تقارير
أخر الأخبار

إنتاج حليب وجبن الإبل في شمال فرنسا.. نموذج فريد يلتقي بين التقاليد والابتكار

أخبار العرب في أوروبا-فرنسا

في شمال فرنسا، وتحديدا في بلدة فينيي الصغيرة القريبة من منطقة ماروي الشهيرة بإنتاج الجبن، برز مشروع فريد من نوعه يخلط بين الأصالة والابتكار في مجال تربية الإبل وإنتاج حليبها ومنتجاته.

جوليان جوب، مربي جمال غير تقليدي، يقود هذا المشروع الذي يحمل اسم “لا كاميليري” منذ تأسيسه عام 2015، حيث يدير أكبر قطيع إبل في فرنسا يضم نحو 80 رأسا، وهو من بين الأكبر في أوروبا.

تتميز مزرعة جوليان عن غيرها في فرنسا، التي تركز أغلبها على السياحة الزراعية، بكونها أول مزرعة تحصل على الموافقة الصحية الأوروبية لبيع حليب الإبل ومنتجات الألبان المشتقة منه.

هذه الموافقة تمثل إنجازا مهما في صناعة الألبان، خصوصا أن حليب الإبل، الذي لا يتخثر بشكل طبيعي، كان يُعتبر حتى قبل 15 عاما غير مناسب لإنتاج الجبن.

واليوم، تتيح مزرعة “لا كاميليري” لزبائنها عبر موقعها الإلكتروني شراء حليب الإبل المبستر، والكفير، فضلا عن نوعين من الجبن المبتكر، هما “بوس دي فاني” و”كاميلومي”، اللذان تم تطويرهما بدعم من باحثين متخصصين، وهو ما أكسب جوليان جوب ميدالية مرموقة في جوائز الجبن العالمية لعام 2024.

حليب الإبل ليس فقط منتجا نادرا، بل يمتلك مميزات غذائية رائعة تجعله خيارا صحيا فريدا. فهو يحتوي على فيتامين “سي” بنسب أعلى من حليب الأبقار، كما يعد أسهل هضما لمن يعانون من حساسية اللاكتوز، بالإضافة إلى غناه بالأحماض الدهنية غير المشبعة.

وهناك اهتمام متزايد من قبل الباحثين لدراسة تأثيرات حليب الإبل على الخلايا السرطانية، وتنظيم مستويات السكر في دم مرضى السكري، فضلا عن دوره المحتمل في دعم علاج اضطرابات التوحد.

ويرى برنار فاي، الباحث الفخري في مركز التعاون الدولي للبحوث الزراعية من أجل التنمية، أن حليب الإبل محاط بمجموعة من الأساطير والحقائق العلمية، لكنه يؤكد أن له فوائد صحية واضحة لدى المستهلكين المنتظمين.

تربية الإبل كانت تقليديا من اختصاص البدو الرحل في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية، حيث كانوا ينتجون الحليب لاستهلاكهم الشخصي. لكن مع التغيرات المناخية والطلب العالمي المتزايد، توسعت تربية الإبل بشكل كبير في مناطق عدة، من الخليج العربي إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ووصولا إلى الولايات المتحدة.

تعد الإبل من الحيوانات القليلة القادرة على العيش في ظروف مناخية شديدة التباين، إذ يمكنها تحمل درجات حرارة تتراوح من 40 درجة تحت الصفر إلى 40 درجة مئوية، وهو ما يجعل المناخ الفرنسي، حسب رئيس الاتحاد الفرنسي لتنمية الإبل كريستيان شوتل، مناسبا تماما لتربيتها.

كما أن الإبل تستهلك كميات أقل من الأعلاف مقارنة بالأبقار، وتسبب ضررا أقل للتربة، إذ تفتقر إلى الحوافر التي تتسبب في جرح الأرض، كما يمكن استخدامها في الرعي البيئي لإزالة النباتات الضارة مثل العليق والشوك والقراص.

وتتميز إبل مزرعة فينيي بسناماتها الكبيرة والقوام الأسمن مقارنة بإبل الصحراء، وتواجه فقط تحديا بسيطا متعلقا بالرطوبة، يتم التعامل معه بإعطاء الإبل طاردات ديدان أكثر من المعتاد مقارنة بتربية الأبقار.

على الرغم من أن الطلب على حليب الإبل في أوروبا يشهد نموا سنويا يفوق 8%، وبسعر يبلغ حوالي 17 يورو للتر الواحد، يبقى هذا الحليب ومنتجاته من المنتجات الفاخرة التي لا تحل محل حليب الأبقار، بل تظل منتجات جانبية أو متخصصة.

إذ تنتج أنثى الجمل ما بين لترين إلى ثلاثة لترات من الحليب يوميا، وهو أقل بعشر مرات من إنتاج بقرة نورماندي، ولا تضعف الحظر المفروض على استيراد الإبل من خارج أوروبا من محدودية الإنتاج المحلي.

يضيف جوليان جوب إلى دخله من بيع الحليب والسياحة الزراعية التي تقدمها مزرعته عبر رحلات ركوب الجمال وبيع الصغار من الإبل، وهو نموذج متكامل يجمع بين الإنتاج والزراعة والسياحة البيئية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى