ستراسبورغ بين عبق التاريخ وروح الحداثة.. جولة في “فرنسا الصغرى”

أخبار العرب في أوروبا-فرنسا
تقع مدينة ستراسبورغ الفرنسية على الحدود مع ألمانيا، وتعتبر من أبرز المدن التاريخية والأثرية في فرنسا، حيث تمتاز بتنوع معالمها السياحية التي تجمع بين التاريخ العريق والحاضر النابض بالحياة.
تشتهر المدينة بمبانيها القديمة، والمتاحف العديدة، والكنائس ذات الهندسة المعمارية الرائعة، فضلا عن احتضانها أكبر مسجد للمسلمين في فرنسا، ما يعكس تنوعها الثقافي والديني.
“فرنسا الصغرى”: قلب ستراسبورغ القديم
يُطلق على المدينة القديمة في ستراسبورغ اسم “فرنسا الصغرى”، وهي واحدة من أكبر مناطق الجذب السياحي في المدينة.
تتميز هذه المنطقة بشوارعها الضيقة، وأزقتها المتشابكة التي تعبرها جسور وقنوات مائية تحيط بالمنازل الخشبية القديمة، التي ما زالت تحافظ على طابعها التاريخي.
تنتشر في هذه المنطقة المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي التي تقع على الأرصفة، مما يضفي على المكان حيوية خاصة.

يقع في قلب هذه المنطقة كاتدرائية “نوتردام ستراسبورغ”، المعلم الديني الأشهر في المدينة، والتي يعود تاريخها لأكثر من ألف عام.
يتميز برج الكاتدرائية العالي بإمكانية الصعود عبر سلالم كثيرة تتيح للزائرين الاستمتاع بإطلالة خلابة على المدينة.
أسواق نويل: تقليد سنوي يحتفل به ملايين الزوار
تشتهر ستراسبورغ بأسواق “نويل” التقليدية، التي تقام قبيل أعياد رأس السنة والميلاد، وتعد الأكبر في أوروبا. تُعرض في هذه الأسواق المنتجات التقليدية الخاصة بإقليم الألزاس، وتستقطب أعداداً كبيرة من السياح من مختلف أنحاء العالم.
تقع ستراسبورغ في شمال شرق فرنسا بالقرب من الحدود الألمانية والبلجيكية، وهي تحتضن مقر البرلمان الأوروبي، مما يجعلها مركزا سياسيا هاما في أوروبا.
كاتدرائية ستراسبورغ: تحفة العمارة القوطية
تعد كاتدرائية ستراسبورغ واحدة من أشهر كنائس أوروبا، وكانت أطول بناء في القرن السابع عشر بارتفاع 142.11 متراً، وتصنف اليوم كثاني أطول كاتدرائية في فرنسا بعد كاتدرائية روان في النورماندي التي يبلغ ارتفاعها 151 متراً.
بُنيت الكاتدرائية بين عامي 1176 و1439 على الطراز القوطي المزخرف، وتقع محاطة بالأنهار من أربع جهات، مما يزيد من روعة منظرها.

أدرجت الكاتدرائية على قائمة التراث العالمي لليونسكو، وهي مقصد سياحي رئيسي يجذب أكثر من 4.5 ملايين زائر سنويا.
كما تعرض الكاتدرائية ساعة فلكية دقيقة تقدم معلومات عن الوقت والتقويمات الدينية، وقد تمكنت من تحديد موعد خسوف القمر بدقة في عام 2006.
كما يميزها نظام أجراسها الضخم، الذي يحتوي على حلقة مزدوجة فريدة في أوروبا.
وبالقرب من الكاتدرائية يقع المتحف الألزاسي الذي يتخذ من منزل أرستقراطي مقرا له، ويعرض مجموعة غنية من الفنون الشعبية، والأثاث التاريخي، والأدوات المنزلية التي تعكس التراث الثقافي للمنطقة.
ساحة غوتنبرغ: نبض المدينة التاريخي
تعتبر ساحة غوتنبرغ من أكبر وأشهر ساحات ستراسبورغ، وسميت نسبة إلى مخترع آلة الطباعة “جوهان غوتنبرغ”، حيث يوجد تمثال ضخم له في وسط الساحة.
تستضيف الساحة العديد من الفعاليات والأنشطة الترفيهية التي تجذب آلاف الزوار سنويا.

قرب الساحة يقع قصر روهان التاريخي الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، ويضم معروضات أثرية وفنية، ويشكل وجهة مميزة للسياح الراغبين في استكشاف التاريخ والفن.
متحف ستراسبورغ التاريخي: سرد لتاريخ المدينة
أسس متحف ستراسبورغ التاريخي عام 1920، وهو من أهم معالم السياحة في المدينة، إذ يحكي قصة المدينة من العصور الوسطى حتى العصر الحديث.

يحتوي المتحف على نحو 200 ألف قطعة أثرية تتناول الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لستراسبورغ، بما في ذلك الآلات العسكرية واللوحات الفنية والمنحوتات.
حديقة أورانجري: متنفس طبيعي فريد
تُعتبر حديقة أورانجري واحدة من أقدم وأجمل الحدائق في فرنسا، وتضم تشكيلة واسعة من الأشجار المعمرة، والنباتات النادرة، والأزهار المتنوعة.

توفر الحديقة متنفسا للسكان والزوار، وتشتهر ببرامجها الأوروبية لتربية الحيوانات، حيث تحتضن مجموعة متنوعة من الطيور والحيوانات الأليفة، ما يجعلها وجهة محببة لمحبي الطبيعة.
لمحة تاريخية عن ستراسبورغ
يرجع تاريخ المدينة إلى فترة الإمبراطورية الرومانية حيث كانت معسكرا عسكريا، ثم سيطر عليها الهانز والفرانكس في القرن الخامس.
في عام 923، انضمت المدينة إلى الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وأعلنت استقلالها مؤقتا عام 1332 قبل أن تعود إلى الإمبراطورية. بعد حرب الثلاثين عاما، ضمها الملك لويس الرابع عشر إلى فرنسا.
شهدت المدينة نموا اقتصاديا في القرن التاسع عشر، لكنها تعرضت لقصف مدمر خلال الحرب البروسية الفرنسية، مما أدى إلى تدمير العديد من المرافق.
عقب الحرب، ضمت الإمبراطورية الألمانية ستراسبورغ، وعادت إلى فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى.

اليوم، تضم المدينة أكبر مسجد في فرنسا، وتعيش فيها جالية عربية ومسلمة كبيرة، خاصة من المغرب العربي وسوريا، الذين أسسوا محالا تجارية ومطاعم تقدم الأطعمة الشرقية، ما يعكس التنوع الثقافي الذي يميز ستراسبورغ.