الإيجار يبتلع دخل الإسبان.. أزمة السكن تتفاقم ومطالب شعبية بتدخل حكومي

أخبار العرب في أوروبا-إسبانيا
تشهد إسبانيا تصاعدا حادا في أزمة السكن، وسط ارتفاع غير مسبوق في أسعار الإيجارات وتحوّل تدريجي للوحدات السكنية إلى أغراض سياحية، ما دفع آلاف المواطنين للخروج في احتجاجات للمطالبة بتدخل حكومي فوري.
“الوضع تدهور كثيرا”، هكذا يصف ليون فاسكيز، الصحفي المقيم في مدريد منذ عقد من الزمن، تجربته السكنية التي اضطرته للتنقل بين خمس مناطق بسبب ارتفاع الإيجارات. فقد بدأ حياته السكنية في شقة متواضعة بحي لافابيس بمساحة 32 مترا مربعا، مقابل 800 يورو، أما اليوم فارتفع إيجارها إلى قرابة 2000 يورو.
اضطر ليون لاحقا للعيش في غرفة ضمن سكن جماعي خارج المدينة، وهو نمط بات شائعا بين الشباب الإسباني غير القادرين على تحمل كلفة السكن المستقل. فالإيجار الشهري للغرف قفز من 250 إلى أكثر من 600 يورو في غضون سنوات قليلة.
وفي حادثة تعكس عمق الأزمة، طُردت زميلة ليون الجامعية، إيزيس، من منزلها مع جدها لعدم قدرتها على دفع الإيجار، مما اضطرها لمغادرة مدريد دون العثور على بديل.
مضاربات واستغلال عقاري
يرى ليون أن أسباب الأزمة لا تقتصر على زيادة الطلب فحسب، بل تشمل أيضا المضاربات العقارية التي تمارسها صناديق استثمارية تتحكم في مبانٍ قديمة أو شبه مهجورة، لتعيد بيعها بأسعار أعلى بعد رفع الإيجارات وطرد السكان. ففي إحدى الحالات، بيعت بناية في حي لافابيس بفارق مليون يورو خلال 3 أيام فقط.
ورغم وجود مبادرات حكومية مثل صناديق دعم الشباب، إلا أن الشروط المرفقة تحول دون استفادة الفئات المتضررة منها.
ويؤكد اتحاد المستأجرين أن القوانين الحالية تميل بوضوح لصالح الملاك دون حماية فعلية للمستأجرين.
أرقام صادمة: أكثر من 60% من الدخل يذهب للإيجار
بحسب بيانات وزارة الإسكان الإسبانية، بلغ متوسط إيجار المتر المربع بنهاية عام 2024 نحو 12.18 يورو، بزيادة تقارب 10% سنويا، مقابل ركود في مستويات الأجور.
أما متوسط الإيجار الشهري فقد وصل إلى 1080 يورو، في حين لا يتجاوز متوسط الدخل 1750 يورو، ما يعني أن السكن يلتهم أكثر من 60% من دخل المواطن.
وترتفع هذه النسبة بشكل خاص في المدن الكبرى:
العاصمة مدريد : 23.4 يورو لكل متر مربع، وفي مدينة برشلونة: 20.7 يورو.
بينما الوضع في مدينة فالنسيا فقد بلغت متوسط الإجار الشهر إلى أكثر من 1600 يورو ، مقارنة بـ938 قبل خمس سنوات
ويؤكد تقرير صادر عن موقع “إيدياليستا” أن 14% من العقارات المعروضة للإيجار يتم استئجارها خلال أقل من 24 ساعة من نشرها، ما يدل على شح المعروض واشتداد المنافسة.
في المقابل، يُتهم قطاع الإيجارات السياحية بتأجيج الأزمة، إذ تم تحويل أكثر من 400 ألف وحدة لهذا الغرض، مما رفع أسعار السكن في مدن مثل ملقة بنسبة تصل إلى 31%.
احتجاجات وحركات مقاومة مدنية
دفعت هذه الأوضاع آلاف المواطنين للنزول إلى الشوارع، كما شهدت أكثر من 40 مدينة إسبانية مظاهرات في أبريل/نيسان الماضي، تطالب بإجراءات عاجلة لوقف الإخلاءات وتنظيم أسعار الإيجارات. ويستعد سكان مدريد لموجة احتجاجات جديدة خلال مايو الجاري.
من جهتها، أكدت حركة “الاتحاد السكني في فالنسيا” أن الأزمة تضر بالشباب والطبقة العاملة، حيث يُجبر كثيرون على تقاسم غرف في ضواحي المدن، في ظل طغيان المنطق الاستثماري على الهدف السكني.
ورغم إصدار الحكومة قانون “الحق في السكن” عام 2023، الذي يهدف لمنع الإخلاء وتنظيم السوق، إلا أن تطبيقه لا يزال محدودا، بحسب ما تقوله منظمات المجتمع المدني.
ويطالب الناشطون بتأسيس نقابات سكن مستقلة، وتنظيم جهود جماعية للضغط على الملاك والمشرّعين، سعيا لتحقيق العدالة السكنية، وسط حالة من فقدان الثقة بالحكومة