تقارير
أخر الأخبار

مخاوف من تحول الجالية الجزائرية في فرنسا إلى ضحية النزاع السياسي بين البلدين

أخبار العرب في أوروبا-متابعات

تشهد الجالية الجزائرية في فرنسا حالة من القلق والترقب المتزايدين، في ظل التوترات الدبلوماسية التي تعصف بالعلاقات بين باريس والجزائر، والتي انعكست بشكل مباشر على أوضاع ملايين المهاجرين الجزائريين في فرنسا.

تصريحات فرنسية تثير المخاوف

أثارت تصريحات حديثة من المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية، سوفي بريماس، قلقا واسعا بين الجالية الجزائرية، حيث ألمحت إلى نية الحكومة اتخاذ “إجراءات أكثر صرامة” تجاه فئة معينة من المهاجرين الجزائريين، في ظل تعثر الحوار بين البلدين وتزايد حدة الأزمة الدبلوماسية.

وقالت بريماس في مؤتمر صحفي عقب اجتماع لمجلس الوزراء: “العلاقات مع الجزائر لا تتحسن، بل تتراجع”، مشيرة إلى انسداد قنوات التواصل بسبب ملفات شائكة، من بينها قضية الكاتب الجزائري بوعلام صنصال وطرد دبلوماسيين فرنسيين من الجزائر.

ورغم عدم كشف باريس عن طبيعة هذه الإجراءات بشكل مفصل، يرجح مراقبون أن تشمل قرارات محتملة لترحيل المهاجرين الجزائريين غير النظاميين، إضافة إلى مراجعة الامتيازات التي يتمتعون بها بموجب اتفاقيات الهجرة الثنائية بين البلدين.

جالية جزائرية ضخمة تواجه مستقبلا غامضا

تمثل الجالية الجزائرية في فرنسا إحدى أكبر الجاليات الأجنبية، ويُقدّر عدد أفرادها بين 3 إلى 4 ملايين، في حين قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عام 2020 إن عدد الجزائريين في فرنسا يبلغ نحو 6 ملايين.

تشير الإحصائيات الرسمية الصادرة عام 2023 إلى أن المهاجرين الجزائريين يشكلون حوالي 12.7% من إجمالي المهاجرين المقيمين في فرنسا، ما يجعلهم محور أي تغييرات قادمة في سياسات الهجرة الفرنسية.

ويخشى الآلاف من المهاجرين غير النظاميين من التعرض للترحيل أو المضايقات القانونية والمعيشية، خصوصا في ظل غياب أي مؤشرات تدل على تحسن قريب في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

جذور الأزمة

تتسم العلاقات بين الجزائر وفرنسا بالتوتر المستمر منذ سنوات طويلة، ويعود ذلك إلى قضايا تاريخية وسياسية معقدة، أبرزها ملف الذاكرة الاستعمارية والتصريحات المتبادلة حول النظام الجزائري، إضافة إلى الخلافات بشأن موقف البلدين من النزاع في الصحراء المغربية.

إضافة لذلك، إعلان فرنسا دعمها الرسمي لسيادة المغرب على الصحراء، مما اعتُبر خروجا عن المواقف السابقة وأدى إلى فتور كبير في الاتصالات الرسمية بين الجزائر وباريس، فضلا عن الإجراءات المتبادلة التي شملت طرد دبلوماسيين فرنسيين من الجزائر مؤخرا.

انقسامات داخل الطبقة السياسية الفرنسية

تفجرت أزمة العلاقات بين باريس والجزائر نقاشا سياسيا محتدما داخل فرنسا، حيث انقسمت الآراء بين من يدعو إلى التهدئة وفتح قنوات الحوار، ومن يطالب بسياسات أكثر تشددا تجاه الجزائر.

ويبرز وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو كأحد أبرز الأصوات المطالبة بممارسة ضغوط حقيقية على الجزائر لإعادة المهاجرين الذين صدر بحقهم قرار بالترحيل، في حين يؤكد فريق آخر أهمية الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، خصوصا في مجالات الأمن والطاقة.

مصالح مشتركة تمنع القطيعة التامة

على الرغم من التصعيد المتبادل، يرى محللون أن حدوث قطيعة شاملة بين باريس والجزائر أمر مستبعد، نظرا لتشابك المصالح الأمنية والاقتصادية بين البلدين.

وتعتمد فرنسا بشكل كبير على واردات الغاز من الجزائر، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية.

في المقابل، تعتمد الجزائر على الاستثمارات الفرنسية، بالإضافة إلى دور الجالية الجزائرية في فرنسا التي تساهم بشكل ملحوظ في دعم الاقتصاد الوطني من خلال التحويلات المالية.

مستقبل العلاقات

مع غياب مؤشرات على انفراج قريب في الأزمة، تظل العلاقات بين البلدين مرشحة لتوتر أكبر، وسط تساؤلات حول قدرة الطرفين على تجاوز الخلافات الراهنة والمضي قدما في خطوات جادة نحو المصالحة.

ويخشى مراقبون أن تتحول الجالية الجزائرية في فرنسا، التي لطالما كانت جسرا بين الشعبين، إلى ضحية للصراعات الدبلوماسية المتفاقمة، ما لم يتم تبني مقاربة عملية ترتكز على المصالح المشتركة وتجنب منطق التصعيد والضغوط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى