معارضة وانتقادات لقرار هولندي بحجب تقرير سوريا الأمني وتأثيره على قضايا اللجوء

أخبار العرب في أوروبا-هولندا
في خطوة أثارت جدلا واسعا، قررت الحكومة الهولندية عدم نشر التقرير السنوي المنتظر حول الوضع الأمني في سوريا، في تحول غير مسبوق لنهج كانت تتبعه الخارجية الهولندية منذ عقود، حيث دأبت على نشر تقييمات علنية للظروف الأمنية في بلدان اللاجئين.
يأتي القرار في سياق توجهات الائتلاف اليميني الحاكم نحو تشديد سياسات اللجوء، ومحاولة تسريع عمليات إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، لاسيما بعد سقوط نظام بشار الأسد.
قرار رسمي بإبقاء التقارير الأمنية سرية
أعلن وزير الخارجية الهولندي، كاسبر فيلدكامب، في رسالة رسمية إلى البرلمان، أن الحكومة قررت عدم نشر تقارير تقييم الوضع الأمني في الدول التي ينحدر منها اللاجئون، موضحا أن هذا التوجه أقرّ ضمن اتفاق تشكيل الحكومة الحالية.
وتذرّع الائتلاف الحاكم بأن محامي اللجوء ومهربي البشر يستغلون محتوى هذه التقارير في بناء قصص لجوء متوافقة مع ما ورد فيها، في محاولة لضمان قبول الطلبات، وهو ما دفع إلى اعتماد سياسة “السرية التامة” ليس فقط لتقارير الدول مثل سوريا واليمن وإريتريا، بل أيضا لتعليمات عمل دائرة الهجرة والتجنيس الهولندية (IND).
الحكومة: “التقارير تُستغل لأغراض تضليلية”
من أبرز المدافعين عن هذه السياسة النائب اليميني السابق روبن بريكلمانز – وزير الدفاع الحالي – الذي صرّح سابقا بأن إبقاء التعليمات والتقارير سرية ضروري لمنع “التحايل” على نظام اللجوء، معتبراً أن “المحامين وطالبي اللجوء يتظاهرون بأنهم من مناطق مهددة أو ينتمون إلى فئات مضطهدة استناداً إلى تلك الوثائق”.
في المقابل، ردّت دائرة الهجرة والتجنيس (IND) على هذه المزاعم، مشيرة إلى أن تطابق روايات طالبي اللجوء مع محتوى التقارير الأمنية أمر طبيعي ومتوقع، إذ أن هؤلاء يطلبون الحماية من المخاطر ذاتها التي تسردها التقارير الرسمية.
وأكد متحدث باسم الدائرة أن تقييم مصداقية الطلبات يتم بناءً على عدة عوامل، وليس فقط على التشابه مع المعلومات الرسمية.
أهمية التقرير السنوي حول سوريا
يُعد التقرير المرتقب حول الوضع الأمني في سوريا بعد سقوط نظام الأسد بالغ الأهمية، إذ تعتمد عليه الجهات القضائية والهجرة في تقييم طلبات السوريين البالغ عددهم أكثر من 70 ألف لاجئ في هولندا.
وأثار قرار حجبه مخاوف واسعة من استخدام معلومات سرية في إصدار قرارات مصيرية بحق طالبي اللجوء، دون تمكينهم من الاطلاع عليها أو الرد عليها بشكل قانوني.
خبراء ومنظمات ينددون: “انتهاك للعدالة والشفافية”
أثار القرار انتقادات لاذعة من خبراء القانون والمنظمات الحقوقية. وقال توماس سبايكيربور، أستاذ قانون الهجرة: “أعمل في هذا المجال منذ عام 1986، ولم أشهد من قبل منعا لنشر مثل هذه التقارير.. كيف يمكن تقييم سلامة عودة الناس إلى سوريا أو السودان أو مصير المثليين في غامبيا من دون هذه التقارير؟”.
من جهته، حذر رئيس جمعية محامي اللجوء، ويل إيكلبوم، من أن حجب هذه التقارير يجعل الإجراءات القضائية غير عادلة، مضيفاً: “إذا بُني قرار رفض طلب لجوء على معلومات سرية لا يمكن لطالب اللجوء الاطلاع عليها، فذلك انتهاك لأسس المحاكمة العادلة”.
شكوک حول مضمون تقرير سوريا
يرى مراقبون أن قرار السرية قد يكون مرتبطا بمحتوى غير مريح للحكومة في التقرير الأمني حول سوريا.
وقال كارولوس جروترز، الباحث في مركز قانون الهجرة، إن التقرير ربما يصف الأوضاع في سوريا بأنها لا تزال غير آمنة، وهو ما يتعارض مع رغبة وزيرة الهجرة ماريولاين فابر في إعادة أكبر عدد ممكن من السوريين.
وأضاف: “إذا كان التقرير يتضمن تقييمات أمنية سلبية رغم سقوط الأسد، فقد تفضل الحكومة إخفاءه مؤقتا حتى لا يعرقل سياساتها في ملف الترحيل”.
ردود فعل غاضبة من المنظمات الحقوقية والمعارضة
وصفت منظمة العفو الدولية القرار بـ”المقلق بشدة”، معتبرة أنه يقوّض مبدأ الشفافية.
وقالت مسؤولة السياسات في المنظمة، أنوك دونس: “إذا رُفض طلب شخص بناء على تقييم أن بلده آمن، فعليه أن يعرف على أي أساس اتخذ هذا القرار… وإلا، فلن يكون قادراً على الدفاع عن نفسه”.
كما أعربت منظمة VVN التي تُعنى بشؤون اللاجئين عن رفضها للقرار، واصفة إياه بـ”غير الحكيم” وأنه سيفتح الباب أمام إجراءات قانونية غير عادلة.
في السياق ذاته، هاجمت أحزاب المعارضة القرار بشدة. وقالت النائبة كاتي بيري من تحالف “اليسار الأخضر – العمل”: “من غير المقبول أن يُخفى عنا كمجلس نواب محتوى تقارير تؤثر على مصير آلاف اللاجئين”، فيما وصفت النائبة آنا بودت من حزب D66 القرار بأنه “فكرة غبية جداً”.
ومن المتوقع أن تسعى منظمات حقوقية وصحفيون للحصول على التقرير الأمني من خلال قانون الشفافية الحكومية، والذي يُلزم السلطات بكشف المعلومات الحكومية عند الطلب، مما قد يُفشل مساعي الحكومة في فرض السرية التامة.
وتأتي هذه التطورات في وقت تمارس فيه الحكومة الهولندية ضغوطا غير مسبوقة على اللاجئين السوريين، إذ علّقت سابقا إجراءات دراسة طلبات اللجوء لمدة ستة أشهر، ثم مددت التعليق وسط انتقادات حقوقية حادة.