أخبار العرب في أوروبا – متابعات
مع وداع عام 2022 فإن هذا العام كما سابقه كان صعبا على اللاجئين والمهاجرين خلال رحلة الوصول بحرا أو برا إلى “الحلم الأوروبي”، في وقت تدفق فيه الملايين من اللاجئين الأوكرانين بعد غزو روسيا للبلاد، ما زاد الضغوط على دول الاتحاد الأوروبي التي بدأت تعاني من تضخم كبير وتراجع القدرة الشرائية، وسط تقارير تؤكد وجود انتهاكات ضد اللاجئين من قبل دول ووكالات أوروبية.
وشهد هذا العام زيادة في تدفق اللاجئين في العالم وهو ما تُثبته إحصاءات المفوضية الدولية للاجئين، التي قدّرت بأن نحو 26.67 مليون شخص أُجبروا على النزوح من بلدانهم خلال النصف الأول من السنة، أي بزيادة 5.34 مليون لاجئ عن السنة الماضية. ليبلغ إجمالي تعداد اللاجئين والمُهجَّرين داخليا في العالم اليوم نحو 103 مليون شخص، هذا ما يعني أن العام 2022 يمكن تسميته بـ “سنة اللجوء “
ومنذ العام 2015 لازال اللاجئون من سوريا يتصدّرون إحصاءات المفوضية، حيث نزح منها ما يعادل 6.8 مليون شخص في 2022، تليها فنزويلا بـ5.6 مليون شخص، ثم أوكرانيا بـ5.4 مليون شخص.
وبقيت أوروبا نقطة الوصول المأمولة لهؤلاء الأشخاص، حيث سجّلت لغاية شهر سبتمبر/أيلول نحو 500 ألف طلب لجوء جديد، وفق وكالة الإحصاء الأوروبية “أوروستات”.
في المقابل، ومع هذه الزيادة الكبيرة لأعداد اللاجئين، فقد شهدت هذه السنة زيادة أيضا في معاناتهم. حيث استمر قمعهم وتعنيفم على الحدود الأوروبية، بل وقتلهم بإعادتهم للبحر من الشرطة اليونانية وأفراد وكالة الحدود الأوروبية “فرونتكس”، فضلا عن انتهاكات مستمرة من قبل السلطات التركية التي وصلت حد التعذيب والترحيل لاسباب وصفت بـ”التافهة”.
يُضاف إلى كل هذا استمرار الخطاب العدواني والتحريضي ضده كل المهاجرين واللاجئين في تركيا، كذلك إصدار القوانين الجديدة للتضييق عليهم وتسهيل عمليات ترحيلهم.
حلم وموت ..
رغم وفاة الآلاف في عرض البحر والمئات في الغابات خلال محاولتهم الوصول إلى أوروبا خلال 2021، إلا أن كل هذا لم يؤثر على استمرار تدفق اللاجئين والمهاجرين، ولعل زيادة الفقر واستمرار الصراعات وزياد معدل الفقر وغياب أي أمل في الآفق هو ما دفع المزيد من الشباب لركوب البحر أو للسير في الغابات برا للوصول إلى دول أوروبا الغنية، على أمل أن يتغير الحال نحو الأفضل.
لكن الكثير من هؤلاء فقدوا حياتهم قبل أن يروا الأرض الأوروبية الغنية، وبقيوا مجرد أرقام ضمن سجلات المنظمات الدولية.
كذلك، فإن السواحل الليبية والتونسية استمرت المُنطلق الأول للمهاجرين الذين يحاولون الوصول نحو إيطاليا وبالتالي دول أوروبا.
أيضا فإن 2022 شهد زيادة في تدفق قوارب المهاجرين المنطلقة من الجزائر نحو إسبانيا، إضافة لقوارب خرجت من سواحل الجارة المغرب سواء للبر الإسباني أو نحو جزر الكناري الإسبانية في المحيط الأطلسي، حيث تعد الأخيرة من بين أخطر رحلات المهاجرين وشهد هذا المسار وفاة وفقدان المئات من المهاجرين سواء من المغاربة أنفسهم أو من دول جنوب الصحراء الذين اختاروا السواحل المغربية منطلقا لرحلتهم الخطيرة.
