أخبارتقاريردول ومدن

اليمين الفرنسي يضغط لإلغاء “اتفاقية 1968” التي تعطي امتيازات للمهاجرين الجزائريين

أخبار العرب في أوروبا – فرنسا

عاد اليمين في فرنسا بجناحيه المعتدل والمتطرف، للضغط على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل إلغاء اتفاقية التنقل بين البلدين لسنة 1968 والتي تعطي بعض الامتيازات للمهاجرين الجزائريين دون غيرهم من الدول المغاربية.

هذه الدعوات من قبل اليمين الفرنسي التي تأخذ شكل حملة موجهة، تأتي قبل أسابيع من الزيارة المقررة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لفرنسا التي ينتظر أن تكون في النصف الثاني من شهر يونيو/حزيران المقبل، ما يعطي انطباعا عاما بوجود رغبة لدى اليمين الفرنسي في استغلال هذه المناسبة لمزيد من توجيه الرأي العام وشحنه ضد المهاجرين عموما والجزائريين خصوصا كونهم يمثلون أكبر الجاليات هناك.

السفير الفرنسي السابق اكزافيي دريونكور تصدّر كالعادة الواجهة الإعلامية في صحف يمينية، مثل “لوفيغارو” ومجلة “لوبوان”، من أجل الدعوة لإعادة النظر كليا في هذه الاتفاقيات التي لم تعد صالحة حسبه اليوم بالنظر للتحول الطارئ في نظرة المجتمع الفرنسي عموما لظاهرة الهجرة.

هذا الرجل يقدم على أنه أكثر العارفين بخبايا هذه العلاقات، كونه اشتغل على مرحلتين سفيرا في الجزائر، لكن تدخلاته في الفترة الأخيرة باتت تحمل طابعا “انتقاميا”، مثلما وصفها مسؤولون سابقون جزائريون مثل الدبلوماسي عبد العزيز رحابي الذي وجه له منذ فترة نقدا لاذعا على خلفية مقال له تنبأ فيه بانهيار الجزائر.

وفي حوار له مع لوفيغارو قال “دريونكور” في المحاججة التي قدمها من أجل إلغاء الاتفاقية:”إن السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي لعام 2023 تغير مقارنة بما كان عليه في عام 196″.

وأضاف أنه من الناحية السياسية فإن“مسألة الهجرة هي اليوم في قلب النقاش العام وتتكرر بانتظام”.

أما من الجانب الاقتصادي، فالظروف العامة التي كانت موجودة في عام 1968 حسبه متوفرة (حالة الرفاه والحاجة الماسة للعمال المهاجرين في فترة ما بعد الحرب)، واجتماعيا، تطورت نظرة الفرنسيين، وفقه حول الهجرة بشكل واضح.

وبحسب رؤية “دريونكور” فإن تحويل ما تنص عليه هذه الاتفاقية إلى حق دائم للجزائريين من قبل القضاة والإداريين فاقم من ظاهرة الهجرة.

واستغرب كيف أن الحكومة تعتزم إصدار قانون لا ينطبق على الجزائريين، معتبرا ذلك “نقطة عمياء” في نظامنا التشريعي.

السفير السابق ذهب إلى حد عرض “حيلة” على الحكومة الفرنسية تخلصها حسبه من حرج هذه الاتفاقية، موضحا في هذا الصدد بالقول:“يمكننا على سبيل المثال أن نقول للحكومة الجزائرية: لنمنح أنفسنا ستة أشهر لإصلاح نظام التنقل بأكمله بين البلدين، لأنه يمكنكم أن تروا بوضوح أن مسألة الهجرة تهيمن على الحياة السياسية الفرنسية. وقضية التأشيرات (مثل الذاكرة) تسمم علاقتنا الثنائية، وإذا رفضوا ذلك، فسنضطر في غضون ستة أشهر إلى إنهاء اتفاقية 1968”.

في السياق نفسه، قال رئيس حزب الجمهوريين اليميني في فرنسا إيريك سيوتي، خلال برنامج على قناة (C8) الفرنسية، إنه يجب مراجعة اتفاقية 1968، مستغربا استمرار “منح امتيازات للجزائريين الذين يقومون بشتمنا كل يوم”، على حد زعمه.

وبرر دعوته بكون القنصليات الجزائرية باتت ترفض تماما منح مواطنيها الذين صدرت في حقهم قرارات طرد، تصاريح عبور من أجل عودتهم لبلادهم.

وهذا الموقف يعد تجديدا لما ورد خلال الحملة الانتخابية للرئاسيات الأخيرة، حين هددت مرشحة اليمين المعتدل فاليري بيكراس، بربط مسألة الهجرة والتنقل بمدى تجاوب الجزائر مع طلبات إعادة المهاجرين غير الشرعيين.

وسبق لنيكولا ساركوزي وهو أحد منظري تيار سيوتي، أن دعا في كتاب له بعنوان “فرنسا من أجل الحياة”، لجعل اتفاقية 1968 مطابقة لسياسة الهجرة التي تريد فرنسا وبالتالي إلغاء امتيازات الجزائريين”.

أما من جانب اليمين المتطرف، فالموقف أكثر راديكالية حيث دعت مارين لوبان زعيمة التجمع الوطني لمنع الجزائريين من تحويل أموالهم لعائلاتهم.

بينما قال المرشح السابق للرئاسة “إيريك زمور” ( يهودي من أصول أمازيغية جزائرية) المدان سابقا بتهم العنصرية إن على “الجزائر أن تتوقف عن اعتبار فرنسا مصرفا لفائضها الديموغرافي”، لافتا إلى أنه مصمم خصوصا على إلغاء اتفاقية 1968 التي تسهل حركة وعمل وإقامة الجزائريين في فرنسا.

في مقابل هذا التهجم على الجزائريين المقيمين في فرنسا، قال كريم زريبي النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي سابقا في تصريحات للقناة الإذاعية الجزائرية الثالثة، إن الحديث على المهاجرين في فرنسا أمر يدخل في سياق المزايدة.

وشدد زريبي الذي لديه أصول جزائرية على أن “الاقتصاد الفرنسي لا يمكنه أن يصمد أسبوعا دون مساهمة اليد العاملة المهاجرة”، مشيرا إلى أن الأطباء والمهاجرين يمثلون لوحدهم 30% من العاملين في المستشفيات الفرنسية وعلى رأس هؤلاء الجزائريون.

ماهي اتفاقية 1968

باعتبار أن فرنسا كانت تزعم بأن الجزائر ليست مستعمرة بل هي تابعة لها إداريا عندما كانت محتلة لها، ولم تكن الاتفاقيات الثنائية بعد بين فرنسا والجزائر بعد الاستقلال خاضعة لمنطق الاتفاقات الأخرى بين الدول، وأبرز مثال على ذلك اتفاقية 27 ديسمبر/كانون الأول 1968.

لكن بعد نيل الاستقلال بقيت العلاقة بين باريس والجزائر معقدة وبالخصوص فيما يتعلق بوضع الجزائريين في فرنسا، الذي كان عددهم كبيرا منذ فترة الاستعمار، وعلى الرغم من أن فرنسا أبرمت اتفاقات مع كل مستعمراتها التاريخية في هذا الجانب فإن الاتفاق مع الجزائر كان مغايرا، مما جعل المواطن الجزائري يعامل معاملة خاصة في فرنسا.

وتنص الاتفاقية على تسهيل دخول الجزائريين إلى فرنسا شرط الدخول المنتظم كما توضح وزارة الداخلية الفرنسية على موقعها الإلكتروني.

وإذا كان الجزائريون يرغبون في ممارسة مهنة حرة أو فتح شركة فسيكونون قادرين على الاستفادة من حرية التأسيس، كما يجري تسريع إصدار تصريح إقامة ساري المفعول لمدة 10 سنوات إذا طلب المواطنون الجزائريون ذلك، على عكس الدول الأخرى.

اقرأ أيضا: الجزائر تسترجع مخطوطة إسلامية نادرة من فرنسا

وبشكل ملموس يمكن للمواطنين الجزائريين على سبيل المثال طلب شهادة إقامة لمدة 10 سنوات بعد 3 سنوات من الإقامة. مقابل 5 سنوات بموجب القانون العام.

كما يمنح الجزائري المتزوج من فرنسية شهادة إقامة لمدة 10 سنوات بعد عام واحد من الزواج. وإذا رغبوا في البقاء في فرنسا وجرى قبولهم فيها بموجب لم شمل الأسرة، فإن أفراد عائلة الزوج الجزائري يحصلون على تصريح إقامة لنفس مدة إقامته.

غير أن الطرف الفرنسي ظل يلح من أجل الحد من امتيازات الجزائريين في إطار تلك الاتفاقية، وعليه جاء التوقيع على أول تعديل لبنود هذه الاتفاقية، بتاريخ 22 ديسمبر/كانون الأول 1985، تم بموجبه إسقاط المادتين الأولى والثانية.

وتبقى أكثر ضربة وجهت لاتفاقية 1968 هي المراجعة التي تمت في عام 1994، وجاءت في شكل مرسوم يحمل الرقم 94/1103 الصادر بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 1994، والذي يحمل توقيع كل من الرئيس الفرنسي الأسبق، فرانسوا ميتران ووزيره الأول، إدوارد بلادور، ووزير الخارجية آنذاك، آلان جوبي، والذي ألغى المادة السادسة من الاتفاق المذكور.

بعد هذا التعديل (إلغاء المادة السادسة) تم حرمان الجزائريين من امتياز كان مكفولا، حيث بات أمامهم شرط الحصول على تأشيرة خاصة بالدراسة لمن يريد مزاولة دروسه هناك، أو تأشيرة سياحية لمن يريد السياحة، لكن حق العمل كما كان في السابق، تم سحبه من الطرف الجزائري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى