
أخبار العرب في أوروبا-ألمانيا
يشهد المشهد السياسي في ألمانيا تصاعدا لافتا في تأثير حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي، بعدما أصبح ثاني أكبر تكتل برلماني في البوندستاغ إثر الانتخابات العامة المبكرة التي جرت نهاية شباط/فبراير الماضي.
هذا التطور أثار جدلا واسعا حول كيفية التعامل مع الحزب الذي لطالما ارتبط بالتيارات اليمينية المتطرفة.
التصريحات الأخيرة للسياسي ينس شبان عن حزب “المسيحي الديمقراطي”، والتي دعا فيها إلى الاعتراف بعدد ملايين الألمان الذين صوّتوا لـ”البديل” ومنحه معاملة الأحزاب المعارضة الأخرى، فجّرت موجة انتقادات واسعة.
شبان طالب بتمكين الحزب من رئاسة بعض اللجان البرلمانية، الأمر الذي اعتُبر تهديدا لمبدأ العزل السياسي الذي طُبّق ضده منذ سنوات.
في المقابل، سارعت أحزاب “الاشتراكي الديمقراطي”، و”اليسار”، و”الخضر” إلى التنديد بهذه الدعوات، محذرة من مغبة التطبيع مع حزب يحمل طابعا يمينيا متطرفا.
زعيم الحزب الاشتراكي لارس كلينغبايل وصف هذه المناقشات بأنها “خاطئة وغير ضرورية”، في حين حذّر السياسي رالف ستيغنر من أن أي محاولة لتقارب المحافظين مع “البديل” ستقضي على احتمالات تشكيل أي ائتلافات مع الاشتراكيين الديمقراطيين مستقبلاً.
التحذيرات لم تتوقف عند الجانب السياسي فقط، بل تعدته إلى البعد الأمني.
السياسي رودريش كيزهفتر حذر بشدة من خطورة تمكين نواب “البديل” من رئاسة لجان حساسة كرقابة الاستخبارات، مشيرا إلى مخاوف من تسريب معلومات أمنية وتضرر التعاون مع الشركاء الدوليين، خاصة أن بعض فروع الحزب مصنفة من قبل هيئة حماية الدستور كتنظيمات متطرفة.
رغم ذلك، هناك وجهة نظر أخرى بين بعض الباحثين السياسيين ترى أن إشراك “البديل” قد يخفف من صعوده عبر تقويض خطابه المظلوماتي.
الباحث فولفغانغ ميركل اعتبر أن تمكين الحزب من رئاسة لجان برلمانية قد يساعد على دمجه سياسيا وإظهار أن النظام الديمقراطي يتعامل مع الجميع على قدم المساواة.
لكنه تحفّظ على هذه المقاربة باحثون آخرون، من بينهم ماتياس كونت، الذي وصفها بـ”السذاجة”، مؤكدا أن الشعور بالاضطهاد جزء جوهري من هوية اليمين الشعبوي ولا يمكن تجاوزه بمجرد منحهم مناصب رسمية.
واستشهد آخرون بالتاريخ القريب، مستحضرين محاولة “ترويض” القومية الألمانية قبل الحرب العالمية الثانية، والتي أثبتت فشل سياسة الاحتواء وأدت إلى انتشار التطرّف بدلاً من الحد منه.
في ظل هذا الجدل، دعا الباحث توماس برغمان إلى “التعامل الواقعي” مع حزب البديل، مشيرا إلى ضرورة الاعتراف بوجوده السياسي واحترام حجمه البرلماني، مع ضرورة الحفاظ على خطوط حمراء تحمي القيم الديمقراطية، دون السماح له بفرض أجندته.
من جانبها، أعلنت رئيسة البرلمان “البوندستاغ” يوليا كلوكنر سعيها لإيجاد آلية توافقية للتعامل مع حزب البديل في الإطار البرلماني، مؤكدة أن المسائل الإجرائية يجب أن تحل عبر الاتفاق بين الكتل، وفي حال تعذر ذلك، فسيُرفع الخلاف إلى اللجنة المختصة بشؤون القواعد البرلمانية.
وبينما يطالب حزب “البديل” بمزايا إضافية داخل البرلمان، مثل استخدام قاعات أوسع، ترى الأحزاب التقليدية أن المعركة الحقيقية تكمن في تقديم إصلاحات ملموسة تُخفف من جاذبية الخطاب الشعبوي وتعيد ثقة المواطنين بالمؤسسات الديمقراطية.