تقاريرمجتمع وطفولة
أخر الأخبار

أوروبا على حافة أزمة ديموغرافية: السويد تشكّل لجنة طوارئ لمواجهة تراجع الولادات

أخبار العرب في أوروبا-السويد

أطلقت الحكومة السويدية، اليوم الثلاثاء/( 1يوليو/حزيران 2025)، تحذيرا رسميا بشأن التراجع الخطير في معدلات الإنجاب، بإعلانها تشكيل لجنة تحقيق خاصة لبحث أسباب الانخفاض الحاد في الولادات، والعمل على إزالة العقبات التي تمنع الناس من تكوين أسر.

الإعلان الذي حمل توقيع ثلاثة وزراء من الائتلاف الحاكم، يأتي في وقتٍ تتزامن فيه الأزمة الديمغرافية مع تشديد متواصل في سياسات الهجرة واللجوء، بدعم مباشر من حزب “ديمقراطيو السويد” اليميني المتطرف.

ورغم أن قرار الإنجاب يظل خيارا شخصيا، إلا أن الدولة، كما يرى العديد من الخبراء، مطالبة بتوفير بيئة اجتماعية واقتصادية ونفسية تساعد من يرغب في بناء عائلة. فمعدل الولادات في السويد بلغ أدنى مستوياته التاريخية عند 1.43 طفل لكل امرأة، وهو رقم أقل بكثير من المعدل اللازم لاستقرار النمو السكاني (2.1 طفل لكل امرأة).

وإذا استمرت الأرقام على هذا النحو، فإن عدد سكان السويد في الجيل القادم قد يتقلص بنسبة تقارب الثلث.

ليست أزمة سويدية فقط

كما تواجهه السويد اليوم هو جزء من ظاهرة أوسع تشمل معظم الدول الأوروبية، خاصة في شرق القارة. ففي بلغاريا، على سبيل المثال، خسرت البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي ما يزيد عن مليوني نسمة، أي ما يعادل ثلث سكانها، نتيجة للهجرة وتراجع الخصوبة.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى إمكانية انخفاض عدد السكان في بلغاريا إلى أقل من خمسة ملايين خلال العقود المقبلة، في ظل قرى مهجورة ومدن شبه فارغة وسوق عمل يعاني من نقص حاد في العمالة.

أما إيطاليا، فقد سجّلت أدنى معدل ولادات في أوروبا، وسط تسارع معدلات الشيخوخة، ما يهدد قدرة الدولة على تمويل الخدمات الاجتماعية والصحية.

ألمانيا، بدورها، باتت تعتمد بشكل متزايد على المهاجرين لتعويض النقص في سكانها الأصليين، فيما تؤجل شريحة واسعة من الشباب في إسبانيا والبرتغال قرارات الزواج والإنجاب، بسبب القلق من المستقبل وتحديات اقتصادية متفاقمة.

“الوباء الصامت” يطال الصين وروسيا

الظاهرة لا تقتصر على أوروبا. ففي الصين، التي فرضت على مدى عقود سياسة “الطفل الواحد”، أدى التشدد السكاني إلى نتائج عكسية؛ فاليوم، تواجه بكين تراجعا حادا في معدلات الولادة، واختلالا ديموغرافيا حادا يتمثل في ارتفاع نسبة الذكور على الإناث، ما دفع الحكومة لمحاولة تصحيح المسار بسياسات تشجيعية للإنجاب تشمل حوافز مالية وإصلاحات مجتمعية.

روسيا، رغم مساحتها الهائلة ومواردها الطبيعية الكبيرة، تعاني من عدد سكان أقل من دول أصغر مثل بنغلادش. وتواجه تحديات استراتيجية، خصوصاً في مناطقها الشرقية ذات الكثافة السكانية المنخفضة، وهو ما تحاول موسكو معالجته من خلال برامج تشجع الولادة وتعيد توزيع السكان داخليا.

تداعيات اقتصادية ونفسية واسعة

تأثير هذا “الوباء الديمغرافي” لا يقتصر على الأرقام السكانية فقط، بل يطال بنية النظام الاقتصادي والاجتماعي بالكامل. فمع انخفاض عدد السكان في سن العمل، يزداد الضغط على الدولة لتأمين معاشات التقاعد والرعاية الصحية، ويتراجع النشاط الإنتاجي، ويضعف الاستثمار في التعليم والبحث والتطوير.

الأخطر من ذلك هو البعد النفسي. فقد أظهرت دراسات في السويد أن واحدا من كل أربعة شبان يعاني من شعور بأن الحياة تفتقر إلى المعنى.

هذه الأزمة الوجودية تضع تحديات إضافية أمام الدولة، وتدفعها لإعادة التفكير في دور السياسات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية في إعادة بناء الثقة بالمستقبل.

هل من حلول فعّالة؟

رغم محاولات حكومية سابقة في تقديم حوافز مالية، مثل الإعفاءات الضريبية وإعانات الأطفال، إلا أن التجارب أظهرت أن هذه الإجراءات وحدها لا تكفي لتحفيز الإنجاب. فالمسألة تتعلق بجودة الحياة، والشعور بالأمان، والانتماء، والمعنى.

الحكومة السويدية بدأت أخيرا في تبنّي نهج شامل، يشمل استثمارات في الطفولة المبكرة، وتوسيع دعم الأهل، وتحسين منظومة الرعاية الصحية، إلى جانب التركيز على الصحة النفسية والرفاه الوجودي كجزء من سياسة وطنية شاملة.

لكن يبقى السؤال الكبير مطروحا: هل سيكون ذلك كافيا لإقناع الناس بإنجاب الجيل القادم؟ أم أن الحل يكمن، مرة أخرى، في فتح باب الهجرة المدروسة لتعويض العجز السكاني؟ أم أن الوقت قد تأخر، و”الوباء الصامت” يواصل الزحف بصمت نحو نقطة اللاعودة؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى