أخبار العرب في أوروبا – متابعات
رغم أنه لغاية الآن لا يمكن لأحد الجزم بما ستؤول إليه الأمور في أوكرانيا، وسط تصاعد القصف الروسي والاشتباكات في عشرات الجبهات على امتداد الحدود الأوكرانية، حتى وصلت المعارك إلى الشوارع والأحياء في بعض المدن، لكن بعض وسائل الإعلام الغربية بدأت تضع سيناريوهات متعددة لنهاية الحرب الروسية على أوكرانيا.
لكن ما هي التوقعات الأكثر واقعية للطريقة التي ستنتهي بها الحرب؟. وما هي السيناريوهات التي يراها السياسيون والعسكريون؟.
ثمة 5 سيناريوهات تطرح باستمرار في كل التوقعات، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، ولو أنها تبقى هي أيضا محاطة بالغموض، وهي:
أولا : سقوط بوتين
هذا السيناريو يحلم به الغربيون، وهم يسعون من خلال استهداف الاقتصاد الروسي بعقوبات وضعت منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مع التخطيط لسلسلة أخرى من العقوبات يجري إعدادها، لإضعاف موقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ سعيا في نهاية المطاف لإسقاطه.
وقد يقرر الجيش الروسي التوقف عن تنفيذ الأوامر، أو قد يتمرد الشعب عليه وسط أزمة اقتصادية كبرى، أو يتخلى عنه أفراد الأوليغارشية الروسية بعد تجميد أصولهم أو مصادرتها في العالم، غير أن مثل هذه الاحتمالات تبقى محاطة بشكوك كبرى.
وكتب الباحث في مؤسسة “راند سامويل شاراب” في تغريدة أن “تغييرا للنظام في روسيا يبدو المخرج الوحيد من هذه المأساة، لكنه قد يؤدي إلى تحسّن الوضع بقدر ما قد يتسبب بتدهوره”.
من جهته، أشار أندري كوليسنيكوف من مركز “كارنيغي” إلى أن بوتين ما زال يحتفظ بشعبيته وفق ما أظهرت تحليلات مستقلة، وقال إنه “في الوقت الحاضر فإن الضغط المالي الغربي غير المسبوق حوّل الطبقة السياسية الروسية وطبقة الأوليغارشيين إلى مؤيدين ثابتين لرئيسهم”.
ثانيا: توسع النزاع
تُقاسم أوكرانيا حدودا مع 4 دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وكانت سابقا جزءا من الكتلة السوفياتية التي لا يخفي بوتين حنينه إليها.
وبعدما امتصت روسيا بيلاروسيا وغزت أوكرانيا، هل تتجه بأنظارها نحو مولدوفا، الدولة الصغيرة الواقعة بين أوكرانيا ورومانيا، وصولا ربما إلى جورجيا على الساحل الشرقي للبحر الأسود؟.
وهنا يرى برونو تيرتريه مساعد مدير معهد البحث الإستراتيجي، أن موسكو قد تحاول إسقاط التوازنات الأمنية الأوروبية والأطلسية من خلال “إثارة حوادث على حدود أوروبا” أو ربما من خلال هجمات إلكترونية.
لكن هل تجرؤ روسيا على تحدّي “الناتو” والمادة الخامسة من ميثاقه التي تنص على مبدأ الدفاع المشترك في حال تعرض أحد الأعضاء لهجوم؟. رأى مدير المعهد المتوسطي للدراسات الإستراتيجية الأميرال السابق باسكال أوسور أن هذا “غير مرجح كثيرا على ضوء حرص الطرفين الشديد على تفاديه”.
لكنه أضاف متحدثا لوكالة الصحافة الفرنسية أن دخول قوات روسية إلى أحد بلدان الحلف الأطلسي -ليتوانيا على سبيل المثال- لربط كالينينغراد ببيلاروسيا يبقى احتمالا قائما.
ثالثا: مواجهة نووية
الأحد الماضي، أقدم بوتين على تصعيد كبير بإعلانه وضع قوات الردع النووي “في حال تأهب خاصة”، في موقف مقلق غير أنه يفتقر إلى مصداقية حقيقية.
هنا تنقسم الآراء إلى فئتين، الأولى يمثلها كريستوفر تشيفيس من معهد “كارنيغي” الذي يرى أن روسيا قد تستخدم قنبلة قد تكون “تكتيكية”، وبالتالي محدودة الوطأة.
وكتب أن “تخطي العتبة النووية لن يعني بالضرورة حربا نووية فورية، لكنه سيشكل منعطفا في غاية الخطورة في تاريخ العالم”.
في المقابل، يبدي آخرون موقفا مطمئنا أكثر، وفي طليعتهم غوستاف غريسيل من المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية.
ويرى غريسيل أنه “ليس هناك تحضير من الجانب الروسي لضربة نووية”، معتبرا أن تصريحات بوتين “موجهة بصورة أساسية إلى الجماهير الغربية لإثارة الخوف”.
رابعا: رضوخ أوكرانيا للشروط الروسية
يعد هذا السيناريو نفسه الذي وضعه بوتين، فالجيش الروسي متفوق على القوات الأوكرانية وبإمكانه إرغام هذا البلد على الرضوخ، غير أن هذا الاحتمال يواجه عقبات يرى العديدون أنه لا يمكن التغلب عليها.
ويقول المؤرخ البريطاني لورنس فريدمان من معهد “كينغز كولدج” في لندن “إنها حرب لا يمكن لبوتين الانتصار فيها، أيا كانت مدتها ووحشية وسائله”، مضيفا “دخول مدينة يختلف عن إبقائها تحت السيطرة”.
من جانبه علق ” برونو تيرتريه” عن احتمال ضم أوكرانيا بقوله “هذا يكاد لا يحظى بأي فرصة بأن يتحقق”، وعن تقسيم أوكرانيا على غرار كوريا أو المانيا عام 1945 رأى تيرتريه أنه أمر غير ممكن كذلك. ويبقى خيار أن “تتمكن روسيا من دحر القوات الأوكرانية ويتم تنصيب نظام دمية في كييف”.
خامسا: المرواحة والمقاومة
فاجأ الأوكرانيون الروس والغربيين، وفاجؤوا أنفسهم ربما، بتعبئتهم الشديدة بالرغم من الدمار الهائل والخسائر الفادحة.
وأشار دبلوماسي غربي إلى أن “الدولة والجيش والإدارة لم تنهر”، وخلافا لخطاب بوتين فإن “الشعب لا يستقبل الروس على أنهم محرّرون”، لافتا إلى “صعوبات على الأرجح في السلسلة العسكرية الروسية، وما زال الوقت مبكرا لتوصيفها”.
سيناريوهات أخرى
من بين السيناريوهات الأخرى ما نشرته مجلة “فورين أفيرز” الشهرية الأمريكية التي اعتبرت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “ارتكب خطأ استراتيجيا فادحا بغزو أوكرانيا”.
واستبعدت المجلة فوز بوتين بهذه الحرب وفقا لـ”شروطه المفضلة”، متحدثة عن عدة طرق يمكن أن يخسر بها في النهاية.
وأوضحت “بإمكانه أن يغرق جيشه في احتلال باهظ التكاليف وغير مجد لأوكرانيا، مما يهدم الروح المعنوية للجنود الروس، ويستهلك الموارد، ولا يقدم شيئا في المقابل سوى حلقة فارغة من العظمة الروسية ودولة مجاورة تنجر إلى الفقر والفوضى”.
أما السيناريو الآخر، فيمكنه أن يسيطر على أجزاء من شرق وجنوب أوكرانيا وربما كييف، بينما يواجه تمردا أوكرانيا موال من الغرب، وينخرط في حرب عصابات في جميع أنحاء البلاد.
في الوقت نفسه، سيكون مسؤولا عن التدهور الاقتصادي التدريجي لروسيا، وعزلتها وعجزها عن توفير الثروة التي تعتمد عليها القوى العظمى.
وتقول المجلة إن الأهم من ذلك، هو قد يفقد بوتين دعم الشعب والنخب الروسية الذي يعتمد عليه لمواصلة الحرب والحفاظ على قبضته على السلطة رغم أن “روسيا ليست دولة ديمقراطية”، كما تقول المجلة.
وعددت المجلة الأخطاء التي ارتكبها بوتين :“لقد أخطأ في تقدير المضمون السياسي للبلاد التي لم تكن تنتظر تحريرها من الجنود الروس”.
وقالت “لقد أخطأ في تقدير الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من البلدان، بما في ذلك أستراليا واليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية، والتي كانت جميعها قادرة على العمل الجماعي قبل الحرب ومصممة الآن على هزيمة روسيا في أوكرانيا”.
وتفرض الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها عقوبات باهظة على موسكو.
ويقول المقال المنشور في المجلة إن كل حرب هي معركة من أجل الرأي العام. وقد ربطت الحرب في أوكرانيا روسيا بهجوم غير مبرر على جار مسالم، ومعاناة إنسانية جماعية، وجرائم حرب متعددة.
وتتوقع المجلة أن الغضب الناجم عن ذلك سيؤدي مستقبلا إلى عقبة أمام السياسة الخارجية الروسية.
وعلى الصعيد العسكري، تقول: “لا تقل أهمية أخطاء بوتين الاستراتيجية عن الأخطاء التكتيكية التي ارتكبها الجيش الروسي”.
وبعد الأخذ في الاعتبار تحديات التقييم في المراحل الأولى من الحرب، “يمكن القول إن التخطيط الروسي واللوجستيات كانا غير كافيين، وأن نقص المعلومات المقدمة للجنود وحتى للضباط في المستويات العليا كان مدمرا للمعنويات”، وفقا لفورين أفيرز.
وأضافت “كان من المفترض أن تنتهي الحرب بسرعة، بضربة خاطفة تقطع رأس الحكومة الأوكرانية أو ترغمها على الاستسلام، وبعدها ستفرض موسكو الحياد على أوكرانيا أو تفرض سيادة روسية على البلاد”.
يذكر أن روسيا بدأت الحرب في الـ24 فبراير/ شباط الماضي، وسط تقدم بطيء للقوات الروسية على الأرض الأوكرانية، وتعرضت موسكو منذ إعلان الهجوم لعقوبات غربية غير مسبوقة. ويقول الغرب إن هدفه من هذه العقوبات سحق الاقتصادي الروسي.