أخبار العرب في أوروبا – السويد
تتميز السويد بمستوى عال من الرفاهية، وقدرتها على توفير حياة جيدة للمواطنين السويديين وكذلك المهاجرين، لكن أزمات المهاجرين العرب تتفاقم مع مرور الوقت ما بين عدم قدرتهم على الاندماج واختلاف الثقافة، فضلا عن تعالي الأصوات المطالبة برحيلهم بين الفترة والأخرى لا سيما من جانب الأحزاب اليمينية التي تستغل أي حادث للنيل من سياسة الهجرة في البلاد.
لكن المجتمع السويدي مجتمع ديمقراطي ويحترم القوانين المتعاقد عليها بشكل كبير، إن لم نقل “يقدسها”، وهذا يعني أن الصوت السياسي للأحزاب هو مجرد صدى صريح لما تعبر عنه التوجهات العامة للشارع السويدي.
وعلى الرغم من رفض البعض تعميم ما رآه على المهاجرين من مواقف سلبية، إلا أن بعض الأحداث باتت تنعكس على مزاج الشارع السويدي حيال اللاجئين والمهاجرين، معتبرين أن دافع الضريبة السويدي لا يتوجب عليه تمويل مجموعات تعيش على هامش المجتمع ولا تحترم القانون والثقافة السويدية.
وخلال الفترة الماضية كانت قضية سحب آلاف الأطفال من ذويهم من قبل الخدمات الاجتماعية السويدية، في مقدمة ملفات الاندماج التي رأى فيها الإعلام المحلي وكذلك خبراء علم الاجتماع في البلاد، أنها تعد انعكاسا للفشل الذريع في اندماج المهاجرين لاسيما من خلفيات شرقية أوسطية أو أفريقية لاسيما العرب.
ولعل ما جعل هذه القضية محل نقاش واسع في السويد هو المظاهرات من قبل المهاجرين إضافة لاستغلال بعض وسائل الإعلام العربية لهذه القضية التي جعلت منها وجبة عاطفية دسمة لجلب المزيد من المتابعين، في حين أن الإعلام السويدي نفسه قام بنشر العديد من القضايا التي كشفت عن روايات مغايرة لما تم عرضه على بعض الشاشات العربية، التي أكدت وجود عنف خطير ضد الأطفال من كلا الوالدين أو إحداهما وأن الخيار الأخير كان بسحب الطفل بعد قرار المحكمة في ذلك، وليس لمجرد سحب أطفال المهاجرين لأسباب تافهة كما تم الترويج له.
السوسيال وسحب الأطفال
رغم أن القانون السويدي فيما يخص الخدمات الاجتماعية أو ما يعرف بـ”السوسيال” الذي يتم من خلالها سحب الأطفال من ذويهم لأسباب عديدة يرى فيها القضاء بعد طلب السوسيال ضرورة لهذا الخيار الآخير (سحب الطفل)، إلا أن الكثير من المهاجرين يجهلون أن هذا القانون يكاد يكون قانون أوروبي موحد وهو موجود في معظم دول الاتحاد الأوروبي، لكن طريقة وشدة تطبيق القانون تختلف من بلد إلى آخر وهو ما يفسر بأن السويد تعد في مقدمة الدول الأوروبية التي تطبق القانون على نطاق واسع وبصرامة.
المعضلة تكمن ليس بسبب سحب الطفل، بل بعدم تقبل الكثير من المهاجرين لهذا القانون رغم أنه يشمل أي شخص يسكن في السويد دون تفريق ( مواطن، لاجئ، مهاجر)، لكن الملاحظ أن النسبة تزداد لدى الأطفال المسلمين والعرب على وجه الخصوص.
ويمكن اختصار قانون حماية الطفل في السويدي بالقول إن “الدولة السويدية لديها مسؤولية أخلاقية لحماية أي طفل يعيش على أراضيها والدفاع عنه وسحبه من ذويه مؤقتا أو بشكل دائم عند الضرورة في حال تعرضه للخطر)، في مقابل ذلك، يرى العديد من المهاجرين أن الطفل هو لعائلته وهي العارفة في كيفية تربيته والحفاظ عليه ولن تستطيع أي مؤسسة تعويض الطفل عن حنان والديه.
هنا تبدأ معضلة ولا يمكن إيجاد أرضية مشتركة بين القانون السويدي والمهاجر الذي يريد الحافظ على الثقافة المورثة لديه في بلده الأم فيما يخص طريقة تربية طفله والتي تتسامح مع العنف والضرب وغير ذلك، في حين أن القانون في السويد يؤكد أن ذلك جريمة كبرى بحق الطفل ولا يمكن تجاوزه ببساطة.
هذه المعضلة والهوة الواسعة ما بين القانون السويدي والثقافة المورثة ، وصل إلى أن بعض المهاجرين وصفوا ما تقوم به السوسيال السويدية هو “سرقة لأطفالهم”، في حين أن الواقع حسب ما تؤكده حتى مؤسسات دولية تعني بشؤون الطفل، إذا كان الطفل يلقى الاهتمام اللازم من والديه ولم يتعرض للخطر والحرمان فلن يتم سحب الطفل بأي شكل من الأشكال لاسيما في بلد مثل السويد الذي يعتبر من أكثر دول العالم تقدما في جميع المجالات ومن بينها تطبيق القوانين وعدالة القضاء.
لكن هذا الرفض من قبل الكثير من المهاجرين يضعهم في ما يمكن تسميته “الأنانية” أي العيش في الغرب لكن وفق مفهوم البلد والمجتمع الذي خرج منه، وهنا لا يقصد به الدين أو التراث بل احترام القوانين كل القوانين وليس جزءا منها، لاسيما أن دولة مثل السويد لا يوجد شيء أسمه تطبيق جزئي للقانون، فهو وضع للمواطن السويدي أولا وبالتالي لكل من وصل البلاد، ولايمكن للمهاجر أو اللاجئ أن يعيش وفق المفهوم الذي اعتاد عليه من ناحية تربية الأطفال ولا يمكن سن قوانين على مقاس كل مهاجر يصل إلى هذا البلد.
ورغم ذلك، لا يخلو الأمر من بعض الأخطاء من قبل السوسيال السويدي إلا أن القضاء في هذا البلد قادر على الانصاف وفق ما تؤكده منظمات حقوقية دولية حول هذه القضية بالتحديد ( سحب الأطفال)، إذ أن بعض الحالات وصلت إلى حد التعذيب والحرمان والفشل في القيام بالواجبات الضرورية للأطفال سواء من الأب أو الأم أو كلاهما في حين كان بعض الإعلام العربي يصور الأمر خلال الفترة الماضية على عكس ذلك.
وإذا ما كان هناك خطأ على السلطات السويدية في هذا الأمر، فإن البعض يرى بأنه يمكن حصرة في بند واحد فقط وهو عدم وضع جميع اللاجئين والمهاجرين في حيثيات القانون، لاسيما أن بعض السويديين أنفسهم يجهل تفاصيل قانون ما يسمى “حماية الطفل”.
وهو ما يتطلب وفق ما تؤكده العديد من المنظمات السويدية ضرورة إقامة دورات بشكل متكرر لتعريف الأهالي بالقانون وتفاصيله وعن دور الأسرة في تربية الطفل وفق النموذج السويدي (أي لا ضرب ولا حرمان لا خلافات زوجية أمام الأطفال)، مع التأكيد على أحقية الأهل بالحفاظ وتعريف طفلهم بثقافة بلدهم الأم، جنبا إلى جنب مع الثقافة السويدية.
ماهي السوسيال
تعد دائرة الشؤون الاجتماعية، المعروفة اختصارا بـ”السوسيال” في السويد، المؤسسة المسؤولة قانونيا عن ضمان تنشئة الطفل في بيئة صحية وآمنة.
تأسست دائرة “السوسيال” بهدف حماية الطفل عندما يكون عرضة للإهمال الواضح، كأن يتعرض للعنف الجسدي والنفسي، أو كأن يكون أحد أفراد الأسرة مدمنا للمخدرات. وفي حال تلقت هذه المؤسسة معلومة بوجود خطر يهدد الطفل، فيحق لها سحبه بسلطة القانون وفتح تحقيق في الأمر، ثم وضعه عند “عائلة مضيفة” بموجب قرار يصدر عن المحكمة الإدارية في كل بلدية.
ومن المهام الأخرى التي تختص بها دائرة الشؤون الاجتماعية: تقديم الدعم المالي والاجتماعي للعاطلين عن العمل وذوي الاحتياجات الخاصة، وحماية النساء المعنفات، ورعاية كبار السن والمهاجرين.
كما تحرص المؤسسة على “تعزيز العلاقات داخل المجتمع وبناء الفرد”، وفقا لفاروق الدباغ، الاستشاري في السلوك المعرفي والموظف في دائرة الشؤون الاجتماعية السويدية.
