اقتصاد وأعمالتقارير
أخر الأخبار

أوروبا الغنية تخفي فقرا صامتا يهدد استقرارها الاجتماعي

أخبار العرب في أوروبا-متابعات

على الرغم من الصورة اللامعة التي تقدمها أوروبا كرمز للرفاه والاستقرار، تكشف الأرقام والإحصائيات الحديثة عن واقع اجتماعي هش يزداد اتساعا في أرجاء القارة العجوز.

ففي المدن الكبرى وضواحيها المهملة، يتصاعد خطر الفقر وتتقلص الطبقة الوسطى التي كانت تشكل الدعامة الأساسية للنسيج الاجتماعي والاقتصادي الأوروبي.

يأتي هذا في ظل تراجع دور الدولة الاجتماعية وتصاعد تكاليف المعيشة، يجد ملايين الأوروبيين أنفسهم محاصرين بين موجة من البطالة وأزمة متفاقمة في السكن، وسط واقع يفرض نفسه بصمت وينذر بأزمة اجتماعية عميقة تهدد استقرار الديمقراطيات الأوروبية الحديثة.

وبحسب دراسة حديثة لمنصة “كل أوروبا”، يواجه نحو 20% من سكان الاتحاد الأوروبي -أي واحد من كل خمسة أشخاص- خطر الفقر أو الإقصاء الاجتماعي.

وتؤكد بيانات شركة “ستاتيستا” الألمانية المتخصصة أن نحو 100 مليون أوروبي معرضون لخطر الفقر، في ظل ضعف أنظمة الدعم الاجتماعي وعدم قدرتها على مجاراة التفاوتات المتزايدة.

الفقر في أوروبا يتخذ أشكالا متعددة تتراوح بين العجز عن تأمين متطلبات الحياة الأساسية مثل السكن والتدفئة والتعليم والرعاية الصحية.

كما تظهر فروق كبيرة بين دول الاتحاد، فبينما تسجل دول مثل بلغاريا ورومانيا نسب فقر مرتفعة، فإن فرنسا وألمانيا، رغم نسب الفقر الأقل نسبيا، تعاني من تفاوتات داخلية حادة بين المدن والضواحي وبين السكان الأصليين والمهاجرين.

تُبرز البيانات أن حوالي 10% من العمال في الاتحاد الأوروبي يعيشون تحت خط الفقر، مما ينسف التصور التقليدي بأن العمل وحده يكفي للحماية من الفقر في أوروبا.

كما يشير التقرير إلى أن الفقر لا يتراجع بالضرورة مع النمو الاقتصادي، مما يعكس خللا هيكليا في توزيع الثروة والفرص.

اتساع رقعة الفقر

تتمسك أوروبا بموقعها كواحدة من أكبر اقتصادات العالم، لكن اتساع رقعة الفقر يهدد نموذجها الاجتماعي الذي طالما اعتُبر نموذجا للمساواة والتضامن.

التناقض بين الثروة المتراكمة والفئات المعزولة يشكل تحديا أخلاقيا وسياسيا يفرض إعادة التفكير في سياسات الرعاية الاجتماعية.

وبحسب مرصد اللامساواة الفرنسي، لا يُعرّف الفقر فقط بالدخل، بل بغياب القدرة على العيش بكرامة عبر توفير الاحتياجات الأساسية.

ولذلك، فإن الكثير من الفقراء في أوروبا يعيشون “فقرا غير مرئي” حيث لا يطالبون بالدعم أو لا يُدرجون في الإحصاءات الرسمية، مما يشكل تحديا إضافيا لصناع السياسات.

انهيار تدريجي للطبقة الوسطى في أوروبا

الطبقة الوسطى الأوروبية، التي كانت لفترة طويلة قاعدة الاستقرار الاجتماعي، تشهد انهيارا تدريجيا بفعل الضغوط الاقتصادية وتصاعد تكاليف الحياة.

بات الكثيرون من أفرادها يعانون من “فقر مقنع”، يظهر جليا في تضخم تكاليف السكن والطاقة والغذاء مقابل ثبات أو ضعف الأجور. وتراجع الدعم المتاح لهذه الفئة يجعلها عرضة للانزلاق نحو الفقر، مع تداعيات اجتماعية وسياسية بالغة الخطورة.

فرنسا تمثل نموذجا بارزا لهذا التحول، حيث تكشف الدراسات عن تراجع الشعور بالانتماء إلى الطبقة الوسطى، مع انتشار شعور بالهشاشة والإقصاء الاجتماعي.

ويعكس هذا التحول تحطم العقد الاجتماعي وارتفاع الغضب الشعبي، الذي تجسد في حركات احتجاجية مثل “السترات الصفراء”.

على مستوى أوروبا، تبرز الدراسات تحولات جذرية في البنية الاجتماعية، حيث يزداد اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتضمحل الطبقة الوسطى تدريجيا,

هذا الفراغ الاجتماعي يهدد النموذج الديمقراطي الأوروبي الذي يعتمد على العدالة الاجتماعية والتكافؤ.

الضواحي المنسية

الضواحي المنسية خارج المدن الكبرى تحولت إلى بؤر للفقر والتهميش، حيث تفتقر إلى السكن اللائق والخدمات الأساسية وفرص العمل، ويعيش سكانها في عزلة اجتماعية واقتصادية متزايدة.

وتشير تقارير المفوضية الأوروبية إلى أن هذه المناطق تعاني من ظاهرة “الفقر المتوارث” التي يصعب كسرها دون تدخلات جذرية وشاملة.

تسعى المفوضية الأوروبية من خلال خططها الطموحة إلى تقليل أعداد المعرضين للفقر والإقصاء الاجتماعي، خصوصا بين الأطفال، لكنها تواجه تحديات كبيرة في تنفيذ سياسات تتجاوز الدعم المالي لتشمل التمكين الاجتماعي والتنمية المستدامة.

في المجمل، ما تشهده أوروبا اليوم هو تحول عميق في تركيبها الاجتماعي، حيث تتراجع الطبقة الوسطى ويزداد الفقر صمتا في قلب القارة.

ويقول خبراء إن هذا الوضع يستدعي سياسات أكثر تركيزا على حماية الفئات الضعيفة، لضمان استقرار المجتمعات الأوروبية وحماية نموذجها الديمقراطي الذي يقوم على المساواة والعدالة الاجتماعية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى