
أخبار العرب في أوروبا-ألمانيا
أثار مشروع القانون الجديد الذي أقرّته الحكومة الألمانية، والقاضي بتعليق لمّ الشمل العائلي للاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية لمدة عامين، موجة انتقادات حادة داخل البرلمان الألماني، لا سيما من قبل الأحزاب المعارضة التي اعتبرت القرار “غير إنساني” و”معادٍ لقيم الأسرة”.
ويأتي السوريون في مقدمة المتضررين من هذا القرار، كونهم يشكلون شريحة كبيرة من اللاجئين الحاصلين على هذه الحماية.
ويستثني القرار الجديد بعض الحالات الإنسانية، إلا أن نطاق الاستثناءات ما يزال محدودا، ما يهدد بتمزيق نسيج العديد من الأسر اللاجئة ويعيق جهود اندماجها في المجتمع الألماني.
وزير الداخلية: طاقة الاندماج بلغت الحدّ الأقصى
خلال الجلسة الأولى لمناقشة القانون في البرلمان، دافع وزير الداخلية الألماني، ألكسندر دوبريندت، عن القرار، مؤكدا أنه جزء من استراتيجية شاملة للحد من الهجرة غير النظامية، وقال:”طاقة الاستيعاب والاندماج في البلاد بلغت أقصاها، ولا يمكن حلّ أزمة الهجرة غير الشرعية بزرّ واحد، بل من خلال مجموعة إجراءات على المستويين الوطني والأوروبي، والحكومة تنفذها تدريجيا”>
وأكد أن هذا القرار خطوة ضرورية للحد من “عوامل الجذب” التي تشجع على الهجرة إلى ألمانيا، وخاصة في ظل الضغوط المتزايدة على الموارد والبنى التحتية.
الخضر واليسار: “قرار غير إنساني ومعادٍ للعائلة”
قوبلت تصريحات الوزير بردود فعل غاضبة من قبل أحزاب المعارضة، خصوصا “حزب الخضر” و”حزب اليسار”، حيث عبّرت النائبة شاهينا غامبير عن قلقها من عواقب تعليق لمّ الشمل، قائلة:”من يعرقل الطرق القانونية للم شمل الأسر، يشجع المهربين ويغلق الباب أمام اندماج ناجح. هذا الإجراء غير إنساني ويُضعف الروابط الأسرية”.
من جهتها، وصفت النائبة عن حزب اليسار، كلارا بيونغر، القرار بأنه “غير مسيحي ومعادٍ للعائلة”، مشيرة إلى أن تعليق لمّ الشمل لا يؤدي إلا إلى دفع المزيد من اللاجئين إلى سلوك طرق الهجرة غير الشرعية بدلًا من توفير مسارات قانونية وآمنة.
حلفاء الحكومة يعارضون أيضا: لمّ الشمل ضروري للاندماج
الانتقادات لم تأتِ فقط من المعارضة، بل امتدت إلى داخل التحالف الحاكم. فقد وصف فيليب تورمر، رئيس منظمة “Jusos” الشبابية التابعة للحزب الاشتراكي الديمقراطي (الشريك في الائتلاف الحاكم)، القرار بأنه “خطأ استراتيجي”، مضيفا:”لمّ الشمل واجب أخلاقي، ويساعد في تحقيق اندماج فعّال. لا يمكن الحديث عن اندماج ناجح بينما يعيش الناس في قلق دائم على مصير عائلاتهم”.
كما أعربت النائبة رشا نصر، من نفس الحزب، عن تفهّمها للاتفاق بين حزبها والاتحاد المسيحي، لكنها حذرت من تأثير القرار على العائلات المفصولة، قائلة:”هناك أطفال يُجبرون على تدبّر أمورهم بمفردهم، وأزواج لا يعرفون متى يمكنهم الاجتماع مرة أخرى”.
السوريون المتضرر الأكبر
وفقا للبيانات الرسمية، فإن القانون الساري حتى الآن كان يسمح بلمّ شمل نحو 1000 فرد شهريا، يشمل ذلك الأزواج والآباء والأطفال القُصّر.
لكن تعليق هذا النظام لمدة عامين سيؤثر بشكل خاص على اللاجئين السوريين الذين يُمنحون غالبا الحماية الثانوية، ما يعني حرمان آلاف الأسر من الاجتماع في المستقبل القريب.
النائب ألكسندر ثروم من الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي، اعتبر أن لمّ الشمل في هذه الحالة “عامل جذب للهجرة”، وأضاف أن “السوريين ما زال بإمكانهم العمل وتأمين معيشتهم، وهو ما يمنحهم فرصة للحصول على إقامة أخرى تتيح لمّ الشمل”.
وأثار الجدل أكثر حين أشار إلى أن “الوضع في سوريا تغيّر جذريا بعد سقوط نظام بشار الأسد”، في إشارة ضمنية إلى إمكانية عودة السوريين لبلادهم، ما اعتبره مراقبون تصريحاً سياسياً يحمل دلالات خطيرة.
الطلب على اللجوء في تراجع… فما الحاجة للتقييد؟
تأتي هذه الإجراءات الحكومية رغم انخفاض أعداد طلبات اللجوء في ألمانيا خلال السنوات الأخيرة.
فبحسب البيانات الرسمية، تقدّم 329,120 شخصا بطلب لجوء في عام 2023، وانخفض الرقم في عام 2024 إلى 229,751 طلبا.
وخلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، استمرت الأعداد في الانخفاض، ما يطرح تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء تشديد الإجراءات.
وبينما تدافع الحكومة عن قرارها باعتباره خطوة ضرورية لـ”ضبط الهجرة”، ترى منظمات حقوقية ونواب من داخل البرلمان أن هذا القرار يقوّض حقوق الإنسان، ويزيد من معاناة اللاجئين الذين يعيشون في حالة قلق دائم على مستقبل عائلاتهم.