
أخبار العرب في أوروبا-فرنسا
بدأت، يوم الخميس الماضي ( 19يونيو/حزيران 2025)، في المحكمة الجنائية بمدينة شالون-أون-شمبانيا شمال شرق فرنسا، محاكمة ثلاثة أشخاص متهمين بتشكيل شبكة اتجار بالبشر واستغلال عشرات المهاجرين غير النظاميين في ظروف عمل وسكن توصف بأنها “مهينة وغير إنسانية”، خلال موسم حصاد العنب عام 2023، في كروم تُنتج منها أفخر أنواع الشمبانيا الفرنسية.
القضية التي عُرفت إعلاميا بـ”حصاد العار”، كشفت عن انتهاكات جسيمة لحقوق العمال المهاجرين، حيث أظهرت التحقيقات أن 57 عاملا، أغلبهم من مالي، موريتانيا، ساحل العاج والسنغال، تم استغلالهم عبر تشغيلهم لساعات طويلة دون معدات وقاية، وإيوائهم في مساكن غير صالحة للسكن تفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة.
من بين المتهمين، مديرة شركة “أنافيم” للخدمات الزراعية، وهي امرأة من قيرغيزستان تبلغ من العمر 44 عاما، تواجه اتهامات تتعلق بتشغيل أجانب دون تصاريح، وتوفير سكن غير آمن، ودفع أجور زهيدة أو معدومة.
كما يُحاكم إلى جانبها رجلان في الثلاثينيات من عمرهما يُشتبه في مشاركتهما بتجنيد العمّال من منطقة باريس.
سكن غير إنساني ونقل خطير
وفقا للتحقيقات التي استمرت عدة أشهر، عاش العمّال في مساكن غير صحية شملت منازل قيد التجديد وسقائف ومهاجع، وناموا على فرشات هوائية على الأرض، واستخدموا حمامات ومراحيض غير صالحة، وسط أعطال كهربائية متكررة.
أما النقل، فكان يتم عبر شاحنات يُكدّس فيها العمال في الصناديق الخلفية دون مقاعد أو تهوية، للعمل في الحقول لما لا يقل عن 10 ساعات يوميا مع استراحة لا تتجاوز نصف ساعة، ودون توفير معدات الوقاية الأساسية، حسب ما أفاد مكتب المدعي العام.
شهادات صادمة
بوبكر سوماري، أحد الضحايا، قال في حديث لإذاعة فرنسا الدولية (RFI): “كنا نبكي من شدة المعاناة. لا طعام، ولا حتى ماء صالح للشرب. ورغم ذلك كنا نعمل من السابعة صباحا حتى السادسة والنصف مساء”.
وتعود بداية التحقيق إلى أيلول/سبتمبر 2023، حين أبلغ سكان محليون عن الظروف المزرية للعمال، ما دفع مفتشية العمل لإجراء كشف ميداني، ثم أمرت المحافظة بإغلاق السكن الجماعي التابع لشركة “أنافيم” بالقرب من مدينة ريمس.
وفيما أعرب اتحاد العمال العام الفرنسي (CGT)، وهو طرف مدني في القضية، عن أسفه لغياب العملاء الذين استخدموا هذه الشركات الوسيطة، أكدت ديان غراندشامب، المسؤولة في الاتحاد، أنه “من المستحيل تجاهل ظروف العاملين في الحقول، رغم ما يدّعيه بعض الزبائن من جهلهم بها”.
قضية تكررت سابقا
تُعد هذه المحاكمة الأحدث في سلسلة من القضايا المشابهة. ففي 2020، أصدرت محكمة ريمس الجنائية أحكاما بالسجن بحق مديري شركة زراعية لتورطهم في قضايا مشابهة من “الاتجار بالبشر” و”تشغيل أجانب دون تصاريح”، وذلك بعد اكتشاف عشرات المهاجرين غير النظاميين يعملون في ظروف قاسية في مصنع نبيذ بالمنطقة نفسها.
صناعة الشمبانيا تحت المجهر
من اللافت أن “لجنة الشمبانيا”، التي تمثل أكثر من 16 ألف مزارع و370 مصنعا، تُمثّل في هذه القضية طرفا مدنيا للمرة الأولى، في إشارة إلى رغبة القطاع الرسمي في النأي بنفسه عن الممارسات غير القانونية التي تهدد سمعة واحدة من أشهر الصناعات الفرنسية عالميا.
وتعيد هذه القضية تسليط الضوء على استغلال اليد العاملة المهاجرة في قطاعات الزراعة والخدمات، وضرورة إصلاح نظم الرقابة والتشغيل، خصوصا مع استمرار نقص الأيدي العاملة الموسمية في فرنسا.