أخبار العرب في أوروبا-السويد
يعد سقوط النظام السوري وهروب الرئيس المخلوع بشار الأسد نقطة تحول كبرى ليس فقط بالنسبة لسوريا، ولكن أيضا بالنسبة للسوريين الذين لجأوا إلى دول مختلفة، وخاصة السويد.
هؤلاء الذين فروا من ويلات الحرب والقمع يعيشون الآن حالة من التردد والتفكير العميق بشأن مستقبلهم.
هل يعودون إلى وطنهم بعد سقوط النظام الذي كان السبب الرئيسي لفرارهم، أم أن الحياة التي بنوها في السويد أصبحت جزءا لا يتجزأ من وجودهم، ولا يمكن التخلي عنها؟
سقوط النظام: نقطة تحول
بعد سقوط النظام السوري في الـ 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، يطرح السؤال الأهم على السوريين المقيمين في السويد: هل انتهى مبرر وجودهم في البلاد كلاجئين هاربين من حكم الأسد؟.
علما أنه على مدار أكثر من عدة، كان كثير من السوريين قد فروا إلى السويد بسبب القمع السياسي، والاعتقالات التعسفية، والتهديدات المستمرة لحياتهم.
لكن مع سقوط النظام، يثار نقاش جدي حول إمكانية العودة إلى سوريا، خاصةً مع انتهاء الحاجة إلى الحماية الدولية التي كانت توفرها السويد لهؤلاء اللاجئين.
لماذا يفكر البعض في العودة إلى سوريا؟
أولا: نهاية الأسباب التي دعت للجوء
بالنسبة للبعض، قد يكون سقوط النظام السوري فرصة تاريخية للعودة إلى سوريا والعيش في وطنهم بعد أن تلاشت الأسباب التي أجبرتهم على مغادرته.
هؤلاء الأشخاص الذين غادروا بسبب الملاحقات الأمنية، أو بسبب القمع والاستبداد، يرون الآن في انهيار النظام فرصة للعودة والعيش في بلدهم بأمان نسبي.
ثانيا: التحديات الثقافية والاجتماعية في السويد
على الرغم من الاستقرار الذي توفره السويد، إلا أن بعض السوريين قد يشعرون بعدم الأمان الثقافي والاجتماعي في المجتمع السويدي.
كذلك، فإن التصاعد في شعبية الأحزاب اليمينية في السويد، والسياسات التي قد يُنظر إليها على أنها معادية للمهاجرين، يمكن أن تجعل البعض يشعرون بأنهم غرباء في مجتمعهم الجديد.
من جهة أخرى، يواجه العديد من العائلات السورية صعوبة في الحفاظ على هويتهم الثقافية في السويد بسبب الفجوة بين ثقافتهم الأصلية والقيم المجتمعية السويدية.
ثالثا: العزلة الاجتماعية والنفسية
رغم أن السويد توفر للاجئين حياة مستقرة من الناحية المادية، إلا أن العديد منهم يواجهون مشاكل نفسية جراء العزلة والاغتراب،كذلك الشعور بالوحدة بسبب المسافة بين العائلات والتباين الثقافي يجعل بعض السوريين يتوقون للعودة إلى بيئة أكثر ألفة.
لماذا يختار البعض البقاء في السويد؟
فرص حياة مستقرة ومزدهرة
بالنسبة للكثير من السوريين، أصبحت السويد وطنا ثانيا. لقد تأقلموا مع الحياة هنا، ووجدوا فرصا للعمل والتعليم والخدمات الصحية التي يصعب الحصول عليها في سوريا، خاصة في ظل التدمير الذي خلفه النزاع المستمر.
لذا، يصبح قرار العودة إلى سوريا بالنسبة لهم أمرا صعبا للغاية، إذ لا يريدون المخاطرة بمستقبلهم في بلد لا يزال يعاني من أزمات متعددة.
سوريا لم غير جاهزة لاستقبال العائدين بعد
حتى بعد سقوط النظام، تبقى سوريا في حالة صعبة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. البلد يعاني من انهيار كبير في البنية التحتية، مما يجعل العودة تحديا كبيرا.
أيضا فإن البطالة و ضعف الخدمات الصحية والتعليمية، وتدهور الظروف المعيشية تجعل العودة إلى سوريا خيارا محفوفا بالمخاطر.
السوريون الذين كانوا يعتمدون على الاستقرار المادي في السويد يجدون أنفسهم غير مستعدين للعودة إلى حياة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة
الجيل الجديد الذي نشأ في السويد
الأطفال الذين ولدوا أو تربوا في السويد لا يعرفون سوى هذا البلد، وأصبحوا جزءا من المجتمع السويدي وبالنسبة لهؤلاء فإن العودة إلى سوريا قد تعني بالنسبة لهم مواجهة صدمة ثقافية، إذ قد يشعرون بالغربة في بلدهم الأم رغم أنهم يحملون جنسيتها.
هذا التغيير الجذري في حياتهم قد يكون صعبا جدا، خاصة في حال تم إبعادهم عن نظام التعليم والخدمات الاجتماعية التي توفرها السويد.
آراء السوريين بين العودة والبقاء في السويد
في مركز استشارات السوريين في السويد، تم إجراء مقابلات مع مجموعة من السوريين المقيمين في البلاد حول قرار العودة إلى سوريا أو البقاء في السويد بعد سقوط النظام. وكانت آراؤهم متنوعة وتعكس التحديات التي يواجهونها.
“سامر” الذي جاء إلى السويد منذ سبع سنوات بعد أن خسر تجارته بسبب الحرب. لكن مع سقوط النظام السوري، بدأ يفكر في العودة للاستثمار والمساهمة في إعادة بناء الاقتصاد السوري.
يقول:”لقد كانت السويد ملاذا آمنا، لكنها ليست مكاني الدائم. لدي مدخرات وخبرة طويلة في السوق السوري، وأرى أن العودة قد تكون فرصة لبناء مستقبل جديد في سوريا.”
من جانبها “هند” فإن شعورها بالاستقرار في السويد بفضل النظام التعليمي المتقدم والخدمات الصحية الممتازة، يجعلها تتردد في العودة إلى سوريا.
وأكدت بالقول:”لا يمكنني المخاطرة بمستقبل أطفالي. في السويد، لديهم تعليم وصحة جيدة، بينما في سوريا، المخاطر ما زالت قائمة حتى بعد سقوط النظام. العودة قد تضر بمستقبلهم”.
القرار النهائي: بين العودة والمستقبل المجهول
يبقى القرار بين العودة إلى سوريا أو البقاء في السويد قرارا معقدا. بعض السوريين يرون أن العودة قد تكون فرصة للمساهمة في بناء سوريا من جديد، لكنهم يعون تماما حجم التحديات التي ستواجههم.
بينما يفضل آخرون البقاء في السويد، حيث يضمنون حياة أكثر استقرارا وأمانا لأسرهم، لكنهم قد يشعرون بالغربة عن وطنهم الأم.
القرار يختلف من شخص لآخر بناءً على تجربته الشخصية وظروفه المعيشية. ولا شك أن كل فرد يقف أمام مفترق طرق صعب في ظل الظروف الراهنة، التي ستتضح معالمها بشكل أكبر مع ما ستؤول إليه سوريا الجديدة بعد سقوط النظام في الأسابيع، وربما الأشهر المقبلة