أخبار العرب في أوروبا – محمد الجاسم
على الرغم من مرور سنوات على وجودهم فيها، واطلاعهم على القوانين الألمانية، التي تمنع كافة أشكال التمييز العنصري، إلا أن حالة من القلق لا تزال تخيم على أوساط المهاجرين في ألمانيا.
المبعث الأساسي لحالة القلق تلك، يردها عدد من المهاجرين إلى وقوع بعض حالات التمييز العنصري من قبل الشرطة الألمانية، ولاسيما خلال إجراءات التحقق من الهويات، لافتين إلى أن تلك المخاوف تتصاعد عند أصحاب البشرة السمراء وأصحاب الملامح شرق الأوسطية أكثر من غيرهم.
فترة مظلمة تغذي المخاوف
في سياق تناوله لأسباب القلق من التعرض لممارسات عنيفة أو عنصرية من قبل الشرطة الألمانية، يشير اللاجئ “محمد” المقيم في ولاية سار بروكن، لأخبار العرب، أن ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي حول تعرض اللاجئين أو المهاجرين إلى مواقف عنيفة من قبل عناصر شرطة، ساهم في تنامي شعور القلق بداخله، لافتاً إلى أن الفترة الماضية، شهدت نشر الكثير من الفيديوهات، التي تناولت عنف الشرطة تجاه الأجانب.
إلى جانب ذلك، يؤكد “محمد” أن إعلان السلطات الألمانية عن اعتقال مجموعة من عناصر شرطة مدينة إيسن، في ولاية شمال الراين، قبل أسابيع قليلة، كان له أيضاً دوراً في تعميق ذلك الإحساس بداخله، موضحاً: “بت أتحاشى الوقوع في أي موقف قد يجعلني واحداً من ضحايا تلك العمليات، لذا لا أخرج من المنزل إلا بعد التأكد من أن كافة أوراقي الثبوتية بحوزتي، كما أنني أخذت قراراً بعدم الاصطدام مع الشرطة أو التلاسن مع عناصرها تحت أي ظرف من الظروف”.
وكانت الشرطة الألمانية قد أعلنت في آب الماضي، اعتقال مجموعة من عناصر الشرطة في مدينة إيسن، والذين اتهموا بتبني ميول يمينية خلال أدائهم لعملهم الرسمي ومعاملتهم لبعض الأجانب بشكل عنصري.
تعليقاً على ظاهرة عنف بعض عناصر الشرطة ألمانيا، تعتبر الخبيرة الاجتماعية، “فطمة بو مرزوق” أن الفترة الماضية، كانت فترة مظلمة في تاريخ ألمانيا، بعد الكشف عن سلسلة خلايا يمينية ضمن مؤسسات الدولة، منذ مطلع العام الجاري، لافتةً إلى أن حالة القلق لدى المهاجرين تعتبر حالة طبيعية نتيجة ما يتم تداوله من مقاطع فيديو توثيقية لحالات عنف.
كما تعتبر “بومرزوق” أن تصاعد تلك الميول لدى عناصر الأمن، يمكن أن يعكس حالة مشابهة في المجتمع الألماني ككل، وظهور المزيد من التيارات العنصرية، التي تغذي الكراهية وتشجع على العنف.
شهود وضحايا
تصاعد العنف لدى الشرطة الألمانية لم يقتصر بحسب ما يؤكده الصحفي السوري، “بشير خصاونة، على تنفيذ اعتداءات على الضحايا فقط وإنما في بعض المرات يشمل أيضاً الشهود على تلك الحالات، لافتاً إلى أنه كان أحد أولائك الشهود.
ويوضح “الخصاونة” لأخبار العرب: “في إحدى المرات في شارع حاولت أن أوثق حالة اعتداء للشرطة على شخص من ذوي البشرة السمراء، فما كان من الشرطة إلا أن هاجمتني وانتزعت هاتفي الجوال، ما أدى إلى إصابتي بكسر حلزوني بيدي اليسرى أثناء مهاجمتهم لي”، لافتاً إلى أنه تم نقله لاحقاً إلى المستشفى وإجراء العلاج اللازمة له.
كما يشير “الخصاونة”، إلى أنه رفع دعوى أمام القضاء الألماني على خلفية الحادثة، إلا أنه تم رفضها لاحقاً من قبل المدعي العام، مشيراً إلى أن الحادثة بكامل تفصيلها تشير إلى اتجاه عنصري، لا سيما وأنه كشاهد والضحية كانا أصحاب ملامح أجنبية وسمراء.
ظواهر فردية..
على الرغم من تصاعدها خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن الناشط الحقوقي “رامي حيدر”، يؤكد على أن عمليات التمييز خلال التحقق من الهويات بين الألمان والأجانب، لا ينظر لها من وجهة نظر الشرطة على أنها إجراءات عنصرية، بقدر ما ينظر لها على أنها إجراءات أمنية مشددة، لافتاً إلى أن الخطر أو التهديد بالنسبة للشرطة، غالباً ما يأتي من جهة المهاجرين والأجانب، ما يدفهم إلى مزيد من إجراءات التحقق، عل حد قوله.
أما عن أحداث العنف، فيعتبر “حيدر” أنها مجرد أعمال فردية يقدم عليها أفراد من الشرطة ولا يمكن تسميتها كظاهرة، مشيراً إلى أن المشكلة تتفاقم عند رفض الكثير من المهاجرين التقدم بشكاوى ضد أي إجراء تعرضون له من قبل الشرطة، الأمر الذي يشجع بعض عناصر على استخدام العنف في بعض المواقف، حتى وإن كان غير مبرراً.
وكان ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، قد تداولوا خلال الأشهر الماضية سلسلة فيديوها تظهر تعرض أجانب من جنسيات مختلفة للعنف أثناء توقيفهم من قبل عناصر الشرطة.
في السياق ذاته، يشير “حيدر” إلى أن الدراسات الجنائية الألمانية، أشارت إلى أن ارتفاع الميول اليمينية لدى عناصر الأمن، أكبر من المتوقع، إلا أنها على الرغم من ذلك لا تزال في سياق الحالات الفردية والمحدودة والقابلة للسيطرة لا سيما في ظل تشدد القانون الألماني مع تلك الحوادث، على حد قوله، لافتاً إلى أن تركيز الشرطة على إجراءات التدقيق بحق أصحاب الملامح الأجنبية يربط بارتفاع معدلات الجرائم أو الاعتداءات، التي نفذها أجانب في عدة دول أوروبية بالإضافة إلى ألمانيا.
أبرياء يتحملون أثم الآخرين
عدم قدرة أفراد الشرطة على التمييز بين انتماءات الاجانب وقناعاتهم وحتى الدول، التي ينحدرون منها، جعلت الكثير من منهم يتحملون إثم الجرائم، التي ارتكبها لاجئون أو أجانب داخل أوروبا، سواء أكانت جرائمة جنائية أو إرهابية، على حد قول الباحث الاجتماعي “مراد أونيسال”، موضحاً: “هنا لا أبرر تلك الظواهر بقدر الوقوف على جانب من أسبابتها”.
كما يوضح “أونيسال” أن تصاعد حوادث التوتر مؤخراً في عدة دول أوروبية كفرنسا والنمسا، قد تؤدي إلى المزيد من الممارسات العنيفة لدى الشرطة خلال الفترة القادمة، مشيراً إلى أن عدد كبير من عناصر الشرطة أيضاً بات ينتابهم قلق وخوف من أي تصرفات مريبة قد تصر من أحد الأجانب، حتى وإن كانت عفوية ولا ترتبط بنية لارتكاب أي فعل.
في السياق ذاته، لا يستبعد “أونيسال” دور انتشار التوجهات اليمينية في عدة مناطق داخل البلاد، في ارتفاع معدلات اليمينية أو العنصرية لدى الشرطة، لافتاً إلى عناصر الشرطة في نهاية المطاف هم جزء من المجتمع.
يشار إلى أن الحكومة الألمانية قد أعلنت خلال الأشهر الماضية، عن حلها لسرية في الجيش الألماني، بسبب احتفالٍ بطقوس يمينية أجروه أثناء احتفالهم بانتهاء خدمة أحد الضباط في السرية.