اقتصاد واعمالتقارير
أخر الأخبار

في مواجهة التحديات الديموغرافية .. إسبانيا تتطلع إلى المهاجرين لدعم اقتصادها

أخبار العرب في أوروبا-إسبانيا

تتزايد أعداد المهاجرين القادمين إلى إسبانيا عبر البحر، مما يعكس أهمية هؤلاء الوافدين في دعم الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل التحديات الديموغرافية التي تواجه البلاد.

ومع تزايد أعداد المتقاعدين وقلة الشباب العاملين، أصبح المهاجرون يشكلون حلا محتملا لملء هذا الفراغ.

قصص المهاجرين: تجارب مؤلمة وأمل بالمستقبل

في أحد الفنادق القريبة من مدينة ليون شمال إسبانيا، يجتمع مجموعة من الرجال، معظمهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، في قاعة مؤتمرات للعب البينغو. على الرغم من الضحك والاحتفال عند ذكر الأرقام، يحمل هؤلاء طالبو اللجوء قصصا مليئة بالمعاناة.

من بينهم مايكل، الذي هرب من غانا بعد أن فقد شقيقته ووالده في نزاع عنيف. بعد رحلة شاقة عبر المغرب، دفع مايكل مبلغا من المال لمهرب وضعه على متن قارب مكتظ باللاجئين المتجه إلى جزر الكناري.

ورغم المخاطر، يعبر مايكل عن سعادته بالوصول إلى إسبانيا، حيث يشعر بالأمان بعد معاناته الطويلة. كان يعمل في غانا في محطة وقود ومتجر، وبدأ دراسة إدارة الموارد البشرية، ويأمل في مواصلة تعليمه بمجرد استقراره.

التحديات السياسية والاجتماعية حول الهجرة

يعيش مايكل مع حوالي 170 طالب لجوء آخرين في الفندق الذي تم تحويله إلى مركز للمهاجرين في فيلاكيلامبري.

هؤلاء الأشخاص هم جزء من آلاف المهاجرين الذين يصلون إلى إسبانيا سنويا عبر البحر، وغالبا ما يخاطرون بحياتهم في هذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر.

في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري 2024، تجاوز عدد المهاجرين غير المسجلين الذين وصلوا إلى إسبانيا 42 ألف شخص، بزيادة قدرها 59% عن نفس الفترة من العام السابق، مما أدى إلى تصاعد النقاش السياسي حول هذه القضية.

في خضم هذا الجدل، يبرز حزب “فوكس” اليميني المتطرف الذي يصف تدفق المهاجرين بأنه “غزو”، مما يزيد من حدة النقاش الاجتماعي والسياسي حول الهجرة في البلاد.

الحاجة الاقتصادية للمهاجرين

ورغم هذا الجدل، يرى العديد من الاقتصاديين أن المهاجرين يمكن أن يكونوا جزءا من الحل لتحديات إسبانيا الديموغرافية.

خافيير دياز غيمينيز، أستاذ الاقتصاد في المعهد العالي للدراسات الاقتصادية، يوضح لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أن إسبانيا تواجه تحديا كبيرا بسبب تزايد أعداد المتقاعدين وقلة العاملين.

ويشير غيمينيز إلى أن طفرة المواليد التي حدثت من منتصف الخمسينيات إلى أواخر السبعينيات خلقت جيلا على وشك التقاعد، بينما أدت معدلات الولادة المنخفضة في العقود الأخيرة إلى نقص في القوى العاملة.

ويقول إنه خلال العشرين عاما المقبلة، يتوقع أن يتقاعد نحو 14.1 مليون إسباني، وهو ما سيؤدي إلى نقص هائل في العمالة.

كما ويعتقد غيمينيز أن إسبانيا بحاجة إلى زيادة عدد العمال، إما عن طريق تبني تقنيات متقدمة، كما تفعل اليابان، أو من خلال الهجرة.

الموقف الحكومي من الهجرة

الحكومة الإسبانية، بقيادة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، تدرك هذا التحدي وتعمل على تقديم سياسات تدعم الهجرة كوسيلة لتعزيز اقتصاد البلاد الذي يصنف على أنه رابع أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي.

وسبق أن وصف سانشيز المهاجرين بأنهم “الثروة والتنمية والازدهار” خلال جولة قام بها في موريتانيا وغامبيا والسنغال، مؤكدا على أهمية دور المهاجرين في استدامة نظام الضمان الاجتماعي والمعاشات التقاعدية في إسبانيا.

كما تسعى الحكومة لتمرير قانون يتيح تقنين أوضاع نحو 500 ألف مهاجر غير شرعي، معظمهم من أمريكا اللاتينية، في محاولة لتعزيز إدماجهم في سوق العمل.

تحديات قبول الهجرة على المستوى الشعبي

ورغم الجهود الحكومية لتعزيز قبول المهاجرين، تظل قضية الهجرة مصدر قلق كبير بين المواطنين الإسبانيين.

وأظهر استطلاع رأي حديث أن 41% من الإسبانيين يشعرون بقلق بالغ إزاء الهجرة، مما يجعلها خامس أكبر مصدر للقلق بعد قضايا مثل التضخم والإسكان والبطالة.

كما أن هناك تباينا واضحا في الرؤى، حيث يرى 9% فقط من المواطنين أن الهجرة تساهم في التقدم الاقتصادي، بينما يربط 30% من الإسبانيين المهاجرين بانعدام الأمن، ويرى 57% أن عدد المهاجرين في البلاد كبير للغاية.

تجارب نجاح اندماج المهاجرين

في المقابل، توجد تجارب ناجحة للاندماج، كما في مدينة فيلاكيلامبري، حيث يُسمح لطالبي اللجوء بالعمل بعد ستة أشهر من وصولهم إلى البلاد.

وتقدم لهم منظمات مثل “سان خوان دي ديوس” دورات تدريبية ودروسا في اللغة الإسبانية لمساعدتهم على التأقلم والانخراط في سوق العمل.

هذا النموذج يُظهر كيف يمكن للمهاجرين أن يشكلوا جزءا من الحل للتحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.

تحديات سوق العمل: نقص العمالة المحلية

ولعل أحد الأمثلة هو ماكان، مهاجر من مالي، بدأ العمل في مصنع محلي يصنع منتجات من الرخام والجرانيت. ورغم الصعوبات، يعبر ماكان عن سعادته بالعمل والفرصة التي وجدها في إسبانيا.

المصنع الذي يعمل فيه يعاني، كما العديد من الشركات الأخرى في البلاد، من نقص العمالة المحلية، وهو ما دفعه لتوظيف المهاجرين.

اقرأ أيضا: دراسة تكشف عن أبرز المخاوف لدى الألمان في عام 2024

يؤكد راميرو رودريغيز ألايز، أحد شركاء المصنع، أن العثور على عمال محليين أصبح صعبا للغاية، وأن المهاجرين يشكلون مصدرا حيويا للقوى العاملة في هذا القطاع.

الهجرة كحل اقتصادي

في النهاية، ورغم التحديات الاجتماعية والسياسية المرتبطة بالهجرة، تظل المساهمة الاقتصادية للمهاجرين ضرورة حتمية في إسبانيا.

ومع تزايد أعداد المتقاعدين وقلة الأيدي العاملة المحلية، ستظل الهجرة جزءا لا يتجزأ من مستقبل البلاد الاقتصادي، سواء من خلال تعزيز سوق العمل أو الحفاظ على استدامة نظام المعاشات التقاعدية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى