أخبار العرب في أوروبا – متابعات
قال جاك لانغ رئيس معهد العالم العربي في باريس: “في وقت مبكر، تواصلت الحضارتان العربية والفرنسية وتبادلتا التأثر. فمنذ القرن السادس عشر أدرك فرانسوا الأول وغيوم بوديه، خازن مكتبته، أن التمكن من المعارف الإنسانية التقليدية، كالإغريقية واللاتينية، لم يعد كافياً ولا بد من إضافة ميادين معرفية جديدة، كالعربية اللازمة للدراسات الفلسفية والعلمية. والسبب واضح. فعندما نتذكر أننا ندين لعلماء الرياضيات العرب باختراع الأرقام الحديثة نتذكر أيضاً أن الغرب في العصر الوسيط يدين للعالم العربي بإعادة اكتشاف النصوص الكبرى للفلسفة الإغريقية، حيث باشر علماؤه بالاشتغال عليها بشكل مكثف، ترجمة ودراسة”.
جاء هذا بمقدمه كتاب لانغ “اللغة العربية كنز فرنسا” والذي وضعه بالتعاون مع فكتور سلامة وترجمه إلى العربية معجب الزهراني المدير العام لمعهد العالم العربي بباريس.
قسم لانغ كتابه إلى 3 أقسام موزعة على 125 صفحة، بدءاً من القسم الأول الذي جاء بعنوان “من الارتباط إلى الطلاق” وفيه استعرض جهود فرانسوا الأول. يذكر: “في البداية كان فرانسوا الأول أحد السباقين إلى الدفاع عن لغة ابن رشد في وطننا وذلك بإنشائه “معهد فرنسا” (الكوليج دوفرانس) وفرضه تعلم العربية بين لغات أخرى”.
كما تحدث لانغ عن فئة الدروغمانات وتعني بالعربية حرْفيّاً “التراجمة”. وهؤلاء كما يقول: “تلاميذ صغار السن كانوا يُختارون من الوسط التجاري في مرسيلية والمشرق، لتحضيرهم للالتحاق بإعدادية لوي لوغران بباريس، وبعدها يلتحقون بالسفارة الفرنسية في إسطنبول ليعمقوا معرفتهم باللغات الشرقية. وهؤلاء التراجمة هم الذين أنتجوا حينها معرفة واسعة غذت فيما بعد “فكر الأنوار”. ويشير المؤلف إلى أن مكانة اللغة العربية قد تعززت بين اللغات الشرقية في مدارس باريس بفضل حملة بونابرت. بالرّغم من الفشل الذي منيت به المغامرة. ويقول: “كان أثر الحملة طاغياً على المخيال الفرنسي العام، وخصوصاً على المخيّلة الأدبية، حيث ضمخت النزعة الشرقية شعر كل من بودلير وهوغو. والحق أنّه ما من كاتب رومانطيقي كبير في القرن التاسع عشر إلاّ وأنجز “كتاباً شرقيّاً” سواء في ذلك فلوبير في قصّته “سالامبو” أو تيوفيل غوتييه في كتابه “الشرق”.
ويستعرض لانغ فصلاً جديداً من علاقة الفرنسيين بالعربية ويوضح: “مثلت الحملة العسكرية على الجزائر صيف 1830 الصفحة الأولى من قصة استعمار الجزائر، وفي فرنسا المركز وُضِع نظام متكامل لتعليم العربية ليلبي غاية مزدوجة: تكوين موظفي إدارة استعمارية فعالة من جانب، وتأهيل باحثين قادرين على ممارسة البحوث العلمية من جانب آخر. ثم توسَّع هذا النظام ليشمل التعليم الثانوي، وكان بين أهم إنجازاته استحداث شهادة التبريز في اللّغة العربية عام 1906”. ويتابع: “مع نهاية العام 1920 أصبحت جدوى اللغة العربية مقتصرة على المستعمرات، فتراجع تعليمها في المدارس المتوسطة والثانوية الباريسية حتى توقف تماماً. ولم يبدأ تعليم العربية في فرنسا ينتشر إلا بعد استقلال الجزائر عام 1962 لتعليم أبناء المهاجرين مع تطبيق سياسة “لم الشمل” التي حظيت بها الأسَر في بداية السبعينيات، وأصبحت العربية “لغة المهاجرين”. ويذكر لانغ: “تعد العربية منذ العام 1973 واحدة من اللغات الست المعتمدة في الأمم المتحدة ومنظماتها. وهي خامس لغة في العالم من حيث عدد الناطقين بها ومع ذلك تبقى في المرتبة الأخيرة من حيث انتشار تعليمها”.
وفي القسم الثاني الذي جاء بعنوان “اللغة العربية تحت الحسناء المجهولة”. يوضح لانغ: “هناك اهتمام جماهيري حقيقي بالثقافة العربية ويشهد به الإقبال المتزايد على الأنشطة الثقافية التي ينظّمها معهد العالم العربي. كما أصدرنا في معهد العالم العربي في سبتمبر 2015 منهجاً تعليمياً مجدداً يخص التلاميذ الكبار والفتيان المبتدئين سمّيناه: “أهداف” ويستند هذا المنهج، التي لقي نجاحاً عالمياً، على توجيهات “الإطار الأوروبي المرجعي المشترك للغات” فهو يعلم العربية الحديثة، ولغة وسائل الإعلام والشبكات، ويعطي الأولوية لمهارات النطق السليم”. ويذكر: “في عصر التقنيات الرقمية قبل خمس سنوات لم تكن العربية لتظهر بين اللّغات العشر على الشبكات بحساب عدد المستخدمين. واليوم ها هي تحتل الموقع الرابع من الفضاء الافتراضي”.
ومن ثم ينتقل لانع في القسم الثالث والأخير للحديث عن “الأسباب التي دمغت اللغة العربية بصورة سلبية في فرنسا” ويحددها بـ “الإرث الاستعماري إلى صعود الإسلام السياسي، والرفض الاجتماعي والإيديولوجي إذا كان هناك مديرو مدارس متحمسون للغة العربية يدافعون عن الحق في تعليمها، فهناك أيضاً بعض المتشددين الذين يرفضون إدخالها في مدارسهم لأسباب اجتماعية. لكن التصلب الإيديولوجي المحض يظل قائماً أيضاً فهناك من يرى، باسم تصور اندماجي للجمهورية، ضرورة عدم تشجيع تعليم لغات أصلية للجماعات المهاجرة، وارتباطها بالغيتوات (المَعازل) والطائفية، كما بالفشل الدراسي والتطرف الإسلاموي”.
اقرأ أيضا: بمشاركة 45 فيلما .. افتتاح مهرجان مالمو للسينما العربية في السويد
ومن وحي تجربته يقول لانغ: “عندما كنت وزيراً للتربية الوطنية من عام 2000 حتّى 2002 عملت على زيادة عدد الوظائف في مستوى التبريز في العربية، وإتاحة تعليم العربية من المدرسة الابتدائية حتّى الجامعة، والتزمت بتوظيف مساعدين لمصاحبة التلاميذ في تعلمهم. ومع الأسف لم يتابع من خلَفني هذه الإصلاحات فانطفأ تعليم العربية أكثر من قبل”.
إلى جانب هذه العوائق هناك عوائق من العرب أنفسهم يؤكد لانغ: “هناك أسر “من أصول عربية” تتنكر للعربية ونجد الأطفال، في المغرب كما في المشرق، يتكلمون بالإنجليزية أو بالفرنسية في حين أن آبائهم عرب ويتقنون لغتهم لكنهم يتخلون عنها، العربية في البلدان الأوروبية الأخرى في ألمانيا، وبالرغم من الحضور الكثيف للمهاجرين، لا تشغل اللغة العربية النقاشات العمومية. والحال كذلك في المملكة المتحدة التي تمثّل عاصمتها لندن المكان المفضل للصحافة العربية الخليجية، وفي إسبانيا حيث منطقة الأندلس التي لعبت فيها العربية طوال عصرها الذهبي دوراً من الطراز الأول”.