ترك الطب وتوجه إلى الموسيقى.. “وسيم مقداد” يعيد الطرب الأصيل إلى مسارح أوروبا
خلدون المزعل : ألمانيا
ترك مهنة الطب وتوجه إلى الموسيقى التي تعلمها في سن الرابعة وتربى على أنغام عظماء الموسيقى الشرقية الكلاسيكية “أم كلثوم و عبد الوهاب ورياض السنباطي”.
ابن السلمية، “وسيم مقداد” وبعد أربع سنوات من قدومه إلى ألمانيا بات يعزف على آلة العود على أهم المسارح الأوربية.
”أخبار العرب في أوروبا” التقت “وسيم مقداد” فروى قصته: “درست الطب بسبب الضغط الاجتماعي ورغبة الأهل، ولكني في العام 2008 اتخذت خياري الشخصي ودرست في المعهد العالي للموسيقى في دمشق، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الموسيقى مهنتي والطب هوايتي، واليوم ينقسم مشروعي الموسيقي إلى جانبين، الجانب الأكاديمي فأنا أتابع دراستي في علوم الموسيقى والميديا في جامعة هومبولدت في برلين، أما الجانب العملي فأركز فيه على تقديم الموسيقى الكلاسيكية العربية على مسارح برلين مع فرقة (حسام العلي) من خلال أغاني عظماء الفن العربي الأصيل كأم كلثوم – عبد الوهاب – وعبد الحليم – بليغ حمدي”.
يضيف وسيم” تأسست فرقة (حسام العلي) في العام 2017, وهي مشروع جماعي يضم ثمانية موسيقيين من جنسيات مختلفة (سوريا وألمانيا واليابان وإيطاليا وروسيا)، ونهدف من خلاله إلى نقل الموسيقى العربية الكلاسيكية وتعريف المحيط الأوروبي بها، ويجمعنا حب الموسيقى العربية الكلاسيكية التي نحافظ على طابعها بدون أي إضافات”.
ثقافات متنوعة..
وعن مشاريعه الأخرى يوضح “مقداد”: “أعمل لدمج الثقافة العربية بالثقافات الموجودة في أوروبا، والآن أعمل لاصدار ألبوم مع فرقة رباعي برلين الشرقي (Berlin Oriental Quartet) نقدم من خلالها الموسيقى الكلاسيكية العربية مع الشرقية الممزوجة بأدوات موسيقية أخرى (الروك والبلوز) وتجمع (العود و الكمان والايقاع و كونتراباس)، ونعزف الأغاني من مختلف الثقافات والمشارب من اليونان إلى إيران ومصر وتركيا وسوريا، كما أني قدمت موسيقى لفلم وثائقي يوناني – فرنسي مشترك اسمه (لا تدعوني بالغريب)”.
ويتابع “مقداد”: “العود هو جزء من ثقافتنا وموجود في أوروبا سابقاً، ولكن بسبب قدوم السوريين وغيرهم إلى أوروبا بدأت الثقافة الشرقية تدخل إلى المسارح والمنصات الاعلامية و الثقافية، فالموسيقى الشرقية بدأت تتفاعل مع هذا المشهد الثقافي الفني الأوروبي عموماً وفي برلين خصوصاً، فآلة العود تقدم موسيقى الطرب ولكنها تستطيع أن تقدم أنواعا موسيقية أخرى، والآن أسعى لإنجاز مشروع ثلاثي “لاولو” LauLu)) نقدم فيه موسيقى فنلندية من خلال آلة العود وآلات غربية أخرى”.
عزف “مقداد” في العديد من المسارح الأوربية (السويد – فرنسا – تشيك – الدنمارك)، ولكن تميزت العاصمة الألمانية برلين بطابعها الخاص وجمهورها ويقول: “تطورت برلين لتصبح مدينة كونية تلتقي فيها المجتمعات والثقافات المتنوعة، وأثبت الجمهور البرليني أنه منفتح ويحترم ثقافة الآخرين ويرغب بالتعرف عليها، كما أن الجمهور الألماني يهتم بأخذ المنتج الفني بشكل محترم وطريقة متوازنة ومنفتحة، ودائماَ الفنان يتعلم من ردة فعل الجمهور الذي يعتبر عاملاً أساسياً بتطوير الفن، والدليل على ذلك أن الموسيقي الكلاسيكية العربية بدأت تنتشر وتحجز لها مكاناً كبيراً يزداد يوماَ بعد يوم، فهي ليست طارئة على المشهد الفني الثقافي الأوروبي”.
