تقاريرمجتمع وطفولة
أخر الأخبار

من السويد إلى مصر.. هجرة عكسية لعرب المهجر بحثا عن دفء الهوية وفرص الاستثمار

أخبار العرب في أوروبا-السويد

في مشهد غير مألوف على الساحة المصرية، يتزايد حضور مواطنين يحملون الجنسية السويدية لكنهم من أصول عربية، خصوصا سورية وفلسطينية، ممن اختاروا الإقامة في مصر بشكل مؤقت أو دائم.

وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن عددهم يتراوح بين 12 إلى 15 ألف شخص، خاصة بعد جائحة كورونا، التي دفعت كثيرين إلى إعادة التفكير في أنماط حياتهم وتربية أبنائهم وانتمائهم الثقافي.

اندماج مشروط وهوية مهددة

يرى كثير من هؤلاء العائدين أن الاندماج في المجتمع السويدي ظل مشروطا ويتطلب “التخلي عن أجزاء من الذات”، كما وصفه أحدهم.

أما في مصر، فيجدون بيئة ناطقة بلغتهم، وعلاقات اجتماعية واسعة، وطقوسا ثقافية ودينية مألوفة.

يقول أحدهم: “في السويد، كان أبنائي يفقدون لغتهم الأم ولا يرون أنفسهم كعرب. شعرت أني سأفقد الرابط الذي يجمعنا كأسرة، أما في القاهرة، فقد استعادوا الثقة والهوية”.

مصر: ملاذ ثقافي وإنساني

ظهرت منذ عام 2020 موجات “هجرة عكسية” غير تقليدية في السويد، كان معظم مهاجرون من أصول عربية، قرروا مغادرة البلاد والبحث عن نمط حياة يتناغم أكثر مع ثقافتهم وقيمهم.

ويقول كثير منهم إن قرار الانتقال إلى مصر لا يعود فقط لأسباب اقتصادية أو مناخية، بل يتجاوزها إلى أبعاد ثقافية وإنسانية عميقة.

في القاهرة، يجدون مدارس عربية، ودروساً دينية، وأجواء اجتماعية تسهّل تربية الأبناء في بيئة تعزز هويتهم الثقافية والدينية.

تقول رنا عبد الهادي، وهي سويدية من أصل سوري، إنها تقيم في حي الرحاب وتجد في مصر طقسا مريحا وأهلا طيبين. تضيف: “لا أفكر حاليا بالعودة إلى سوريا. أولادي تأقلموا مع الحياة هنا ولن أستطيع تغيير نظامهم مجددا في الوقت القريب”.

عبد الغني السمان، سويدي من أصل سوري يقيم في حي مدينتي، يروي أنه قرر الانتقال إلى مصر حين شعر أن أطفاله سيفقدون جذورهم.

يقول: “الآن، أولادي يتحدثون العربية، يذهبون إلى المسجد، ويشعرون بانتمائهم لهويتهم الأصلية. أصبحنا نعيش حياة اجتماعية نشطة ونتعرف على ثقافة جديدة لكنها مألوفة في الوقت ذاته”.

مصر: بيئة خصبة للاستثمار ومشاريع صغيرة

من بين دوافع الانتقال أيضا، توفر فرص اقتصادية مرنة. فمقارنة بتكاليف إنشاء المشاريع في السويد، تمثل مصر خيارا أكثر سلاسة من حيث التكاليف والضرائب والبيروقراطية.

يقول ماهر عوض، الذي افتتح مطعما في مدينة العبور: “في السويد، القوانين معقدة والمنافسة شرسة. أما في مصر، فقد أنشأت مطعمي خلال أسابيع، والإقبال على المأكولات السورية كبير”.

كذلك، ترى سلام مفلح، المقيمة في القاهرة، أن مصر تمثل فرصة حقيقية للريادة. وقد أطلقت مشروعا إلكترونيا لبيع الملابس الأوروبية عبر الإنترنت، باستخدام بضائع تستوردها من السويد وتبيعها في السوق المصرية.

السفارة السويدية تواكب التحوّل

مع تزايد أعداد المقيمين السويديين من أصول عربية في مصر، بدأت السفارة السويدية في القاهرة بتقديم خدمات قنصلية متزايدة، تشمل إصدار وتجديد جوازات السفر، وتسجيل المواليد، والتوثيقات القانونية.

ورغم عدم صدور بيانات رسمية حول عدد الطلبات، يشير متعاملون إلى أن مواعيد الحجز باتت أكثر ازدحاما.

وتثار تساؤلات قانونية بشأن الأطفال المولودين في مصر لأبوين سويديين، خاصة حول أثر الإقامة الطويلة خارج السويد على وضعهم القانوني مستقبلا، بما في ذلك حقوق الجنسية والضمان الاجتماعي.

بين دفء الطقس والهوية والثقافة من جهة، ومرونة الاستثمار وانخفاض تكلفة المعيشة من جهة أخرى، تمثل مصر وجهة تزداد جاذبيةً لعرب المهجر السويدي، الذين يبحثون عن توازن بين الأمان الاقتصادي والانسجام الثقافي.

وبقدر ما تعكس هذه الهجرة العكسية قصة حنين، فهي أيضاً بحث عن استقرار حقيقي في عالم يزداد تعقيدًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى