حسام حميدي – أخبار العرب في أوروبا
لا تربط ظاهرة اللجوء إلى أوروبا بتغيير البلد ومقر الإقامة والمحيط الاجتماعي فحسب، وإنما ترتبط أيضاً في كثيرٍ من الحالات بتغييرات جذرية في حاضر الإنسان ومستقبله، وفقاً لما يؤكده، الشاب السوري اللاجئ في ألمانيا، “أحمد العلي”، الذي يقف بعد 5 سنوات من الإقامة في ألمانيا، أمام مفترق طرق يلغي 20 سنة سابقة ليبدأ مرحلة مهنية جديدة.
سردا لملخص حياته السابقة، كما يصفها، يقول “العلي”: “درست تخصص الكيمياء في سوريا، وتخرجت منه، بدأت العمل في مجالي، إلا أنني اضطررت كغيري من السوريين إلى اللجوء ووصلت إلى ألمانيا عام 2015، حاولت في البداية أن أتابع طريقي المهني إلا أنني لم أوفق في ذلك، حتى وصلت بعد عامين إلى قناعة بضرورة خوض دورة التدريب المهني، أو ما يعرف بـ Umschulung، لأبدأ حياة جديدة، نظراً لصعوبة أن أحظى بوظيفة في مجالي”.
تبديل المهن والخيار الصعب
وكانت الإحصائيات الألمانية حتى مطلع عام 2019، قد أظهرت دخول نحو 44000 ألف لاجئ في مجال التدريب المهني، لافتةً إلى معظم تلك المجالات تتركز في قطاعات المطاعم والبناء والنقل.
بداية الحياة الجديدة لم تكن سهلة بقدر ما كانت محيرة وصعبة الخيار، وفقاً لما يرويه “العلي” لأخبار العرب، لافتاً إلى أن عملية اتخاذ القرار حيال المجال الذي سيدخل فيه، استغرقت نحو عام كامل من البحث، نظراً لتعدد المجالات والخيارات، ليستقر به الأمر عند تقنية برمجة الآلات، والتي خاض فيها دورة لمدة عامين.
كما يضيف “العلي”: “ليس من السهل أن تبدأ ببناء عجلة حياتك من الصفر، وانت في منتصف العمر، ولكن في النهاية هذا واقع وكان يتوجب علي أن أتعامل معه، خاصةً وان العمل في بلد كألمانيا يعتبر شيئاً مقدساً، ومفتاح لمستقبلك الجديد وتصحيح لأوضاعك القانونية والحقوقية”، لافتاً إلى أنه اليوم بعد إنهاء تلك الدورة يشعر بنوع من الراحة والسعادة والرضا، خلافاً لشعوره الأول، وأنه حالياً ينتظر فرصة العمل.
عقبات ووثائق غير موجودة
تعليقاً على قصة “العلي”، يوضح “رائد أبو جمرة” العامل في مجال توظيف وإدماج اللاجئين، أن مشكلة العمل ضمن الاختصاص بالنسبة للاجئين، تعتبر قضية عامة يعاني منها أغلب حاملي الشهادات والتعليم الأكاديمي بشكلٍ خاص، مشيراً إلى ان تلك المشكلة سببها ضعف القدرات اللغوية، خاصةً أن اللغة الألمانية لغة غريبة بالنسبة للاجئين، سواء السوريين أو العراقيين أو بقية الجنسيات الأخرى، خلافاً للإنكليزية والفرنسية، بالإضافة إلى أن الكثير من اللاجئين وتحديداً السوريين جاؤوا إلى ألمانيا دون وثائق تعليمية أو بوثائق منقوصة، وهو ما يحرمهم من فرصة إكمال العمل في تخصصاتهم السابقة.
إلى جانب ذلك، يلفت “أبو جمرة” إلى أن خيار التدريب المهني لا يزال غير واضح بالنسبة للكثير من اللاجئين، ويتعاملون معه على أنه أقل درجة من مستواهم العلمي، مضيفاً: “المستوى التعليمي للكثير من المعاهد المختصة في مجال إعادة التدريب أو التأهيل المهني، مرتفع ومتطور بشكل كبير، وقد لا يكون من المبالغة، إن قلت بأنه بتفوق على المحتوى الموجود في الكثير من الكليات والجامعات في الشرق الأوسط”.
كما يشير “أبو جمرة” إلى أن عملية إعادة الدريب لا تكون متوفرة للجميع، كما يعتقد البعض، وإنما هناك فروع كالمعلوماتية والبرمجيات والتقانة والمحاسبة وغيرها، يحتاج المتقدم إلى خوض امتحانات قبول حتى يتسنى له دخولها وتعلمها، لافتاً إلى ان مدة التدريب قد تصل إلى عامين وأن التكاليف قد تصل إلى 30 ألف يورو للدورة الواحدة ويحصل بعدها على شهادة رسمية ومعترف عليها محلياً ودولياً.
النقطة الأهم في مجال إعادة التدريب، يحصرها “أبو جمرة” بأن الشهادة لا تتوقف عند حد العامين ومستوى التدريب المهني، وإنما تفتح المجال أمام اللاجئ أو المتدرب للمزيد من التدريب ورفع مستو الشهادة من خلال الدورات التطويرية أو ما يعرف محليا بـ Meister، لافتاً إلى أن ذلك التطوير يرفع من الدرجة الوظيفية والأجر الشهري كلما ارتفع مستوى الشهادة، التي يحصل عليها المتدرب.
اسأل مجرب..
ابتعاد الكثير من اللاجئين عن فكرة خوض إعادة التدريب المهني، ترجعها الشابة “انتصار” إلى عوامل نفسية، كون أن الكثير يستصعب فكرة أن يعود من البداية، لافتةً إلى أنها كانت من بين الذين خاضوا التدريب المهني، في مجال برمجة الحاسوب، وانها تعمل اليوم في ذلك المجال.
تقول “انتصار” اللاجئة في ألمانيا: “لحظة استلام الشهادة وانهاء التدريب ولحظة توقيعي لعقد العمل، كانت لحظة ولادة جديدة صعب أن أصفها، نعم كنت ممن عانوا من فكرة بناء المستقبل من جديد والتخلي عن طريق رسمته لسنوات طويلة بعد عجزي عن إمكال تعليمي في مجال الهندسة، ولكن ذلك كان يتلاشى بشكل تدريجي مع تقدمي في الدورة”، لافتةً إلى أن الأمر لم يكن وردياً تماماً وأنها كانت تمر في بعض لحظات الإحباط، ولكن المهم كان في النتيجة التي وصلت إليها، على حد قولها.
تلك النظرة وحالة المقارنات بين مجالات العمل، تعتبرها “انتصار” عقبات تسد الطرقات المفتوحة في وجه اللاجئين، لافتةً إلى أن المجتمع الألماني لا ينظر ولا يميز بين مجالات العمل، كالطب او الهندسة أو المهن الحرفية، وإنما يقيم الإنسان بناء على نجاحه في عمله وعلى ما يضيفه من خبرات إلى حياته المهنية بغض النظر عن المجال.