أخبار العرب في أوروبا – محمد الأسعد
خلافاً للمتعارف عليه عالمياً، تكشف إحصائيات ألمانية أن 20 بالمئة من ضحايا العنف الأسري في البلاد هم من الرجال، لافتةً إلى أن تلك الشريحة لا تزال تعاني من الإهمال بسبب عدم توفر عروض المساعدة لهم.
ويعتبر العنف الأسري في ألمانيا من أعلى معدلات العنف المرتكب سنوياً على مستوى العالم، اذ بلغ حجم جرائم العنف الأسري في البلاد خلال العام 2018، 141 آلف حالة.
تتناول الإحصائيات تجارب بعض الرجال، الذين عانوا من الاضطهاد الأسري، ويؤكد أحدهم أنه عانى من اضطهاد صديقته له خلال علاقتهما، مشيراً إلى أنه “تحول مع الوقت إلى خادم لها، وأنها كانت توجه له ضرباً مبرحاً، تسبب له في بعض المرات بكسور في العظام”.
سطوة على الحياة الخاصة
كما يوضح الشاب أن صديقته باتت تسيطر على مختلف نواحي حياته، بما فيها علاقته الاجتماعية وصلاته مع الآخرين، لافتاً إلى ان آثار العنف كان تظهر بشكل واضح عليه، خاصة بالنسبة لعائلتيهما والأصدقاء المقربين.
في السياق ذاته، تشير الإحصائيات إلى أنه تم تسجيل 26000 حالة عنف ضد الرجال رسميًا في ألمانيا خلال عام واحد، لافتةً إلى أن المعدلات آخذة في الارتفاع.
تحليلاً لظاهرة عنف المرأة ضد الرجل، تقول الباحثة الاجتماعية، “فتيحة الميرغني” لـ”أخبار العرب في أوروبا”: إن “آثار التسلط والسطوة لدى المرأة تحديداً تظهر بشكل جلي، نتيجة تاريخ سابق من العنف والجفاف العاطفي، التي قد تكون تعرضت لها في صغرها”، موضحةً: أن “بعض النساء إما أن يكن ضحايا مباشرين للعنف من قبل الأب أو الأم، أو أنهن كن شهود على تعرض أحد الأبوين للعنف من قبل الآخر، وهو ما ينعكس غالباً على تصرفاتهم المستقبلية مع الشريك تحديداً”.
اقرأ أيضا: تريد أن تصبح “أوروبية” ويبقى زوجها “شرقي”.. تكاليف الزواج من المانية أقل بنسبة 50 بالمئة
وتشير “الميرغني” إلى أن ضحايا العنف المباشرين وغير المباشرين، لا يتساوون في رد الفعل، بالأخص عند النساء، والبعض منهن يميل إلى الاستكانة والمضي أكثر في دور الضحية، في حين أن البعض الآخر يكن أكثر عدوانية ويملن إلى ممارسة العنف كتعويض عن شعورهن بأنهن ضحايا وضعيفات.
ظلم وقهر ودعم غائب
على الرغم مما يتحلى به المجتمع الألماني من قيم المساواة بين الرجل والمرأة، إلا أن الباحثة النفسية “مرام مردم بك” تشير إلى أن الكثير من الرجال المعنفين يشعرون بظلم مضاعف لعدة أسباب، أولها أن قلة من الناس تصدق أو تقتنع أو تتعاطف مع رجل يشكوا تعرضه للعنف من قبل زوجته، مشيرةً إلى أن المجتمع الأوروبي أيضاً يملك نظرة سلبية نسبياً لمثل هذا الرجل.
ويتصاعد الظلم لدى الرجال، بحسب “مردم بك” مع تحميلهم مسؤولية ما يقع عليهم من عنف، على اعتبار أنه الأقوى جسدياً والأقدر على الدفاع عن نفسه من ظلم واضطهاد المرأة، لافتاً إلى أن القضية هنا لا ترتبط بالقوة الجسدية أو العضلية بقدر ارتباطها بظواهر نفسية واجتماعية.
اقرأ أيضا: فرنسا تسمح باستخدام أساور إلكترونية لمراقبة الرجال العنيفين مع المرأة
وفقاً للقانون الألماني، فالعنف لا يصنف على أساس اجتماعي، وإنما على أساس جنائي، اذ ينظر إلى العنف والعقوبة الصادرة عنه بحسب حجم الأذى والأسلوب الذي تمت ممارسته فيه، بفض النظر عن جنس الجاني والضحية أو صلة العلاقة بينهما.
ومن الناحية القانونية، يشدد الخبير القانوني، “فادي نجار” أن القانون لا يميز بين الضحايا وأن الرجل في حال توجهه إلى المحكمة أو الشرطة، فإنه ينال حقه وتعاقب الشريكة أو الزوجة بالعقوبة المحددة ضد المعتدين، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن عدد قليل جداً من الرجال يتوجهون إلى القضاء أو الشرطة لحل تلك المشكلات، وهو ما يساهم في بقاء ظاهرة العنف ضد الرجل مكتومة وغير ظاهرة، على خلاف العنف ضد المرأة، على حد قوله.
ليسوا كلهم ألمان
الباحثة “مردم بك” تنفي من جهتها ارتباط العنف ضد الزوج بالعائلات الألمانية أو الأوروبية، نظراً لحالة التقدم القانوني في مجال حقوق المرأة، مشيرةً إلى أن المجتمع الشرقي أيضاً كان يضم العديد من الحالات، التي يمكن تصنيفها اجتماعياً على انها عنف ضد الرجل.
إلى جانب ذلك، توضح “مردم بك” أن عبارة العنف ضد الرجل لا تعني فقط تعرضه للأذى الجسدي، وإنما تمتد أيضاً إلى العنف اللفظي أو المعنوي، لافتةً إلى أن طبيعة المجتمع الشرقي وشكل تفكيره ونظرته إلى العنف على أنه الحاق الأذى المادي والملموس، أمر خاطئ تماماً من الناحية العلمية والقانونية.
وتؤكد “مردم بك” أنها من خلال عملها كناشطة اجتماعية وباحثة في قضايا الأسرة، لاحظة وجود شريحة كبيرة من الرجال الشرقيين في المجتمع الألماني يعانون من العنف الأسري، لكنهم يفضلون التستر على الأمر بسبب نظرة الآخرين لهم.