ويضيف الدباغ “السويد معروف عنها أنها تُركز دائما على الفرد، إذ لا تهتم في قوانينها بفكرة العائلة بقدر ما تهتم بسلامة الفرد. فقد يكون رب العائلة إنسانا غير ملائم ما ينعكس سلبا على باقي أفراد الأسرة، خاصة الأطفال”.
وتابع” إذا شكت دائرة الخدمات الاجتماعية أن أحد الوالدين أو كليهما غير قادر على رعاية الأطفال، ستباشر فورا باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الطفل وفقا للمادة 1990:52 من قانون الرعاية الاجتماعية”.
ويبقى دور “السوسيال” هو تطبيق القانون فقط، أي أن هناك “آليات ونصائح وتحقيقات طويلة تسبق عملية سحب الأطفال من ذويهم”. ويكون “حرمان طفل من رعاية والديه هو آخر خطوة يمكن أن تُقدم عليها دائرة الشؤون الاجتماعية لكن بعد صدور قرار قضائي بذلك”، وفق ما يؤكده الدباغ
ويقدر عدد “بلاغات القلق” التي تصل لهيئة الشؤون الاجتماعية بـ 300 ألف بلاغ سنويا، ومن بينها 180 ألف حالة متعلقة بالأطفال، بحسب إحصاءات مجلس الخدمات الاجتماعية وهيئة الإحصاء السويدية إلا أن نسبة كبيرة من هذه البلاغات تكون من عائلات مهاجرة.
كيفية سحب الطفل من ذويه
يبدأ التحقيق مع أي عائلة بعد ورود شكوى ضدها تُعرف باسم “بلاغ القلق”. وعادة ما يتم ذلك عبر حالتين:
عندما يتقدم أحد الوالدين أو الطفل نفسه بشكوى تفيد بتعرضه لسوء المعاملة أو الضغط النفسي، أو عندما تتلقى هيئة الشؤون الاجتماعية بلاغا من طرف ثالث، كمدرسة الطفل أو الممرض أو الأصدقاء أو الجيران. ويلزم القانون المدرسين أو الممرضين بالتقدم ببلاغ في حال وجود مخاوف أو شكوك بشأن سلامة الطفل.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، قد يتضمن البلاغ شكوى من ممرضة تتهم فيها عائلة بالإهمال بسبب عدم عنايتها بصحة فم ابنها وتنظيف أسنانه لسنوات متتالية. وبمجرد أن يصل البلاغ للهيئة الاجتماعية، فإنها تبدأ بتفتح تحقيق وإجراء مقابلات مع الأهل والأطفال والشهود لجمع كل الآراء.
وفي حال التأكد من المعلومة، ترسل “السوسيال” تنبيها للأم وللأب ثم تستدعيهما لمناقشة الموضوع. وقد يستغرق ذلك أشهرا قبل اتخاذ القرار النهائي. كذلك قد تختلف الإجراءات باختلاف الحالة ونتائج التحقيق حيث قد يكتفي “السوسيال” بتوجيه تنبيه وإخضاع الأهل لدورات تدريبية في التعامل والتربية أو وضع الأهل والأطفال تحت المراقبة لفترة.
لكن قد يتطلب الأمر التدخل العاجل إذا ما كان حجم الضرر واضحا أو في حال ثبوت عدم أهلية الوالدين حيث يتم سحب الطفل.
ماهي الخطوة بعد سحب الطفل
يرسل الأطفال إلى دور رعاية تابعة لهيئة الخدمات الاجتماعية أو لعوائل بديلة لرعايتهم، وقد تتخذ المحكمة قرارا بإعادة الأطفال إلى ذويهم بعد أن يجتازوا دورات تأهيلية في التربية وفي التعامل مع الأطفال أو ينجحوا في تحسين أوضاعهم الاقتصادية.
في حالات أخرى، تسمح المحكمة للأبوين بزيارة الطفل بصفة متواصلة، لكن في الحالات “الخطيرة”، تضطر المحكمة لإبعاد الطفل عن أهله بشكل نهائي وفوري ثم نقله إلى مدينة أخرى.
لكن الإجراءات المتبعة من قبل “السوسيال” تلقى انتقادات كثيرة، خاصة من قبل عدد من المهاجرين، الذين تجمعوا على مدى السنوات الماضية أمام مراكز دائرة الخدمات الاجتماعية للمطالبة باسترجاع أطفالهم، في مقابل ذلك، تؤكد السوسيال إنه لا يمكن إعادة الطفل إلى دائرة الخطرة مرة ثانية وأن سحب الطفل يأتي بعد استنفاد كل السبل.