وحاول المهاجرون بشتى السبل الوصول إلى أي أرض تابعة لأوروبا حتى لو كانت في أفريقيا نفسها، ونقصد هنا جيبي مليلية وسبتة التابعتين للسيادة الإسبانية في شمال المغرب، التي شهدت هي الأخرى زيادة كبيرة في الوصول إلى المدينتين رغم السياج المراقب والشائك والعالي، حيث حدث مأساة في يونيو/حزيران 2021 عندما حاول ألفي مهاجر عبور السياج نحو ميليلة ما تسبب بمقتل 77 مهاجرا بسبب قوات الأمن المغربية وكذلك الأسبانية، وفق ما أكدته تحقيقات الأمم المتحدة.
وفي الشرق حيث دفع الفقر والانهيار الاقتصادي اللبنانيين وكذلك السوريين إلى المجازفة في رحلة طويلة من سواحل لبنان حتى إيطاليا، وهي رحلة وصفت بأنها الأخطر من بين جميع المسارات البحرية نحو أوروبا، لاسيما أن المسافة طويلة والكثير منهم توفي جوعا وعطشا وهو فوق مياه البحر، فضلا عن وفاة وفقدان مئات آخرين في عرض البحر بعد تعطل القارب في الرحلة الطويلة.
فرونتكس تنتهك حقوق اللاجئين
ورغم أن اتهامات كثيرة وجهت إلى وكالة الحدود الأوروبية “فرونتكس” عن وجود انتهاكات ضد اللاجئين من قبل الوكالة، لكن التقرير الأخير الصادر في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2022، عن المنظمة الحقوقية الدولية غير الحكومية “هيومن رايتس ووتش” قد وضع الوكالة تحت المجهر من جديد.
تقول رايتس ووتش إن “فرونتكس” سهلت عودة المهاجرين عبر البحر إلى ليبيا قسرا بدلا من أن تنقذهم منظمات غير حكومية أو سفن عابرة كانت ستقلهم إلى أوروبا.
وقالت “جوديث سندرلاند”، المديرة المشاركة لقسم أوروبا وآسيا الوسطى في رايتس ووتش إن “فرونتكس متواطئة في الانتهاكات” بعد إعادتها المهاجرين إلى ليبيا مع علمها بأنهم يواجهون “معاملة وحشية”.
وذكرت المنظمة الحقوقية في تقرير مشترك لها مع “بوردر فورينزيكس”، وهي منظمة استقصائية، إنهما يدعمان “الاستنتاج بأن نهج وكالة الحدود الأوروبية لا يهدف لإنقاذ الأشخاص المنكوبين، بل لمنعهم من الوصول إلى أراضي الاتحاد الأوروبي”.
وفي حديثهما عن “العلاقة المعتدلة وذات الدلالة الإحصائية” بين رحلات نقل المهاجرين واعتراضها، أفادت المنظمتان بأن “المراقبة الجوية المتزايدة التي تنفذها فرونتكس في وسط البحر المتوسط أدت إلى المزيد من عمليات الاعتراض (لقوارب المهاجرين) من قبل خفر السواحل الليبي”.
كما نشرت وسائل إعلام أوروبية تقرير عن تورط “فرونتكس” في انتهاكات إنسانية ضد اللاجئين في بحر إيجة، كشفت فيه عن مشاركة الوكالة الأوروبية في 222 عملية إبعاد قسري لزوارق اللاجئين على مقربة من الجزر اليونانية، ضمن عمليّة “بوسيدون” التي تقودها بالتعاون مع حرس الحدود اليوناني.
فرونتكس ردت على هذا التقرير في بيان إنها ملزمة قانونا بتنبيه “جميع مراكز الإنقاذ الوطنية” في وسط البحر المتوسط، بما فيها مراكز الإنقاذ الليبية، عندما ترصد إحدى طائراتها أو سفنها زورقا في خطر.
وعلقت فرونتكس على هذه التقارير بأنها “خاطئة تماما”، وأضافت أنها تتواصل مع “جميع مراكز تنسيق الإنقاذ في المنطقة بإيطاليا ومالطا وليبيا وتونس. وعلى عكس ما يذكره (تقرير هيومن رايتس ووتش)، فإن مراكز الإنقاذ الأربعة معترف بها دوليا”.