لغة مشتركة..
تنوعت مشاريع “وسيم مقداد” لتكون الموسيقى أحد أدوات محاربة العنصرية ودعم الاندماج، وفي هذا السياق يوضح: ”تعتمد العنصرية على إلغاء ثقافة الآخرين، والموسيقى أحدى الأدوات المهمة التي نستطيع من خلالها التعارف وتعريف الآخرين بثقافتنا والثقافات الأخرى، فكل الثقافات تملك قيمة أخلاقية مشتركة والتفاعل بينها يعطي تنوعا ويضفي جمالاً على المنتج الفني، فالانفتاح ضرورة ولاسيما أن الحدود بدأت تفقد قيمتها من خلال التطور التكنولوجي، والدول جميعها بدأت تتأثر في هذه الموجة المستدامة وتهتم في تقديم منتجات ثقافية من مشارب مختلفة ومتنوعة”.
يضيف “مقداد”: “شاركت في مشروع مع “أوركسترا برلين فيلهارموني”( Berliner Philharmoniker) يعتمد على لغة الموسيقى في مدارس برلين، وذلك لدمج أطفال المهاجرين و الألمان، حيث تكون الموسيقى لغة مشتركة تساعدهم للتعرف على باقي الثقافات رغم عدم امتلاكهم امكانيات لغوية مشتركة”.
وعن دور المرأة في الوسط الموسيقي يقول الموسيقي السوري: “لم تأخذ المرأة المساحة الكافية في المشهد الموسيقي العربي والألماني، وذلك لأسباب بنيوية وخلل اجتماعي، ويسيطر الذكور على هذا الوسط، وكان لي تجربة ومشاركة لدعم (كورال حنين ) وهو مشروع سوري يقوم عليه نساء سوريات لاجئات بعيدات كل البعد عن الموسيقى، ولكن استطاعوا أن يعطوا صورة حقيقية عن الثقافة السورية من خلال الموسيقى وأغاني التراث السوري للمجتمع الألماني، واليوم تحول إلى مشروع نسائي خالص “.
جسر ثقافي..
يرى “مقداد” أن المشهد الثقافي العربي في أوروبا متنوع وقديم، وبات اليوم أكثر تطورا فعلى سبيل المثال في تسعينات القرن الماضي لم يكن في برلين سوى عازفين أوثلاثة يعزفون على آلة العود، أما اليوم فهناك أكثر من 25 عازفاً في المحيط الذي أعرفه، وذلك يعود لكثرة الطلب، وبالتالي المنافسة لا تكون بالمعنى السلبي، فالفرص متاحة للجميع، كما أن الموسيقى الاستهلاكية موجودة ولكنها لا تستمر لأن خيارات المسرح أوسع وتختلف كثيراً عن الخيارات التي تفرضها الشركات الكبرى من خلال وسائل الإعلام والتواصل”.
وحول النشاطات المقبلة: يقول “وسيم مقداد”: “أشارك في عمل مسرحي مع مسرح مكسيم غوركي تحت عنوان ليلة لشبونة ( Die Nacht von Lissabon)،كموسيقي وممثل في نفس الوقت، والمسرحية تصور مرحلة وواقع لجوء الألمان خلال الحرب الثانية مع محاكاة ونقل واقع اللاجئين الذين وصلوا إلى أوروبا بعد العام 2015”.
ويضيف: “علينا أن ننظر إلى ماضينا بفخر، فنحن نملك منتجات ثقافية وأديبة وفنية وموسيقية وصلت إلى العالمية أمثال محمود دوريش وأم كلثوم وأسمهان وعبد الحليم وغيرهم..، و لذا يجب أن نتفاعل مع ماضينا والثقافات الجديدة التي أصبحنا جزءً منها، ونركز على (الفنون البصرية والسمعية والطبخ) لأنها من أهم جسور التواصل والتأثير على الثقافات الأخرى، فجميع أنواع فنون الأداء في حالة تتطور مستمر ولا تحتاج إلى ترجمة”.
ويختم “مقداد”: “أتمنى أن نجد طريقة لبناء مشاريع فنية مشتركة مع الموسيقين العرب المتواجدين في مختلف دول أوروبا، لنستطيع أن نقدم منتج ثقافي وفني عابر للجغرافيا ضمن إطار جامع يقوم على التعاون”.