أخبار العرب في أوروبا
تثير أرقام جائحة كورونا التي أودت بحياة نحو60 ألف شخص وأكثر من 700 ألف إصابة في أوروبا حتى اليوم الخميس، قلق الأوروبيين على مستقبل اقتصاد القارة العجوز خلال الفترة المقبلة، لاسيما أن جميع المؤشرات عن قرب انهاء الإغلاق كلياً لايزال بعيداً.
وخلال الأيام الماضية، أصدرت مؤسسات اقتصادية وبنوك مركزية ومسؤولون حكوميون في أوروبا، توقعات اقتصادية قاتمة للاقتصادات الأوروبية الكبرى، مثل ألمانيا وفرنسا.
أمس الأربعاء، توقعت المعاهد الاقتصادية الرائدة في ألمانيا أن الناتج الاقتصادي لألمانيا، المحرك الرئيسي للنمو في أوروبا، من المرجح أن ينكمش بنسبة 4.2 %في عام 2020 بسبب تأثير كورونا.
هذه التوقعات شارك في إصدارها المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية و”معهد إيفو”، و”معهد كيل”، و”معهد هالي” للبحوث الاقتصادية، و”أر دبليو أي إيسين”.
وبحسب التوقعات، من المرجح أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 1.9 % في الربع الأول ثم 9.8 % في الربع الثاني.
ووفق المعاهد الاقتصادية الألمانية، فإن معدل البطالة في البلاد نتيجة للمرض سيرتفع إلى 5.9 % “في ذروته” في عام 2020، على أن تنتهي ألمانيا بـ”عجز قياسي” يبلغ 159 مليار يورو هذا العام، مقارنة برصيد إيجابي قدره 45.3 مليار يورو في 2019.
أما في فرنسا المجاورة، فأعلن البنك المركزي أن اقتصاد البلاد انكمش بنسبة 6 % في الربع الأول من العام، وهو أسوأ أداء له منذ عام 1945أي عقب الحرب العالمية الثانية، مرجعاً السبب وراء ذلك إلى الركود في الصناعة وأنشطة الخدمات واضطراب السوق المالية الناجم عن وباء كورونا.
وكان البنك قد قدر في السابق نموا بنسبة 0.1 %في الفترة من كانون الثاني/ يناير إلى آذار مارس من هذا العام، مشيرا إلى أن الإغلاق لمدة أسبوعين يؤدي إلى خسارة 1.5 بالمائة في الناتج المحلي الإجمالي.
وأظهر تقرير للبنك، بناء على مقابلات مع 8500 من قادة الأعمال في الفترة من 27 آذار/مارس إلى 3 نيسان /أبريل، أن النشاط الاقتصادي الفرنسي انخفض بنسبة 32 %بسبب الإغلاق.
تجنب فشل جديد
وعلى وقع القلق الأوروبي وتوقعات الانكماش وزيادة البطالة، فشل وزراء مالية دول الاتحاد، الثلاثاء، في الاتفاق على خطة إنعاش لما بعد تفشي فايروس كورونا
ودعا وزير الاقتصاد الإيطالي “روبرتو غوالتييري” إلى “التضامن والخيارات الشجاعة والمشتركة”، تمسكت ألمانيا وهولندا برفضهما إصدار سندات ديون عامة لامتصاص الصدمة.
ومساء اليوم الخميس، سيحاول وزراء المال الأوروبيون تجنب فشل جديد عبر التفاهم على رد اقتصادي مشترك في مواجهة الفيروس.
وسيهدد فشل جديد وحدة منطقة اليورو ويعيد الكرة إلى ملعب رؤساء الدول والحكومات، الذين لم يتمكنوا هم أيضاً من التوافق خلال قمتهم الاخيرة في 26 الشهر الماضي، ما أكد الشرخ الهائل بين دول الشمال وبلدان الجنوب.