فجوة كبيرة بين دخل أطفال المهاجرين والسويديين
وفي الوقت الذي تعمل السلطات السويدية على حماية الطفل المهاجر بشتى الطرق حتى داخل منزله، إلا أن فجوة عدم المساواة من الناحية المعيشية ما بين المهاجرين والسكان الأصليين تزداد.
وأكدت دراسة صدرت قبل عدة أشهر عن منظمة ” أنقذو الطفولة” السويدية، أنه بالرغم من أن معدل فقر الأطفال تراجع من 10.8% في عام 2011 إلى 9.2% في عام 2019، إلا أن عدم المساواة في معدلات الفقر يتزايد في السويد.
تقول الدراسة إن الفقر بين الأطفال من خلفيات أجنبية أكثر بسبع مرات مقارنة بالأطفال في الأسر ذوي الخلفية السويدية، وأوضحت أن النسبة عند المجموعة الاولى( أطفال المهاجرين) 20.3 %، في حين تبلغ عند المجموعة الثانية( الأطفال من أصول سويدية) 2.8 % فقط.
في هذا السياق، تقول “كارينا مود” أستاذة علم الاجتماع في جامعة ستوكهولم تعليقا على نتائج الدراسة :“هذه فجوة خطيرة جدا. من الواضح أن الأطفال في الأسر ذوي الأصول المحلية وأولئك من خلفيات أجنبية يعيشون حياة مختلفة جدا”.
وحددت منظمة “أنقذو الطفولة” خط الفقر في السويد بـ 20 ألف كرون من الدخل لأسرة مكونة من بالغين اثنين وطفلين. أي أن الأسر التي تحصل على دخل شهري أقل من 20 ألف كرون بعد خصم الضرائب تعتبر فقيرة في السويد.
ولمنظمة إنقاذ الطفولة تعريفها الخاص بفقر الأطفال، ويشمل ذلك الأسر ذات الدخل المنخفض، والأطفال في الأسر التي تحصل على مساعدات اجتماعية من الدولة.
اقرأ أيضا: بتهمة تزويج ابنتهما القاصر.. محاكمة والدين من أصول عربية في السويد
وقالت مود إن “المساعدات تهدف إلى رفع الناس فوق خط الفقر، لذلك يعتبر تعريف المنظمة مضللا. إذا عملت المساعدات على النحو المنشود، فعليها أن تخرج الناس من دائرة الفقر”، مؤكدة أن “أحد التدابير المهمة لتغيير هذا الواقع هو إدخال أولياء الأمور المولودين في الخارج إلى سوق العمل بشكل أسرع، وخصوصا النساء المولودات في الخارج”.
والمنظمة تستخدم مقياسين لتحديد أطفال الأسر الفقيرة، الأول الأطفال في الأسر ذات الدخل المنخفض، ما يسمى “الفقر المدقع”، وهو يعبر عن مدى كفاية دخل الأسرة لدفع النفقات اللازمة للغذاء والسكن، والثاني أطفال الأسر الذين حصلوا على مساعدات اجتماعية.
بقي أن نقول إن مشكلة عدم الاندماج أو ما يمكن تسميه الإقرار بالقوانين السويدية لا تقتصر على قانون حماية الطفل، بل أن هناك عشرات القضايا كجرائم الشرف وزواج الأطفال وغيرها، فضلا عن الإنجاب بكثرة ما يجعل المرأة المهاجرة بعيدة عن سوق العمل، كذلك عدم قدرتها على تربية هذا العدد الكبير من الأطفال وهو ما جعل بعض البلديات السويدية مؤخرا تطلق حملية توعية حول هذا الأمر وضرورة تنظيم الأسرة والتباعد بين الحمل.
جدير بالذكر أن آخر إحصائية والتي تعود لعام 2019، تشير إلى أن عدد حالات سحب الأطفال من أسرهم في السويد بلغ 7900 حالة، منها 4800 حالة لأطفال من أصول سويدية( 60.7%) و3100 حالة لأطفال من أصول مهاجرة ( 39.3%)، لكن في النسبة العامة من ما بين العدد الكلي للمهاجرين في السويد والأطفال الذين تم سحبهم فإن الرقم يكون مضاعفا مقارنة مع السويديين الأصليين.