أخبار العرب في أوروبا – السويد
تجري يوم غد الأحد انتخابات تشريعية في السويد وسط منافسة شديدة بين يمين على استعداد للعودة إلى الحكم بدعم لأول مرة من اليمين المتطرف، ويسار يسعى للفوز “بأربع سنوات إضافية”.
ويتوجه السويديون إلى صناديق الاقتراع في ظل استطلاعات للرأي تتوقع لليمين الحلول لأول مرة في تاريخه في المرتبة الثانية، إذ بات حزب”ديمقرايي السويدي” اليميني المعادي للهجرة في موقع يسمح له بمساعدة اليمين على العودة إلى السلطة، بعدما ظل لفترة طويلة منبوذا على الساحة السياسية.
ورغم ذلك، لا تزال الاشتراكية الديمقراطية المنتهية ولايتها ماغدالينا أندرسون، أول امرأة رئيسة للحكومة في السويد، تحظى بأكبر نسبة من الثقة بين الناخبين للبقاء في منصبها، متقدمة بفارق كبير على خصمها المحافظ من حزب المعتدلين أولف كريسترسون (32%).
وتبين آخر استطلاعات الرأي مستوى التغيرات في هذا البلد الإسكندنافي (نحو 10.7 ملايين نسمة)، وتحديدا لناحية التحوّل من بلد مضياف ومنفتح على “المواطنين الجدد”، كما أطلقوا على المهاجرين واللاجئين، إلى تنافس على التشدد حيال سياسة الهجرة والاندماج.
وكانت المواضع التي هيمنت على الحملة الانتخابية، تدعم حظوظ المعارضة اليمينية، كالإجرام وتسوية الحسابات الدامية بين العصابات، ومشكلات الاندماج، والزيادة الحادة في فواتير الطاقة وغيرها.
في هذا السياق، يقول “باتريك أوبرغ “أستاذ العلوم السياسية في جامعة غوتيبورغ: “إن التضخم ازداد بشدة، وكذلك الإجرام وعمليات إطلاق النار، وهي عوامل يفترض أن تصب لصالح المعارضة اليمينية، لكن المنافسة شديدة للغاية في الوقت الحاضر”.
من جانبه، رأى “يان تيوريل” أستاذ العلوم السياسية في جامعة ستوكهولم “هذه المرة يمكن القول إن إحدى المجموعتين ستحصل على غالبية، لكن من المستحيل استنادا إلى استطلاعات الرأي معرفة أي من الإثنتين”.
بينما أشار”أندرس ليندبرغ” وهو كاتب افتتاحية في صحيفة “أفتونبلاديت” اليسارية، إلى أن خروج ديمقراطيي السويد تدريجيا من عزلتهم وظهور الحزب كالتشكيل الأول ربما في اتحاد أحزاب اليمين هما “نقطة تحول هائلة للمجتمع السويدي”.
ولايزال الفارق ضئيلا في نوايا الأصوات بين التكتلين الجديدين المحتملين، وهما تكتل الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر وحزب اليسار وحزب الوسط إلى يسار الساحة السياسية، وتكتل المعتدلين والمسيحيين الديمقراطيين والليبراليين وديمقراطيي السويد إلى اليمين.
وتشير آخر استطلاعات الرأي التي تبقى في غاية التقلب، إلى حصول تكتل اليسار على 49.1% إلى 50.1% من الأصوات، مقابل 49.2% إلى 49.9% لليمين واليمين المتطرف.
كما تشير استطلاعات الرأي إلى حصول الاشتراكيين الديمقراطيين على 26.4% إلى 29.5% من الأصوات، وهو ما يقارب أدنى مستوى تاريخي لهم قدره 28.3% عام 2018، متقدمين على ديمقراطيي السويد (19.8% إلى 21.0%) والمتعتدلين (16.2% إلى 18.%).
وريث النازيين
حزب “ديمقراطيو السويد” اليميني المتطرف الذي تأسس في عام 1988، يعد وريث مجموعة من النازيين الجدد، ويعادي الأجانب والمهاجرين، ويطالب بطردهم من السويد، وكان معزولا من قبل، ويكاد يكون منبوذا وكان ينال 1% من أصوات الناخبين قبل أقل من عشرين عاما.
لكنه تمكن من توسيع نطاق وجوده في أوساط الطبقات العاملة والمتقاعدين عبر التخويف من وجود الأجانب على فرص العمل ومستوى الرفاه الاجتماعي.
يقول المؤرخ السويدي توني غوستافسون: إن الثلاثين شخصا الذين أسسوا الحزب، كان من بينهم عشرون شخصا لهم ماضٍ في الأوساط النازية أو العنصرية أو غير الديمقراطية، مثل مؤسس منظمة الحملة العنصرية “بيفارس فيريس فانسك”، وهي إحدى المنظمات التي وجهت الدعوة إلى الفتيات السويديات بعدم إهانة عرقهم، وعدم الزواج أو إقامة علاقة مع أعراق أخرى خصوصا السوداء والسمراء.
وتمكن بفضل خطاب معادٍ للهجرة ودفاعه عن دولة الرعاية الاجتماعية التقليدية، من كسب تأييد طبقات العمال والمتقاعدين وذوي المهارات الضعيفة، وبصورة رئيسية بين الرجال، مستغلا موجات الهجرة الضخمة إلى السويد التي قاربت 500 ألف مهاجر منذ عشر سنوات، ما يمثل حوالى 5% من المواطنين.
وكان الحزب الشعبوي قد حصل في انتخابات 2018 على نسبة 17.6 % من أصوات الناخبين، وهي نتيجة كبيرة مقارنة بنتائجه في الانتخابات السابقة عام 2014 والتي كانت 12.9%.
وأثارت التقارير حول إمكانية تمكن تحالف بين اليمين التقليدي واليمين الشعبوي المتطرف بهزيمة تحالف الأحزاب الاشتراكية في انتخابات الأحد قلقا واسعا.
غير أن السيناريوهات المتوقعة لمكاسب الأطراف المختلفة، تعتمد بشكل كبير على مدى نجاح قادة الأحزاب الحاكمة والمعارضة في إبراز مقاربة مقبولة للناخب السويدي في خضم التحولات العاصفة في المشهد الدولي، وانعكاساتها على حياة الناس.
نقطة تحول
وكان السجال الانتخابي انتقل خلال الشهر الماضي، من مستقبل دولة الرفاهية والرعاية والأخطار الأمنية الدفاعية، في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى “مواجهة عالم الجريمة المنظمة”.
وشكل يوم الجمعة 26 أغسطس/آب المنصرم نقطة تحول لدى أغلبية الأحزاب البرلمانية الثمانية، إثر حادثة إطلاق 15 طلقة في ملعب مخصص للأطفال في تجمع سكني في إسكيلستونا قرب العاصمة استوكهولم، فأصيبت أم وطفلها البالغ 5 سنوات.
وقد أشعلت الحادثة غضبا في الشارع السويدي، بعد أن سجل البلد أعلى نسبة جرائم قتل بالرصاص على المستوى الأوروبي، حيث قُتل من بداية العام 47 مواطنا، بعضهم أفراد عصابات، وآخرون عابرو سبيل.
وبعد ست سنوات على تشديد حزبها موقفه حيال الهجرة، صعدت أندرسون نبرتها بشأن الاندماج، مقرة “بفشل” في العديد من الأحياء ومعتمدة خطا معارضا لقيام غيتوات برفضها ظهور ما سمته “صوماليتاون”.
اقرأ أيضا: السويد تخصص 23 مليار دولار لمساعدة شركات الطاقة
وسواء اختارت الأغلبية بقاء أندرسون رئيسة حكومة يسار الوسط( بعد 8 سنوات من حكمه) أو اختارت مرشح يمين الوسط، أولف كريسترسون (عن حزب الاعتدال)، فإن الخريطة البرلمانية القادمة لن تستطيع تجاهل أن اليمين الشعبوي بات له ثقل وتأثير بالمشاريع المقبلة، بما فيها ترجيح وصول كريسترسون إلى الحكم، وذلك مع تقارب نتيجة الكتلتين، يسار ويسار الوسط واليمين ويمين الوسط.
جدير بالذكر أن الانتخابات السويدية تجري على ثلاثة مستويات مختلفة، هي انتخابات البرلمان الوطني المكون من 349 مقعدا، وانتخابات مجالس المقاطعات العشرين إضافة الى انتخابات المجالس البلدية الـ 290، حيث لا تشكل هذه المستويات الثلاثة تسلسلا هرميا، بل لكل منها مسؤوليات في مجالات خاصة.