وحذر وزير المال الفرنسي “برونو لومير” قبل المؤتمر الذي سيعقد بالفيديو من أن “الإخفاق غير مطروح”. ويمكن أن يستمر الاجتماع خلال جزء من الليل، إذا لم تتغير مواقف الدول ولا سيما هولندا”.
ويقترح الوزراء أن تكون “الآلية الأوروبية للاستقرار” التي أنشئت في 2012 خلال أزمة الدين وتمولها الدول الأعضاء، قادرة على إقراض البلدان بنسبة 2 % من إجمالي ناتجها الداخلي، أي ما يساوي 240 مليار يورو لمجمل منطقة اليورو.
لكن إيطاليا، الدولة الأوروبية الأكثر تضرراً بالوباء، تطالب بالحصول على هذه القروض بلا مقابل، خلافاً لموقف هولندا.
وكانت الدول الأعضاء قد حملت بالإجماع هولندا، أمس الأربعاء، مسؤولية عرقلة أي اتفاق بسبب تصلبها، ووصل الأمر بالرئاسة الفرنسية إلى إدانة هذا الموقف، معتبرة أن التعطيل “غير مثمر وغير مفهوم ولا يمكن أن يستمر”.
وتأخذ الدول الأعضاء على هولندا عرقلة تفعيل “الآلية الأوروبية للاستقرار” عبر رفض تلبية المطالب الإيطالية بالحصول على قروض يمكن أن يمنحها صندوق الإنقاذ الخاص بمنطقة اليورو للبلدان التي تواجه صعوبات.
لكن وزير المالية الهولندي “فوبكي هوكسترا” اقترح استخدام هذه الميزانية يجب أن يكون “مرفقاً ببعض الشروط”، وهو اقتراح يلقى دعم النمسا والسويد والدنمارك.
وتقول دول الجنوب إن الهولنديين تقدموا بطلبات “مبالغ فيها” وصل بعضها إلى حد المطالبة بإصلاحات مقابل القروض، في حين تشكل فكرة تشارك الديون “خطاً أحمر” لدى برلين وامستردام اللتين ترفضان الانضمام إلى مسار مشترك مع دول الجنوب التي تعاني من مديونية كبيرة وتتهم بالتساهل في إدارتها.
وقال الوزير الألماني أولاف شولتز إن الإنعاش ممكن “بأدوات تقليدية جدا” وموجودة أساسا “مثل ميزانية الاتحاد الأوروبي”.
اقرأ أيضا: ركود عالمي ضخم.. البنك الدولي يستعد لتبعيات كورونا الاقتصادية
في المقابل، أكد رئيس الحكومة الإيطالي “جوزيبي كونتي” في مقابلة مع صحيفة “بيلد” أن “علينا تطوير أدوات للسياسة الميزانية وإيجاد قدرة على التحرك”، مؤكداً أن بلده “لا يطلب من ألمانيا أو هولندا تسديد ديونه”.
ويبدو أن المحورين الآخرين للأوروبيين لمواجهة الوباء يحققان توافقاً أكبر، وهما إحداث صندوق ضمان للبنك الأوروبي للاستثمار يسمح بالإفراج عن مبلغ يصل إلى مئتي مليار يورو للشركات، وضمان بقيمة مئة مليار يورو للمفوضية الأوروبية لدعم الخطط الوطنية للبطالة الجزئية.
وتطالب الدول الأكثر تضرراً بالوباء ، بأن تحصل على تمويل من الدين المشترك بشكل سندات يورو تسمى أيضا “سندات كورونا” (كورونا بوندس).
وفي محاولة لممارسة ضغط على الدول الأعضاء، كتبت رئيسة البنك المركزي الأوروبي “كريستين لاغارد” في مقال في صحيفة “لو موند” الفرنسية، “من الضروري أن يكون شق الميزانية لمواجهة هذه الأزمة قوياً بدرجة كافية في مجمل منطقة اليورو”، وحذرت في حال “إذا لم تنجح كل الدول في استعادة نشاطها، فالبلدان الأخرى ستعاني من آثار ذلك”.