
أخبار العرب في أوروبا-ألمانيا
بعد أكثر من عشر سنوات على موجة اللجوء الكبرى، يجد بعض السوريين المقيمين في ألمانيا أنفسهم في موقف مزدوج، امتنان لما توفره لهم البلاد من أمان واستقرار، وفي الوقت نفسه شعور بالعزلة والاغتراب الاجتماعي دفع البعض إلى التفكير في مغادرة البلاد بحثا عن حياة أكثر اكتمالا، سواء بالعودة إلى سوريا بعد انتهاء الحرب و انتصار الثورة السورية وسقوط نظام بشار الأسد، أو بالانتقال إلى دول أخرى توفر فرصا أفضل للعمل والحياة.
ويعتبر أنس (اسم مستعار)، أحد اللاجئين السوريين المقيمين في ألمانيا، أن الشعور بالوحدة والعزلة في البلاد يمثل أحد أكبر التحديات التي يواجهها السوريون.
وقال في حوار مع موقع ( DW) الألماني: “معظم السوريين هنا يشعرون بأنهم يعيشون منعزلين عن الآخرين، بلا حياة اجتماعية حقيقية. هذا الشعور يضاعف الضغوط النفسية التي نحملها من الحرب التي شهدناها في سوريا”.
يضيف أنس أن الدافع لديه شخصي مهني بحت، حيث يبحث عن فرص عمل مناسبة تتيح له حياة مستقرة، ويعتبر أن تحقيق هذا الجانب قد يخفف من وطأة الشعور بالعزلة الاجتماعية.
في المقابل، يعكس أحمد (اسم مستعار)، البالغ من العمر 37 عاما، تجربة مختلفة وأكثر حدة في مواجهة الواقع الألماني. رحلته بدأت منذ عشر سنوات عبر عدة دول، من سوريا إلى الجزائر، ثم المغرب وإسبانيا، قبل أن يصل إلى ألمانيا طالبا للجوء.
وبعد تعلم اللغة والحصول على فرصة عمل، واستئجار مسكن مناسب، واجه أحمد صعوبة في تحقيق حياته الاجتماعية، بما في ذلك العثور على شريكة حياة، خاصة لندرة الفتيات السوريات في ألمانيا وصعوبة الاندماج مع الفتيات الألمانيات.
يقول أحمد: “حياتي هنا تقتصر على الذهاب من المنزل إلى العمل والعكس، مثل الروبوت. لا أجد حياة اجتماعية حقيقية، ومع تغير الوضع في سوريا وانتهاء الحرب، بدأت أفكر جديا في العودة والمساهمة في إعادة بناء بلدي”.
وتكشف إحصاءات معهد أبحاث التوظيف التابع لوكالة التوظيف الاتحادية عن حجم الظاهرة، إذ أظهرت دراسة حديثة أن نحو 2.6 مليون شخص من المقيمين في ألمانيا فكروا في مغادرة البلاد، بينما لدى 300 ألف منهم خطط ملموسة للهجرة.
ويبين المعهد أن نصف هؤلاء يفكرون بالعودة إلى بلادهم الأصلية، فيما يرغب النصف الآخر في الانتقال إلى بلد آخر يوفر لهم فرصاً أفضل في العمل والحياة.
وفي الوقت نفسه، يرى بهاء (اسم مستعار)، الذي حصل على الجنسية الألمانية في عام 2022 بعد وصوله في 2015، أن حصوله على الجنسية يمثل نوعا من صمام الأمان.
يضيف: “رغم أن حياتي لم تختلف كثيرا بعد الحصول على الجنسية، إلا أن وجودها يوفر استقرارا أكبر وراحة نفسية. ومع ذلك، يظل الحنين للوطن قائما، فنحن غادرنا سوريا مجبرين وليس اختيارا”.
وتؤكد دراسة أجراها المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية في برلين أن الشعور بالترحيب بين اللاجئين في ألمانيا يتراجع بشكل مستمر منذ 2017، حيث انخفضت نسبة من يشعرون بأنهم موضع ترحيب من 84% إلى 65% في 2023.
ويُظهر التقرير أن التحديات الاجتماعية، مثل العزلة وضعف التواصل مع المجتمع المحلي، تظل من أبرز أسباب التفكير في المغادرة، إلى جانب البحث عن فرص عمل أفضل أو حياة أسرية متكاملة.
يبقى الواقع أن العديد من السوريين يقدرون ألمانيا لما قدمته لهم من حماية واستقرار، لكن العزلة الاجتماعية وصعوبة الاندماج وتحديات الحياة اليومية تجعل فكرة المغادرة خيارا يطرأ على أذهانهم بين الحين والآخر، سواء للعودة إلى سوريا أو الانتقال إلى دول أخرى.