أخبار العرب في أوروبا – إيطاليا
يتوجه الإيطاليون يوم غد الأحد إلى صناديق الاقتراع في انتخابات تشريعية مبكرة تتوقع استطلاعات الرأي أن يحقق فيها اليمين المتطرف واليمين التقليدي فوزا كبيرا.
ويُرجح على نطاق واسع أن تصبح “جيورجيا ميلوني”، رئيسة حزب “إخوة إيطاليا” (فراتيلي ديتاليا) ما بعد الفاشية، أول امرأة في البلاد تترأس حكومة.
وقال ولفانجو بيكولي من شركة “تينيو” لاستشارات المخاطر السياسية ومقرها لندن :“البلاد حريصة على تغيير وجه جديد”.
وتكافح إيطاليا سلسلة من الأزمات، من التضخم المرتفع والظواهر الجوية الشديدة المرتبطة بتغير المناخ، إلى أزمة الطاقة التي تفاقمت بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.
واختتمت الحملة، التي اندلعت بعد سقوط ماريو دراجي في يوليو/تموز الماضي، يوم أمس الجمعة، ومنحت الإيطاليين يوما من الراحة حيث تم حظر الدعاية الانتخابية إلى ما بعد انتهاء التصويت.
ونقلت وكالة فرانس برس عن أشخاص في روما قولهم اليوم السبت، إنهم غير متأكدين حتى الآن من قرارهم في اليوم السابق للانتخابات، رغم أن أحدث استطلاعات الرأي أظهر أن حزب “إخوة إيطاليا”من المرجح أن يفوز ويشكل حكومة.
تقول”ماريا تاسكا” البالغة 27 عاما وهي طالبة من صقلية للوكالة:“أشعر بالقلق من حقيقة أن الاستطلاعات لها اليمين باعتباره الفائز، وخاصة جيورجيا ميلوني”، مضيفة:”من خلال ما قالته بشأن حقوق المرأة، وحقوق الشباب، والحقوق بشكل عام، أرى أن الأمور تتراجع بمقدار 50 عاما على الأقل”.
بدوره، يقول”دانتي” صاحب متجر ويبلغ 75 عاما :”في بعض الأحيان يتعين عليك التغيير”. فيما قال التاجر الشاب “باسكوالي بيستريكيلا” المتحدّر من باري (جنوب) :“لن أصوت غدا لأنني لا أرى اليوم أشخاصا صالحين للحكم. في المستقبل، إذا كان هناك شخص يستحقّ، سأصوّت له”.
ميلوني قد تحصل على ربع الأصوات
في آخر محاولات لاستقطاب مقترعين خلال تجمعاتهم الانتخابية الأخيرة قبل الصمت الانتخابي الذي بدأ مساء أمس الجمعة عند العاشرة مساءً بتوقيت غرينتش ويستمر حتى إغلاق صناديق الاقتراع الأحد، بذل قادة الأحزاب السياسية الرئيسية في إيطاليا كل ما بوسعهم.
في مدينة نابولي جنوب إيطاليا قالت “ميلوني” زعيمة حزب “أخوة إيطاليا” ذي الجذور الفاشية والحاصل على نحو 25% من نوايا التصويت بحسب آخر الاستطلاعات، “أنا وطنية!”.
وعملت ميلوني البالغة 45 عاما، بجد خلال الأسابيع القليلة الماضية لطمأنة المستثمرين بأن العلاقات التاريخية التي تربط حزبها بمؤيدي الديكتاتور “بينيتو موسوليني” أصبحت شيئا من الماضي.
لكن جذور حزبها تعود إلى الحركة الفاشية الجديدة، وقد فسر البعض الشعلة الثلاثية التي يستخدمها الحزب شعارا له على أنها تمثل “النيران المشتعلة إلى الأبد” فوق قبر موسوليني، كما تم تداول فيديو على شبكة الإنترنت العام الماضي يظهر بعض أعضاء الحزب وهم يؤدون التحية الفاشية.
وكانت الانتخابات الأخيرة التي جرت في إيطاليا، قد حصل حزبها على أقل من 4 % من الأصوات في صقلية، وهي نسبة تقل بفارق ضئيل عن نسبة الأصوات التي حصل عليها على المستوى الوطني، في حين أن حزب خمسة نجوم الشعبوي جاء في المقدمة بعد فوزه بقرابة 50 % من الأصوات.
أزمة مع الاتحاد الأوروبي
وكان حليفها زعيم حزب “الرابطة” المناهض للهجرة ماتيو سالفيني، يطالب “باعتذار أو باستقالة”رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، بعدما هدّدت الخميس في الولايات المتحدة بعقوبات على إيطاليا في حال انتهكت المبادئ الديمقراطية للاتحاد الأوروبي.
ويمكن الاستناد إلى آخر الاستطلاعات التي نُشرت لتوقع نسب الفوز في الانتخابات، علما أن إجراء الاستطلاعات تتوقف في الأسبوعين السابقيْن للاقتراع.
وترجح الاستطلاعات حصول “أخوة ايطاليا” على ما يتراوح بين 24 و25% من نوايا التصويت، مقابل بين 21 و23% من نوايا التصويت للحزب الديموقراطي (يسار الوسط)، وبين 13 و15% لـ”حركة 5 نجوم” الشعبوية و12% لحزب “الرابطة” و8% لـ”فورتسا ايطاليا” (حزب رئيس الوزراء الأسبق بيرلسكوني).
وقد يتجاوز الامتناع عن التصويت 30% في هذه الانتخابات، وفقا للمحللين، وهو رقم مرتفع للغاية في إيطاليا.
أصدقاء بوتين
وتأتي هذه الانتخابات المبكرة في وقت يتابعها الاتحاد الأوروبي عن كثب، خصوصا في ظل التعاطي الحساس مع العقوبات المفروضة على موسكو، مع احتمال ولادة خلافات بين المفوضية الأوروبية والحكومة إذا تشكلت من أحزاب اليمين واليمين المتطرف في إيطاليا.
وحافظت إيطاليا عبر التاريخ على علاقات ودية مع موسكو، لكنها بقيت متضامنة مع حلف شمال الأطلسي”الناتو” منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في ظل حكومة ماريو دراغي السابقة.
وأثار الشريك الثالث في الائتلاف اليميني “سيلفيو برلوسكوني” جدلا عندما قال مساء الخميس إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تم “دفعه” من قبل شعبه لغزو أوكرانيا. قبل أن يعود الجمعة لتأكيد “ولائه المطلق” لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
وحين كان برلوسكوني رئيسا للحكومة الإيطالية، كان يعامل بوتين كصديق لدرجة أنه استضافه في قصره في سردينيا، كما ذهب معه إلى شبه جزيرة القرم بعدما ضمتها موسكو في العام 2014.
اقرأ أيضا: الجزائر: ارتفاع صادرات الغاز الطبيعي إلى إيطاليا بنحو 20% هذا العام
ويضغط ماتيو سالفيني من جهته باتجاه تخفيف العقوبات المفروضة على موسكو، معتبرا إياها غير فعّالة وذات نتائج عكسية، لكنه يرى أيضا أن الغزو الروسي لأوكرانيا “غير مبرّر”.
أما ميلوني، فاتخذت مواقف واضحة بشأن دعم أوكرانيا والعقوبات على موسكو وتزويد كييف بأسلحة.
الإعلام الإيطالي متخوف
وعشية الانتخابات عبرت الصحف الإيطالية الصادرة صباح السبت، عن مخاوفها، وكتبت الصحيفة اليسارية “لا ريبوبليكا” في صفحتها الأولى “زيلينسكي للإيطاليين: لا تصوّتوا لأصدقاء بوتين“. فيما جاء في عنوان صحيفة “كورييري ديلا سيرا”: “التحدّي النهائي أمام أوروبا وبوتين”.
وتقول الصحف الإيطالية بعد أنه الانتخابات ستتم مراقبة العلاقات الايطالية مع الاتحاد الأوروبي عن كثب، مدعية بأن وعود ميلوني بالتعاون مع بروكسل هي “تهديدات مستترة”.
وسبق أن شددت ميلوني بالقول: “نريد ايطاليا قوية وجدية ومحترمة على الساحة الدولية”.
ووعد ائتلاف اليمين واليمن المتطرف أن يفي بالتزاماته الأوروبية، وتراجعت ميلوني بشكل رسمي عن مشروعها بإخراج إيطاليا من منطقة اليورو. لكن تبقى المخاوف قائمة خصوصا مع إعادة تأكيد دعمها لحكومة المجرمية بقيادة القومي المحافظ فيكتور أوربان.
وتدعو ميلوني إلى إعادة التفاوض بشأن خطة الإنعاش الإيطالية بعد الجائحة والتي خصص الاتحاد الأوروبي نحو 200 مليار يورو لتمويلها لمراعاة الارتفاع في تكاليف الطاقة في أعقاب الحرب في أوكرانيا.
غير أن منح إيطاليا تمويلا أوروبيا مشروط بسلسلة من الإصلاحات احترمت حكومة دراغي بدقة إدخالها حيز التنفيذ لكن تبدو حاليا معرضة للخطر.
جدير بالذكر أن الأعراف الديمقراطية متأصلة في إيطاليا، ولكنها بشكل أو بآخر، تبدو باستمرار غير واثقة من الاتجاه الذي يتعين أن تسير فيه.
فالمختبر السياسي الإيطالي ابتكر الفاشية، وانتخب قطب العقارات والإعلام الملياردير سيلفيو برلسكوني قبل عقدين من انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. كذلك، انتخب حزبا شعبويا معارضا للمؤسسة السياسية، وجرب حكومات تكنوقراط، والآن يبدو عازما على انتخاب رئيسة وزراء من اليمين المتطرف.
وفي بحثها المستمر عن هوية سياسية، فإن إيطاليا تبدو أنها ستجرب شيئا جديدا، أملا في أن يحدث تغييرا في نهاية المطاف. لكن الكثيرين هنا يشعرون بالقلق من أن القفز إلى المجهول ربما يقود إلى مسار مظلم، مع وصول حزب لديه جذور فاشية.