بينما يرتشف طبق العدس بشراهة. “لم نأكل منذ أمس. خلال النهار نسير لكننا لا نعرف إلى أين نذهب”، المراهقون لا يدركون أنهم كقصر يحق لهم الاستفادة من حماية الدولة.
بالإضافة إلى وجبة الطعام والشاي، يقدم المتطوعون للقاصرين الثلاثة خرائط لمترو الأنفاق وكمامات ومناديل، ويشرحون لهم كيفية الوصول إلى مركز “ديمي” التابع للصليب الأحمر (بالقرب من محطة مترو Couronnes)، حيث يتم التحقق من أعمارهم وتتولى الدولة مسؤوليتهم.
لا أحد يجب أن يعيش هنا
انطلق فريق الدراجات مرة أخرى في الطقس البارد باتجاه محطة قطارات ليون (Gare de Lyon). في نفق “فان غوخ”، تحت ساحة المحطة، تصطف عشرات الخيام.
يعيش بعض الأشخاص هنا منذ عدة أشهر. ووصل آخرون مجددا غير عارفين إلى أين بإمكانهم الذهاب ويأملون بأن يتمكنوا من مغادرة المكان قريبا. هذه هي حالة الحسن، شاب غيني يبلغ 17 عاما. وبالفعل اعترفت به الدولة به كقاصر، وحصل على مكان في مركز إيواء “فال دواز” لكنه يقول إنه اضطر إلى مغادرة المركز بعد اتهامه بإصابة شباب آخرين بفيروس كورونا. يقول، وهو يجلس على حافة الرصيف بالقرب من نار صغيرة مصنوعة من ثلاثة ألواح رقيقة من الخشب “خرجت إلى الشارع وانتهى بي الأمر هنا”.
يعرف الحسن أن له الحق في السكن. ويأمل بتغيير الوضع موضحا “لدي موعد مع المشرفة الاجتماعية يوم الخميس، وأعتقد أنها ستجد حلا لي”. وبجانبه، يجلس لامين، وهو مالي يبلغ من العمر 16 عاما، لكنه لم ينته من إجراءات الاعتراف به كقاصر بعد. في اليوم التالي، لديه موعد في مركز “ديمي” للتحقق من عمره.
النفق تحول أيضا لمكان يحتمي به المهاجرون الجزائريون والمغاربة والتونسيون. وتوجد أيضا جنسيات أخرى. وتشرح أنجيلا المتحدرة من رومانيا، أنها كانت تعمل في خدمة الرعاية المنزلية لكن انتهى بها المطاف في الشارع بعد عملية طلاق معقدة. وتأمل أن تخرج من هذا المكان قريبا، “لا أحد يجب أن يعيش هنا. لقد رأيت كم أن الأشخاص هنا يافعين”، قالت بحزن وهي تحدق في النفق “أخبروني جميعا قصتهم، ولماذا تركوا بلادهم. لقد ضاعوا هنا ولا يعرفون الخطوات التي يتعين عليهم اتخاذها”.
عند مدخل النفق تشكل حشد صغير. جاء عدد قليل من طلاب المدارس الثانوية لإحضار وجبات الطعام، لكنهم بدوا مذهولين بعدد الأشخاص غير متوقعين رؤية ذلك. قال شاب حزين وهو يغادر “لا يمكننا أن نحاط بعشرات الأشخاص” دون أن يكون هناك طعام كاف.
بعد المرور عبر النفق، وزع فريق “ويلسون” جميع الوجبات تقريبا. وسيوزع ما تبقى على الأشخاص المعزولين في الشوارع الذين رصدهم متطوعون آخرون.
باريس فارغة
غادر الفريق النفق، وعند Pont Marie يتخذ المتطوعون استراحة قصيرة حيث يقوم فريق آخر من جمعية Humaniteam بتوزيع وجبات ومستلزمات النظافة. يحيي المتطوعون بعضهم البعض بحرارة.
الساعة أوشكت على العاشرة مساء، وشوارع باريس، التي أفرغت من جميع المارة بسبب حظر التجول، صامتة. أحيانا تنطلق صفارات الإنذار الخاصة بسيارات الشرطة لتكسر صمت الليل. جنبا إلى جنب مع عناصر الشرطة والعاملين في خدمات التوصيل، المتطوعون هم الوحيدون الذين يتجولون في المدينة النائمة.
على طول شارع ريفولي (Rivoli)، يتوقف المتطوعون كل 50 مترا لتقديم وجبة وشاي. “الأمر الجنوني هو أننا نعتقد أننا في خضم أزمة صحية وأنه من المفترض أن يكون الجميع في المنزل”، يستنكر فيليب كارو منزعجا من رؤية الكثير من الأشخاص المحتاجين في الشارع مرة أخرى.
تقترب عملية التوزيع من نهايتها أمام محطة قطارات (gare de l’Est) ويعود البعض إلى ديارهم فيما يتجه آخرون إلى الشمال، وصولاً إلى بورت دو لاشابيل. تم توزيع الستين وجبة. لا يزال هناك كوب أو كوبان من الشاي متبقي في الترمس. بالنسبة لأعضاء الدراجات النارية، ستستأنف الرحلة بعد أسبوع بحثا عن “أشخاص مختبئين”.