تقارير
أخر الأخبار

فرنسا تعلن عن خطة نقل السجناء الأجانب إلى سجون خارجية.. الأبعاد القانونية والحقوقية

أخبار العرب في أوروبا-فرنسا

تواجه فرنسا أزمة متصاعدة في اكتظاظ السجون، حيث تجاوز عدد النزلاء عدد الأماكن المتاحة بشكل كبير، ما دفع الحكومة إلى البحث عن حلول غير مسبوقة.

من بين هذه الحلول، طرح مشروع لنقل سجناء أجانب وغير معروفين الجنسية إلى سجون في الخارج، غالبا في دول أوروبا الشرقية، في خطوة أثارت جدلا واسعا بين الخبراء القانونيين والحقوقيين.

كما أثارت مخاوف بشأن الأبعاد السياسية والاجتماعية للمشروع، خاصة في ظل صعود التيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا.

إعلان ماكرون وتأكيده على تأجير أماكن في سجون خارجية

في مقابلة مع قناة “TF1″، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الثلاثاء الماضي أن بلاده قد تلجأ إلى “استئجار أماكن” في سجون دول أخرى لمواجهة مشكلة الاكتظاظ في مراكز إعادة التأهيل الفرنسية.

وقال ماكرون: “نعم، سوف نستأجر أماكن سجون إذا تطلب الأمر أينما كانت متوفرة”، مضيفا أن “لا توجد أية محرمات في هذا الملف”، رغم أنه لم يحدد البلدان التي يمكن أن تكون مقصدا لهذه الخطوة.

يأتي هذا الإعلان بعد تصريحات سابقة لوزير الداخلية الفرنسي غيرالد دارمانان، الذي أشار إلى أن الأجانب يشكلون نسبة كبيرة من السجناء في فرنسا، حيث يمثلون نحو 24.5% من إجمالي السجناء، أي أكثر من 19 ألف سجين أجنبي من مجموع السجناء، بينهم نحو 3 آلاف من دول الاتحاد الأوروبي وأكثر من 16 ألف من خارج الاتحاد، إضافة إلى وجود نحو 686 سجينا مجهولي الجنسية.

دوافع المشروع

تتزامن هذه الخطوة مع أزمة حادة تعاني منها السجون الفرنسية من حيث الاكتظاظ، إذ وصل عدد السجناء إلى 82,921 نزيلا في حين يبلغ عدد الزنازين 62,358، ما يعني وجود كثافة سجنية تصل إلى 133%.

ويعتقد دارمانان أن نقل بعض السجناء الأجانب إلى بلدانهم الأصلية خلال فترة عقوبتهم قد يساهم في تخفيف الاكتظاظ، دون الحاجة إلى الإفراج عن مدانين.

لكن الخبراء القانونيون يرون في هذه الخطوة أكثر من مجرد حل إداري، فهي تثير تساؤلات قانونية وأخلاقية عميقة، لاسيما أن استهداف فئة الأجانب ومجهولي الجنسية بهذا الشكل قد يشكل تمييزا غير مباشر ضد المهاجرين، خاصة من دول المغرب العربي، وفقا لما أشار إليه الباحث القانوني إبراهيم شاهين.

ويذهب محمد آدم مقراني، المحامي والباحث في القانون، إلى أن هذه السياسة تعكس في جزء كبير منها صعود الخطاب اليميني المتطرف في فرنسا وأوروبا بشكل عام، الذي يستهدف المهاجرين ويشدد على قضايا الأمن والهجرة، مضيفا أن هناك شكوكا حول احترام حقوق الإنسان عند نقل السجناء إلى دول قد لا تتبع معايير الاتحاد الأوروبي.

أصول المشروع وتأثير السياق الأوروبي

يرى الصحافي حسين الوائلي، المختص في شؤون الاتحاد الأوروبي، أن المشروع الفرنسي يتوافق مع تجارب مماثلة في أوروبا، خصوصا في دول مثل الدنمارك والسويد، حيث تم اعتماد خطوات مشابهة بهدف نقل سجناء إلى دول أخرى لتخفيف الضغط على أنظمة السجون المحلية.

وأشار الوائلي إلى أن فكرة تأجير أماكن في سجون خارجية كانت قد طرحت سابقا في إيطاليا على يد رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، التي اقترحت نقل السجناء الأجانب إلى دول مثل ألبانيا لفترات تتراوح بين سنة وثلاث سنوات، قبل ترحيلهم نهائيا إلى بلدانهم الأصلية. لكن الفكرة لم تنجح في إيطاليا بسبب عقبات قانونية كبيرة.

العقبات القانونية

تواجه فكرة نقل السجناء الفرنسيين إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي، خصوصا دول البلقان مثل كوسوفو، عقبات قانونية كبيرة.

ففي حالة كوسوفو، التي ليست عضوا كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي، تحتاج فرنسا إلى اتفاقية ثنائية وموافقة البرلمان لضمان الشروط الإنسانية اللازمة للسجناء، وهي عملية معقدة وصعبة التحقيق.

وتشير تقارير إلى أن القانون الفرنسي للسجون صارم ومتقدم مقارنة بالقوانين الأوروبية، إذ يضمن للسجناء حقوقا مثل العمل والدراسة والرعاية الطبية، وهو ما يصعب تطبيقه في دول أخرى، ما يزيد من تحديات نقل السجناء.

وتثير التجربة الدنماركية التي صادقت على نقل 300 سجين إلى كوسوفو جدلا واسعا، حيث عبّرت منظمات حقوقية مثل “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش” عن مخاوفها من ظروف الاحتجاز السيئة المحتملة، ونقص الرعاية الطبية، بالإضافة إلى التأثير السلبي المحتمل على الروابط الأسرية للسجناء.

حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية

يحذر الباحثون القانونيون من أن نقل السجناء يجب أن يتم وفقا لاتفاقيات دولية صارمة، مثل اتفاقية نقل الأشخاص المحكوم عليهم التي وقعت عليها فرنسا مع دول مجلس أوروبا عام 1985، والتي تشترط ضمان حقوق السجناء وظروف احتجاز إنسانية متكافئة.

ويذكر المحامي مقراني، استنادا إلى قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضايا مثل Saadi ضد إيطاليا وSoering ضد المملكة المتحدة، أن الدول لا يمكنها ترحيل أو نقل سجين إلى دولة يحتمل أن يتعرض فيها للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة.

فرنسا والسويد على درب نقل السجناء إلى الخارج

في السياق نفسه، تتجه السويد أيضا إلى استئجار أماكن في سجون خارجية، على الرغم من عدم معاناتها من مشكلة اكتظاظ السجون، وذلك في محاولة للحد من تأثير ارتفاع جرائم العصابات في البلاد.

وقد أكدت لجنة حكومية سويدية في يناير/كانون الثاني الماضي أنها تدرس إرسال المجرمين لقضاء عقوباتهم في دول أخرى.

وتبدو فرنسا مصممة على المضي قدما في مشروع نقل السجناء الأجانب وغير معروفين الجنسية إلى الخارج كجزء من استراتيجية للتعامل مع أزمة اكتظاظ السجون المتفاقمة.

إلا أن هذا المشروع يواجه تحديات قانونية وإنسانية كبيرة، ويطرح تساؤلات حول الأبعاد السياسية والاجتماعية لهذا التوجه، خاصة في ظل تصاعد الخطاب اليميني المتطرف في أوروبا الذي قد يستغل هذه الإجراءات لتبرير سياساته المتشددة ضد المهاجرين.

في ظل هذه الظروف، يبقى مصير المشروع غير واضح، ويحتاج إلى ضمانات دولية وقانونية صارمة لضمان احترام حقوق السجناء وتوفير ظروف احتجاز مناسبة، بعيدا عن التمييز والإساءة، بما يحفظ كرامتهم الإنسانية والقانونية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى