
أخبار العرب في أوروبا-تونس
في مأساة إنسانية جديدة تُضاف إلى سلسلة حوادث الغرق المرتبطة بالهجرة غير النظامية، شهدت السواحل التونسية، وتحديدا شواطئ ولايتي صفاقس والمهدية، منذ يوم الأحد 8 حزيران/يونيو الجاري، لفظ البحر لعشرات الجثث يُرجّح أنها تعود لمهاجرين غير نظاميين، بحسب ما أفاد به المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ورغم فداحة الحادثة، تغيب المعلومات الرسمية بشكل شبه كامل، إذ لم تصدر السلطات التونسية أي توضيحات بشأن ملابسات الواقعة، كما لم تُحدّد هويات الضحايا أو جنسياتهم أو فئاتهم العمرية، ما يزيد من الغموض حول أبعاد هذه الفاجعة.
واتهم المنتدى السلطات التونسية بالتكتم المتعمّد، عبر حجب المعلومات عن الرأي العام المحلي والدولي، مشيرا إلى أنها تكتفي بنشر بيانات نادرة وغير مفصلة عن حوادث الغرق، في وقت تتصاعد فيه وتيرة الهجرة عبر البحر.
البحر المتوسط.. مقبرة مفتوحة
تشهد تونس منذ سنوات تصاعدا مستمرا في عمليات الهجرة غير النظامية، إذ تحوّلت مدنها الساحلية، وفي مقدمتها صفاقس، إلى نقاط انطلاق رئيسية نحو الضفة الأوروبية من البحر المتوسط.
وتشمل هذه المحاولات مهاجرين تونسيين إضافة إلى الآلاف من المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، الذين يعبرون الأراضي التونسية سعيا وراء فرص أفضل للحياة.
وتقع بعض المناطق الساحلية التونسية على بُعد أقل من 150 كيلومترا من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، ما يجعلها واحدة من أبرز بوابات الهجرة عبر “طريق وسط المتوسط”، الذي يُعدّ من أخطر طرق الهجرة في العالم.
وفي نيسان/أبريل الماضي، لقي ثمانية مهاجرين أجانب مصرعهم ونجا 29 آخرون، إثر انقلاب قاربهم قبالة سواحل العوابد شرق صفاقس.
ووفق تقارير دولية، فقد لقي نحو 2360 شخصا مصرعهم أو فُقدوا في البحر المتوسط خلال عام 2024، غالبيتهم على هذا المسار البحري. ومنذ بداية عام 2025، يُقدّر عدد الضحايا بنحو 300 مهاجر.
انتقادات لسياسات الردع الأوروبية وتواطؤ محلي
حذّر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من أن تحوّل السواحل التونسية إلى “مقبرة بحرية” لا يعود فقط إلى وجود شبكات تهريب، بل يُعدّ نتيجة مباشرة لانخراط الدولة التونسية في سياسات أوروبية أمنية تهدف إلى منع وصول المهاجرين.
وأوضح المنتدى أن تونس، من خلال اتفاقياتها مع الاتحاد الأوروبي، تقوم بدور “حائط صد” يمنع المهاجرين من بلوغ الضفة الأخرى، دون تقديم أي ضمانات لحماية حقوقهم أو سلامتهم.
ووقّعت تونس في تموز/يوليو 2023 مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي حول “التعاون في مجال الهجرة”، تضمنت دعما ماليا مقابل تشديد الرقابة على الحدود البحرية ومنع انطلاق قوارب الهجرة.
وانتقدت منظمات حقوقية هذا الاتفاق، معتبرة أنه يحوّل تونس إلى “شرطي حدود” نيابة عن أوروبا، وسط تقارير عن انتهاكات جسيمة تعرّض لها المهاجرون، شملت الطرد الجماعي، والاعتداءات الجسدية، وتدمير المخيمات، ومصادرة وسائل الاتصال، بحسب تقارير محلية ودولية.
كما أشار المنتدى إلى أن السلطات شرعت، منذ نيسان/أبريل الماضي، في تفكيك مخيمات المهاجرين غير النظاميين المقامة في بساتين الزيتون قرب صفاقس، والتي كانت تؤوي ما يُقدّر بـ20 ألف شخص، في ظل أوضاع إنسانية بالغة الصعوبة.
وتستمر فصول هذه الكارثة الإنسانية في ظل غياب استجابة دولية فعّالة، بينما يواصل البحر المتوسط ابتلاع أرواح من يحاولون عبوره هربا من الفقر والعنف، سعيا إلى مستقبل أفضل على الضفة الأخرى من المتوسط.