
أخبار العرب في أوروبا-ألمانيا
منذ توليها الحكم قبل أسابيع، بدأت الحكومة الائتلافية الجديدة في ألمانيا بقيادة المستشار فريدريش ميرتس اتخاذ خطوات جادة لتشديد سياسة الهجرة واللجوء.
في خطوة مهمة، وافقت الحكومة يوم الأربعاء الماضي على مشروعي قانونين قدمهما وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت، يتضمنان تعليق لمّ شمل أسر بعض اللاجئين، وإلغاء ما يُعرف بـ “التجنيس السريع” للمهاجرين.
هذه الإجراءات جاءت وسط جدل واسع حول تأثيرها على تدفق اللاجئين وعمق الأزمة الاجتماعية في البلاد.
رفض اللجوء على الحدود وتصعيد عمليات الترحيل
بعد ساعات قليلة من تسلمه منصبه في السابع من مايو الماضي، أصدر وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت (الحزب الاجتماعي المسيحي) أمرا صارما برفض طالبي اللجوء على الحدود الألمانية، حتى في حال تقدمهم بطلبات حماية.
كما أعلن عزمه على تكثيف عمليات ترحيل طالبي اللجوء الذين لم يحصلوا على قبول، بمن فيهم الذين ينتمون إلى دول مثل سوريا وأفغانستان، مما يؤكد توجه الحكومة الجديد نحو تشديد سياسة اللجوء.
تعليق لمّ الشمل العائلي
كما أقرت الحكومة مشروع قانون يقضي بتعليق لمّ الشمل العائلي للاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية لمدة عامين، مع استثناءات إنسانية ضيقة فقط.
ووفقا للمستشار ميرتس، فإن هذا الإجراء يهدف إلى تقليل أعداد اللاجئين، وهو هدف وصفه بالمشترك بين جميع مكونات الحكومة الائتلافية.
ويهدف القانون إلى إعادة إدراج “الحد من الهجرة” كهدف صريح في قانون الإقامة الألماني، في محاولة لتقليل عوامل الجذب إلى البلاد.
وأكد وزير الداخلية دوبريندت في تصريحاته أن لمّ الشمل يفرض عبئا إضافا على البلديات، خاصة في توفير السكن، ومن هنا جاءت السهولة النسبية في فرض القيود عليه مقارنة بفئات أخرى.
وتشير الأرقام إلى أن عدد اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية بلغ حتى نهاية مارس/آذار الماضي 388,074 شخصا، ثلاثة أرباعهم من سوريا، مع نسبة منخفضة جدا (حوالي 8%) من تأشيرات لمّ الشمل الممنوحة لأقارب هذه الفئة بين 2018 و2024.
إلغاء “التجنيس السريع”
بالإضافة إلى تعليق لمّ الشمل، وافقت الحكومة على إلغاء ما يُعرف بـ “التجنيس السريع” الذي أقرته الحكومة السابقة، والذي كان يتيح للاجئين المندمجين بشكل جيد الحصول على الجنسية بعد ثلاث سنوات فقط.
ومن المقرر أن ينتظر المشروعان موافقة البرلمان الاتحادي (البوندستاغ) ومجلس الولايات (البوندسرات) ليُصبحا قانونا نافذا خلال الأسابيع المقبلة.
تحذيرات الخبراء
يُحذر خبراء في شؤون الهجرة من أن السياسات التي يقودها وزير الداخلية دوبريندت قد تكون ذات طابع رمزي أكثر من كونها حلولا فعالة.
إذ قالت الباحثة في شؤون الهجرة بجامعة الاقتصاد في فيينا، يوديت كولنبيرغر، لإذاعة “دويتشلاند فونك” إن أعداد المهاجرين في انخفاض مستمر، وأن تأثير هذه الإجراءات سيكون ضئيلا.
وأضافت أن تعليق لمّ الشمل يمكن أن يعيق عملية الاندماج، خصوصا أن لمّ الشمل يلعب دورا إيجابيا في دعم استقرار اللاجئين نفسيا واجتماعيا.
كذلك أشار الخبير في سوق العمل والهجرة، هربرت بروكر من المعهد الألماني لأبحاث سوق العمل والتوظيف، إلى أن الانفصال عن الأسرة يشكل عبئا نفسيا على اللاجئين ويعرقل اندماجهم، معتبرا أن إلغاء التجنيس السريع يضر بالفئة المتميزة من المهاجرين التي تسعى ألمانيا لجذبها.
انتقادات من المعارضة
كذلك، وجه حزب الخضر المعارض انتقادات شديدة للحكومة الجديدة، حيث وصفت النائبة البرلمانية عن حزب الخضر، شاهينه غامبير، هذه السياسات بأنها “رمزية على حساب الأضعف” وخرق واضح للقانون الدولي.
واعتبرت أن تعليق لمّ الشمل يعد انتهاكا لاتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية واتفاقية حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، مشددة على أن هذه الإجراءات تزرع الانقسام في المجتمع وتضر بالقيم الإنسانية.
التأثير المحتمل على سوق العمل
يرى خبراء سوق العمل أن إلغاء خيار “التجنيس السريع” قد يؤثر سلبا على سوق العمل الألماني، خاصة أن هذا القانون كان يتيح للمهاجرين ذوي المؤهلات العالية الاندماج والحصول على الجنسية بسرعة، مما يسهل مساهمتهم في الاقتصاد الألماني.
ويُعبر هربرت بروكر عن قلقه من أن الإلغاء سيؤدي إلى تقليل جذب الفئات ذات الكفاءات العالية والمردود الاقتصادي.
في ظل تشديد الحكومة الألمانية الجديدة سياسات الهجرة واللجوء، تظهر مخاوف من أن هذه الإجراءات قد لا تحقق الهدف المعلن المتمثل في الحد من تدفق اللاجئين، وقد تخلق أزمات جديدة على صعيد الاندماج الاجتماعي والنفسي.
كما أن انتقادات المعارضة والخبراء تشير إلى أن هذه السياسات قد تعمق الأزمة بدلا من حلها، خصوصا مع تأثيرها السلبي على العائلات واللاجئين المندمجين، إضافة إلى تأثيرات محتملة على سوق العمل.
ويبقى الموقف بانتظار موافقة البرلمان ليُعرف مدى استمرار هذه السياسات ومدى تأثيرها الفعلي على المشهد الألماني.