
أخبار العرب في أوروبا-بريطانيا
في ختام زيارة الدولة التي أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة المتحدة، أمس الخميس، أعلنت باريس ولندن عن توصلهما إلى اتفاق ثنائي حول ملف الهجرة، يهدف إلى مواجهة الارتفاع القياسي في أعداد المهاجرين غير النظاميين الذين يعبرون بحر المانش.
الاتفاق الجديد، الذي وُصف بأنه “مشروع نموذجي”، ينص على إعادة المهاجرين الذين وصلوا إلى المملكة المتحدة عبر قوارب صغيرة من شمال فرنسا.
مقابل أن تدرس لندن ملفات طالبي لجوء موجودين على الأراضي الفرنسية، بشرط أن يعبّر هؤلاء عن رغبتهم في الإقامة في بريطانيا ويثبتوا وجود روابط شخصية معها، من خلال منصة إلكترونية مخصصة لهذا الغرض.
يستند الاتفاق إلى صيغة “واحد مقابل واحد”، أي أن كل مهاجر يُعاد إلى فرنسا سيقابله استقبال مهاجر آخر من فرنسا إلى بريطانيا، وفق آلية قانونية منظمة. ومن المقرر أن يُعرض الاتفاق على المفوضية الأوروبية قبل توقيعه رسميا.
خلال مؤتمر صحفي مشترك عُقد في قاعدة “نورثوود” العسكرية شمال غرب لندن، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن إطلاق المشروع خلال الأسابيع المقبلة، قائلا: “لأول مرة، سيتم اعتراض المهاجرين الواصلين على متن القوارب الصغيرة وإعادتهم بسرعة إلى فرنسا”، واصفاً الاتفاق بـ”الريادي”.
من جانبه، وصف ماكرون الاتفاق بأنه خطوة للحد من أنشطة شبكات التهريب عبر المانش، معتبرا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سببا رئيسيا لغياب التعاون في ملف الهجرة طوال السنوات الماضية. وقال الرئيس الفرنسي إن المشروع الجديد “قد يُشكل رادعا حقيقيا أمام عمليات التهريب”.
ووفقا لصحيفة “لوموند” الفرنسية من المتوقع أن تسمح فرنسا بإعادة نحو 50 مهاجرا أسبوعيا، إلا أن هذا الرقم لم يتم تأكيده رسميا. وقد وصفت المعارضة البريطانية الاتفاق بأنه “غير كافٍ” لمواجهة التحديات المتفاقمة على السواحل.
ويُعد هذا الاتفاق سابقة في التعاون بين البلدين، إذ أنها المرة الأولى التي توافق فيها فرنسا على استقبال مهاجرين تم ترحيلهم من المملكة المتحدة.
تصاعد أعداد المهاجرين عبر المانش
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن أكثر من 21 ألف شخص عبروا بحر المانش منذ يناير/كانون الثاني الماضي، ما يمثل زيادة بنسبة تقارب 48% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في مؤشر على تصاعد الظاهرة رغم الإجراءات المشددة.
تُعد هذه الأرقام تحديا كبيرا لرئيس الوزراء العمالي كير ستارمر، الذي جعل من مكافحة الهجرة أولوية لحكومته منذ توليه منصبه في يوليو/تموز 2024.
وفي خطوة لافتة، ألغت حكومته في أول قرار تصدره بعد تشكيلها خطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا التي كانت مثار جدل واسع خلال فترة الحكومة المحافظة السابقة، وفضلت بدلا من ذلك التركيز على تفكيك شبكات التهريب وتعزيز التعاون الأوروبي.
وفي هذا الإطار، أطلقت الحكومة البريطانية صندوقا بقيمة 90 مليون يورو لمكافحة الاتجار بالبشر في بحر المانش، ووقّعت اتفاقيات أمنية مع دول عدة مثل صربيا، مقدونيا الشمالية، كوسوفو والعراق لتبادل المعلومات الاستخباراتية واعتراض العصابات الإجرامية.
تشديد في السياسات الداخلية
ضمن السياسات الجديدة، أعلنت الحكومة البريطانية عن تجميد أصول المهربين ومصنعي القوارب الصغيرة، كما بدأت تطبيق تعليمات جديدة تحرم المهاجرين غير النظاميين من الجنسية البريطانية بشكل مبدئي.
وفي خطوة إضافية، تم تمديد معاهدة التعاون مع فرنسا في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية حتى عام 2027، والتي تساهم بموجبها بريطانيا في تمويل عمليات الرقابة على السواحل الفرنسية.
وتضمنت خارطة الطريق البريطانية الجديدة لتشديد الرقابة على الحدود، تقليص مدة تأشيرات الطلاب وتشديد شروط لمّ الشمل وتأشيرات العمل، بالإضافة إلى بحث إنشاء “مراكز عودة” خارج البلاد لطالبي اللجوء المرفوضين، كما صرح ستارمر خلال زيارته إلى ألبانيا.
أزمة إنسانية على شوطئ المانش
ورغم كل هذه التدابير، تبقى رحلة عبور المانش محفوفة بالمخاطر، لا سيما مع استخدام المهربين لقوارب مطاطية متهالكة محملة بأضعاف طاقتها، في منطقة بحرية كثيفة الملاحة وباردة المياه.
وقد شهد عام 2024 أعلى حصيلة ضحايا في هذا المسار، حيث لقي 78 شخصا حتفهم في نحو 20 حادثة غرق.
ومنذ بداية العام الجاري 2025، توفي ما لا يقل عن 17 شخصا أثناء محاولتهم الوصول إلى بريطانيا، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية المرتبطة بهذا الطريق الخطير.
ورغم صرامة الإجراءات، أقر ستارمر في قمة مجموعة السبع مؤخرا بأن الأزمة “تتفاقم”، مشددا على ضرورة إيجاد حلول مبتكرة بين فرنسا وبريطانيا للحد من الهجرة غير النظامية، مؤكدا أن “الهجرة يجب أن تظل أولوية دائمة نظرا للوضع الحرج في بحر المانش”.