تقاريردول ومدن
أخر الأخبار

ماهي قصة المسلة المصرية التي تحتفل أمامها فرنسا كل عام بعيدها الوطني

أخبار العرب في أوروبا- فرنسا

تحتفل فرنسا بعيدها الوطني في 14 يوليو/تموز من كل عام، وهي مناسبة توافق اقتحام سجن الباستيل وقيام الثورة الفرنسية على النظام الملكي في عام 1789.

وعلى مدار عقود طويلة تقام احتفالات رسمية وعروض عسكرية بحضور رئيس الدولة في ساحة الكونكورد وسط العاصمة باريس أمام مسلة مصرية قديمة هي مسلة معبد الأقصر.

وهذه المسلة تعد شاهدة على كثير من الأنشطة السياسية الفرنسية منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن، لاسيما الاحتفال السنوي بالعيد الوطني للبلاد.

لكن ما قصة هذه المسلة ؟

قدمت مصر في 29 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1830 هدية من نوع خاص إلى فرنسا، تعبيرا عن حسن التفاهم ودفء العلاقات بين البلدين.

حينها أهدى محمد علي باشا (1769-1849)، حاكم مصر آنذاك، مسلة الأقصر لملك فرنسا لوي فيليب الأول (1773-1850).

وتلك الهدية التي جاءت تكريما لجهود العالم الفرنسي جان-فرانسوان شامبليون (1790-1832) في معرفة أسرار الكتابة المصرية القديمة، لاتزال تزين ميدان الكونكورد في قلب العاصمة الفرنسية باريس لغاية الآن.

أقدم أثر تاريخي في باريس

ومسلة الأقصر تعدأقدم أثر تاريخي على أرض باريس يشهد على “ولع فرنسي” بحضارة مصر القديمة، بعدما اجتُثت من جذور معبدها في مدينة الأقصر جنوبي مصر ونُصبت في ميدان الكونكورد خلال القرن التاسع عشر.

وأصبحت هذه المسلة شاهدة على كثير من الصراعات والأحداث السياسية والوطنية للجمهورية الفرنسية في بيئة مغايرة تماما لبيئتها الأصلية.

وهذه المسلة تعود إلى عصر الملك رعمسيس الثاني، أشهر ملوك الأسرة 19 بحسب تقسيم تاريخ مصر القديم، الذي أمر ببناء مسلتين أمام معبد الأقصر تخليدا لانتصاراته في حملات عسكرية حمت أرض مصر من اعتداءات أجنبية واستباحة ممتلكاتها.

اختلاف على تحديد الدلالة الدينية للمسلة

اختلف علماء تاريخ مصر القديم في تحديد الدلالة الدينية لبناء هذه الكتل الحجرية ذات الأضلاع الأربعة والقمة الهرمية، “هُريم”، والتي تقام فوق قاعدة يُسجل عليها نص تذكاري للملك والإله الذي كُرست من أجله.

لكن اتفق البعض على أنها ترمز لهبوط أشعة الشمس من السماء ممثلة في شكل الهُريم.

في حين يرى آخرون أن الهُريم يلعب نفس دور الهرم كرمز “للتل الأزلي” الذي بدأت عليه عملية خلق الكون، بحسب العقيدة الدينية في مصر القديمة.

وأسهم كتاب “وصف مصر” الذي وضعه الفرنسيون بعد عودتهم من حملتهم العسكرية على مصر (1798-1801) في زيادة الولع الفرنسي بحضارة مصر القديمة، لاسيما بعد تسجيل آلاف الصور لصروح بالغة الضخامة رآها العالم لأول مرة مليئة بنصوص غير مفهومة حتى اكتشف شامبليون أسرار تلك النصوص المصرية القديمة.

كما ازداد الاهتمام بآثار مصر في تلك الحقبة، وهو ما شجع محمد علي باشا على استخدام الآثار المصرية القديمة كأداة سياسية تخدم مصالحه، مغتنما صراع الدولتين العظميين وقتها، إنجلترا وفرنسا، على مسلتي “كليوباترا” في الإسكندرية وأهدى المسلتين لهما مقابل مساندتهما وتقوية موقفه السياسي أمام السلطان العثماني.

وكان شامبليون وصل إلى مصر في أغسطس/آب عام 1828، ووطأ أرض الإسكندرية على رأس بعثة علمية تهدف إلى مراجعة صحة منهجه في قراءة النصوص المصرية القديمة “الهيروغليفية”، علاوة على فحص مسلتي “كليوباترا”.

وتبين أنهما لا تمتان بصلة للملكة، بل أقامهما الملك “تحوتمس الثالث” في القرن 15 قبل الميلاد لوضعهما في معبد الشمس في مدينة هليوبوليس القديمة، ثم نقلهما البطالمة إلى الإسكندرية بعد 13 قرنا، وأُطلق عليهما بالخطأ مسلتا “كليوباترا”.

كيف نُقلت المسلة

كانت عملية نقل المسلة وهي كتلة حجرية تزن 230 طنا من الأقصر إلى باريس عملية شاقة، حيث استبعد شامبليون فكرة تقطيع المسلة ووصف ذلك بأنه “تدنيس للمقدسات”، لاسيما وأن الرومان كانوا قد نجحوا في القرن الرابع الميلادي قبل فرنسا في نقل مسلة من معبد الكرنك، عبر البحر المتوسط، ونصبوها في ميدان القديس بطرس في روما.

وشيدت فرنسا لهذا الغرض سفينة مستوية القاع تستطيع السفر في مياه البحار والأنهار، تفاديا لتعدد نقل المسلة من سفينة لأخرى وأطلقت عليها اسم “الأقصر”، أبحرت السفينة من ميناء تولون في 15 أبريل/نيسان عام 1831، وعلى متنها طاقم من 150 شخصا من مختلف المهن والحرف، جميعهم تحت قيادة المهندس الفرنسي “أبوللينير لوبا”.

وصل الطاقم إلى الأقصر يوم 14 أغسطس/آب، وبدأ العمل ثم توقف بسبب تفشي وباء الكوليرا الذي أصاب 15 فرنسيا، وتسبب في وفاة 128 مصريا.

ووصف ريمون دي فرنيناك سان-مور، قائد بعثة نقل مسلة الأقصر إلى باريس، في مذكراته وملاحظاته بعنوان “رحلة السفينة الأقصر في مصر” التي نشرها في باريس عام 1835 مشهد هؤلاء المصريين قائلا: “إن الفلاحين المساكين الذين أصابهم وباء الكوليرا لم يكن لديهم مشروب سوى ماء النيل ولا سرير سوى الأرض، ومع ذلك لم تصدر منهم أي صرخة أو شكوى، فمنهم يتعلم المرء أن احتقار الحياة يوجد في العراء أكثر مما يوجد في كتب الفلاسفة”.

ويضيف:”ستشهد باريس ما صنعته حضارة قديمة من أجل صيانة التاريخ في ظل عدم وجود مطبعة. وسترى (باريس) أنه إذا كانت فنوننا مدهشة، فإن شعوبا أخرى صنعت فنونا قبلنا بأزمنة طويلة لا تزال نتائجها المدهشة تذهلنا حتى اليوم”.

وقبل نقل المسلة تم إجراء تفاوض مع الأهالي لشراء بيوتهم وهدمها من أجل إفساح الطريق ونقلها على قضبان من الخشب بمساعدة 400 عامل مستأجرين إلى أن وُضعت على ظهر السفينة في نهاية ديسمبر/كانون الأول.

واجهت السفينة بعد إبحارها صعوبات واضطرت إلى الرسو من جديد في مدينة رشيد، شمالي مصر، بسبب عدم قدرتها على اجتياز مياه النيل إلى البحر المتوسط، فاستعانت بواحدة من أوائل السفن البخارية الفرنسية في العصر واسمها “أبو الهول” وقطرت السفينة “الأقصر” وسط بحر مضطرب لمدة يومين هدد السفينة بالغرق وهلاك الطاقم وضياع المسلة في قاع البحر، حسبما وصف فرنيناك في مذكراته.

وفي النهاية وصلت السفينة إلى ميناء تولون يوم 10 مايو/أيار 1833، وعبرت مصب نهر السين ووصلت إلى باريس في 23 ديسمبر/كانون الأول بعد رحلة شاقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى