صعود حزب “البديل” في ألمانيا يزيد القلق بين اللاجئين ويطرح تحديات أمام الاندماج الكامل

أخبار العرب في أوروبا-ألمانيا
أظهرت دراسة حديثة صادرة عن المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW برلين) أمس الأربعاء (27 أغسطس/آب 2025)، أن اللاجئين المقيمين في ألمانيا يعانون من زيادة ملموسة في القلق والخوف بسبب تصاعد كراهية ومعاداة الأجانب، في ظل النمو المستمر للدعم السياسي لحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف المناهض للهجرة.
وأشارت الدراسة إلى أن نسبة اللاجئين الذين عبّروا عن شعورهم بالقلق تجاه كراهية الأجانب ارتفعت بشكل ملحوظ من حوالي ثلث المشاركين في عام 2019 إلى أكثر من نصف المشاركين في عام 2023، مما يعكس تحولا في المزاج العام تجاه اللاجئين في البلاد.
منهجية الدراسة والفئات المشمولة
شملت الدراسة اللاجئين الذين قدموا طلبات لجوء أو طلبات حماية مؤقتة في ألمانيا بين عامي بداية 2013 وسبتمبر/أيلول 2022، وجرى استطلاع آرائهم سنويا بين عامي 2017 و2023، سواء كانت طلبات لجوئهم ناجحة أم لا.
وركز الباحثون على تقييم شعور اللاجئين بالترحيب والانتماء إلى المجتمع الألماني، بالإضافة إلى مدى مواجهتهم للتمييز في حياتهم اليومية.
التمييز في السكن والعمل والمجتمع
كشفت الدراسة أن اللاجئين غالبا ما يواجهون التمييز بناءً على العرق أو اللغة أو الأسماء، وهو ما يظهر بشكل واضح عند محاولتهم البحث عن سكن مناسب، إذ أشار 32% منهم إلى مواجهة صعوبات كبيرة، بينما صرح 18% بمعوقات عند التقدم للوظائف، و14% أبلغوا عن صعوبات في أماكن العمل.
وأظهرت الدراسة أيضا وجود فجوات إقليمية، حيث يواجه اللاجئون في شرق ألمانيا تحديات أكبر مقارنة بأقرانهم في الغرب، ولا سيما الرجال منهم، ما يعكس استمرار الانقسامات الإقليمية في المجتمع الألماني.
الشعور بالترحيب والتوجه نحو التجنّس
في سؤالهم عن شعورهم بالترحيب في ألمانيا، أشار 65% من اللاجئين في عام 2023 إلى أنهم يشعرون بالترحيب، مقارنة بـ84% في عام 2017 و78% في عام 2020، ما يعكس انخفاضا تدريجيا في هذا الشعور.
وفي الوقت نفسه، عبّر 54% من اللاجئين المشاركين في استطلاع 2023 عن قلقهم تجاه كراهية الأجانب، مقارنة بثلث المشاركين في عام 2019.
على الرغم من هذه المخاوف، أظهرت الدراسة أن رغبة اللاجئين في الحصول على الجنسية الألمانية لا تزال قوية، إذ أفاد 98% من المشاركين بين عامي 2013 و2019 أنهم ينوون التقديم على الجنسية، أو أنهم تقدموا بالفعل، أو أكملوا إجراءات التجنّس.
وارتفعت نسبة اللاجئين المجنسين من 2.1% في عام 2021 إلى 7.5% في عام 2023، فيما ارتفعت نسبة الطلبات المعلقة إلى أكثر من 25%.
وكان اللاجئون السوريون في مقدمة الفئات الأكثر تقدما في الحصول على الجنسية، إذ حصل 13.1% منهم على الجنسية بحلول عام 2023، وقدم 29.4% منهم طلبات للحصول عليها.
كما أظهرت الدراسة أن الحفاظ على الجنسية الأصلية عند التجنّس شائع بين اللاجئين، حيث احتفظ حوالي 88% من المجنسين حديثا بجنسيتهم الأصلية.
تأثير تعديل قانون الجنسية الألماني
يُعد تعديل قانون الجنسية الألماني منتصف 2024 خطوة مهمة نحو تسهيل اندماج اللاجئين، حيث تم تقليص مدة الإقامة المطلوبة للتقدم للحصول على الجنسية من 8 سنوات إلى 5 سنوات.
ويُتوقع أن يسهم هذا التغيير في زيادة عدد اللاجئين المجنسين وتسريع عملية إدماجهم الكامل في المجتمع الألماني، وإزالة أحد العوائق الرئيسية التي كانت تؤخر حصول العديد منهم على الجنسية.
صعود حزب “البديل” الشعبوي
شهدت الانتخابات الوطنية الألمانية في فبراير/شباط 2022 أفضل نتيجة على الإطلاق لحزب “البديل” الشعبوي، حيث تجاوزت نسبة أصواته 20%، مستفيدا من موجة من المشاعر المعادية للهجرة التي ظهرت بعد هجمات نسبت إلى المهاجرين.
وأوضحت الدراسة أن تصاعد نفوذ الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل “البديل” ينعكس بشكل مباشر على شعور اللاجئين بعدم الأمان والقلق المتزايد من التمييز، مما يزيد من التحديات أمام سياسات الإدماج.
النتائج والتوصيات
تكشف الدراسة عن تصاعد واضح في مشاعر القلق بين اللاجئين نتيجة زيادة وتيرة كراهية الأجانب ومعاداة الهجرة، وهو ما يضع ضغوطا على سياسات الإدماج في ألمانيا.
وعلى الرغم من هذه الصعوبات، يواصل اللاجئون السعي للحصول على الجنسية والمشاركة الفعالة في المجتمع، خاصة بعد تعديل قانون التجنّس الذي يسهل الحصول على الجنسية.
كما تشير الدراسة إلى أن اللاجئين السوريين يتقدمون بسرعة أكبر نحو نيل الجنسية، ما قد يسهم في إعادة تشكيل التركيبة السكانية والسياسية في ألمانيا خلال السنوات المقبلة.
وفي الوقت نفسه، يشكل التمييز العنصري والإقليمي، وخصوصا في شرق ألمانيا، تحديا رئيسيا أمام نجاح سياسات الإدماج، وإذا لم تُعالج هذه الفجوات بشكل عاجل، فقد تتعمق الانقسامات الاجتماعية ويستغل الوضع سياسيا من قبل التيارات المتطرفة.
واختتمت الدراسة بالتأكيد على أن مستقبل ألمانيا كدولة منفتحة ومحتوية للاجئين يعتمد على مدى استجابة السلطات لهذه التحولات الاجتماعية والسياسية، بما يتطلب العمل بهدوء وشفافية وحزم لضمان اندماج فعّال ومستدام للاجئين في المجتمع الألماني.