أخبار العرب في أوروبا- فرنسا
تمثل قضية الهجرة أبرز القضايا التي يركز عليها المرشحون الـ 12، في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وتبدو المقاربات بشأنها مختلفة بعض الشئ، بين مرشح وآخر، لكنها تتماهى في جوهرها بين معسكري اليمين واليسار.
وتشير التقارير الأخيرة إلى أن الناخب الفرنسي يجد نفسه أمام خيارين، بين معسكر يتعهد بتشديد القوانين ضد الهجرة، وآخر يطرح مقاربة اجتماعية إلى حد ما، تتوخى الإدماج دون أي حديث عن الترحيل، الذي يتنافس حوله اليمينان التقليدي والمتطرف.
وبحسب الاحصائيات فإن عدد سكان فرنسا من أصول مهاجرة، يصل إلى حوالي 11.8 مليون نسمة، وهم يشكلون نسبة 19% من إجمالي السكان في البلاد، في حين تشير الإحصاءات إلى أن نسبة السكان المسلمين في فرنسا، قد تصل إلى 10% من عدد السكان.
وكانت أصوات المهاجرين بما فيهم المسلمون، تمثا طوال الوقت عاملا مهما في الانتخابات الفرنسية، خاصة في ظل ما تشير إليه التقارير، من أن الأقليات المهاجرة في فرنسا، عادة ما تعزف عن الإدلاء بأصواتها في أية انتخابات، بفعل ما يعتبره البعض رد فعل على احساسها بالتهميش من قبل المؤسسة الفرنسية.
وقبل أيام قليلة تفصل الفرنسيين عن الانتخابات الرئاسية، التي ستجري على جولتين في العاشر، والرابع والعشرين من إبريل/ نيسان الجاري، ترددت تساؤلات كثيرة حول ما إذا كانت القاعدة الانتخابية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد اهتزت هذه المرة، في ظل ما يقال عن احتمالات بعزوف الناخبين من مسلمي فرنسا عن منحه أصواتهم.
وكان العديد من أبناء الجالية العربية والإسلامية في فرنسا، قد منحوا أصواتهم لإيمانويل ماكرون، في الانتخابات التي أوصلته إلى الإليزيه عام 2017.
ويذكر أن ماكرون كان قد قال أمام حشد من المؤيدين المتحمسين له في باريس، بعد وقت قصير من فوزه في الجولة الأولى من التصويت في الانتخابات الرئاسية 2017: “أريد أن أكون رئيسا لكل شعب فرنسا، رئيسا لجميع الناس الذين يتعاملون مع تهديد القومية”.
غير أنه وبعد أن فاز وأصبح أصغر رئيس في تاريخ فرنسا، فإنه انتهج نهجا مختلفا على مدار العامين الماضيين، إذ طور برنامجا حمله رؤيته لاقتلاع ما أسامه بجذور”النزعة الانفصالية الإسلامية”.
كما غرس القيم الجمهورية، مما أثار غضب الجالية المسلمة في فرنسا، التي اتهمته بانتهاج نهج إقصائي للمسلمين، والسعي لترسيخ “إسلام على طريقته الخاصة”.
ويرى كثيرون أن ماكرون وهو سياسي وسطي، قد نحا باتجاه اليمين بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين، متبنيا بعض الخطاب اليميني، من أجل الحصول على حصة أكبرمن الأصوات، وكان كثير من مسلمي فرنسا قد رأوا في وصفه للإسلام بأنه “دين في أزمة” سعيا للحصول على مكاسب سياسية على حسابهم.
مرشحو اليمين وورقة الهجرة
تستخدم مارين لوبان مرشحة “التجمع الوطني” اليميني المتطرف ورقة الهجرة كالمعتاد في هذه الانتخابات، وتبقي على موقفها المتشدد من (وقف الهجرة ومحاربة النزعة الإسلامية).
لكن لوبان تواجه مزايدة ومنافسة، بشأن نفس القضية من قبل مرشح، أكثر راديكالية لليمين المتطرف، هو إيريك زمور الذي كان أسس حزبه الخاص “استعادة فرنسا” نهاية العام الماضي.
ووصل الأمر بزمور إلى القول في أحد تجمعاته الانتخابية بأنه سينشئ في حال فوزه بالانتخابات، وزارة “للهجرة العكسية”، مهمتها طرد “الأجانب غير المرغوب فيهم” من البلاد، وقال زمور لوسائل إعلام فرنسية، إنّ الوزارة “ستكون لها الوسائل والمواثيق اللازمة لإجراء رحلات ترحيل جماعية”.
هجرة المسلمين من فرنسا
في هذا السياق، تشير صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في تقرير نشرته منتصف فبراير/ شباط الماضي إلى أن هيمنة موضوع الهجرة على حملات كافة المرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية، أدى إلى مغادرة العديد من مسلمي فرنسا إلى الخارج، هربا من “العنصرية” وفق ماتقول الصحيفة، التي جمعت عدة مواقف لمسلمين فرنسيين غادروا بلادهم للعيش في المنفى.
وأضافت الصحيفة، أن الحديث عن “الهوية الوطنية” منذ سنين، جعل بعض المرشحين يركزون بشكل مفرط على الهجرة، وهو ما يشهد على وجود أزمة عميقة في فرنسا على حد قولها. وعنونت الصحيفة مقالها “رحيل في الخفاء لمسلمي فرنسا”، ونقلت روايات العديد من مسلمي فرنسا لأسباب مغادرتهم لهذا البلد، رغم أنهم ولدوا وترعرعوا فيه.
ومنذ بداية الحملات الانتخابية في فرنسا، تزايدت المخاوف لدى المسلمين هناك حيث لاتزال الحملات تضع المسلمين والهجرة في مقدمة الأهداف الانتخابية، لاسيما من اليمين المتطرف الذي سيحصل على نحو نصف أصوات الشعب الفرنسي خلال الجولة الأولى للانتخابات.
اقرأ أيضا: قبل 5 أيام من الانتخابات.. ماكرون يتجه إلى فوز “مضمون” بولاية رئاسية ثانية
وتشير الإحصاءات إلى أن الأعمال المعادية للمسلمين في فرنسا ارتفعت بنسبة 52% خلال 2020 مقارنة بالعام السابق له، وذلك وفقا للشكاوى الرسمية التي جمعتها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان التابعة للحكومة الفرنسية.
وبشكل عام ارتفعت تلك الأعمال في العقد الماضي، قبل أن تقفز بشكل حاد عقب الهجمات الإرهابية التي استهدفت باريس في العام 2015.
وسبق أن كشف تحقيق رسمي نادر في عام 2017 أن الشباب الذين يُنظر إليهم على أنهم عرب أو سود كانوا أكثر عرضة 20 مرة لفحص هوياتهم من قبل الشرطة الفرنسية.
أما في مجال العمل، كان لدى المرشحين للوظائف الذين يحملون اسما عربيا فرصة أقل بنسبة 32% في أن يتم استدعاؤهم لإجراء مقابلة بحسب تقرير حكومي صدر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.