وأفادت الوكالة الأوروبية بأنها “فخورة بأن طواقمنا ساعدت في إنقاذ أكثر من 300 ألف شخص في البحر في السنوات الأخيرة”.
وعلى الأرض – بحسب المنظمات الحقوقية- لم يكتفِ حرس الحدود اليوناني باعتقال وتعنيف ونزع ملابس اللاجئين الذين يحاولون دخول البلاد، بل سعوا إلى تجنيد بعضهم بشكل قسري للمشاركة في تلك الممارسات.
وأفاد لاجئون سوريين ومغاربة، بأنهم شاركوا تحت الإكراه في عمليات صد على نهر إيفروس، واصفين أنفسهم بأنهم أصبحوا “بمثابة العبيد” في يد سلطات أثينا. إضافة إلى ذلك أكدوا عمليات السرقة والنشل التي تُجريها الشرطة اليونانية بحق طالبي اللجوء على حدودها.
ويمتدّ مسار التعنيف والقمع والملاحقات على طول طريق العبور إلى الدول الأوروبية. وفي شهد سبتمبر/أيلول الماضي قال مهاجر غير نظامي مغربي إنه تعرض للتعنيف والإهانة من حرس الحدود المجري، حيث فتشوا أغراضه وعثروا على آلة حلاقة استخدموها في رسم صليب على رأس المهاجر المسلم.
مواجهة تدفق المهاجرين عبر البلقان
وتزايد عدد الأشخاص الذين حاولوا الوصول إلى أوروبا عبر طريق البلقان، وكان معظمهم من العراقيين و السوريين و الأفغان، وتمكن أكثر من 140 ألف شخص من دخول الاتحاد الأوروبي عبر هذا الطريق عام 2022، بزيادة تجاوزت 150 % مقارنة بالعام السابق.
ووفقا لفرونتكس، ظل الكثير منهم عالقون على الجانب الصربي، وقاموا بمحاولات متكررة لعبور الحدود على الرغم من المعاملة العنيفة الموثقة وردود الفعل السيء الذي أظهرته السلطات.
وفي مواجهة هذا التدفق، اتفق قادة النمسا والمجر وصربيا بعد اجتماع منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي خلال بحث ملف الهجرة غير الشرعية، على اتخاذ إجراءات جديدة للحد من محاولات عبور المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي عبر دول البلقان، لا سيما الحدود الجنوبية لصربيا المشتركة مع مقدونيا الشمالية.
وتعهد الزعماء بفرض المزيد من الرقابة على حدود بلادهم. كما رحب قادة النمسا والمجر بإعلان الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، بدء بلغراد فرض تأشيرات دخول على مواطني تونس وبوروندي، بعد أن كان مواطنو هاتين الدولتين معفون منها، في إشارة واضحة لرضوخ صربيا لضغوطات الاتحاد الأوروبي.
وقال المستشار النمساوي كارل نيهامر بعد توقيع الاتفاق إن الأشخاص الذين يأتون إلى أوروبا “لأسباب اقتصادية”، يجب أن يعاملوا بشكل مختلف عن الذين يصلون إلى أوروبا طلبا للحماية، مضيفا بالقول :“لقد وصلنا إلى النقطة التي تبحث فيها دول الاتحاد الأوروبي بشكل فردي عن أشكال جديدة من الشراكة خارج ما هو ممكن في الاتحاد الأوروبي… لقد فشل نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي”.
كما كشف المستشار النمساوي، عن خطة العمل المشتركة التي ستشمل زيادة التعاون بين النمسا وصربيا على طول الحدود بالإضافة إلى دعم صربيا “بشكل مباشر” في تنفيذ عمليات ترحيل المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، قائلا “سنفعل كل ما هو ضروري، وندعمها ماليا” في برامج الترحيل.
ووفقا لنيهامر فإن النمسا قد يكون لديها أكثر من 100 ألف طلب لجوء بحلول نهاية العام 2022 مقارنة بحوالي 40 ألف شخص تقدموا بطلبات لجوء في عام 2021.
اقرأ أيضا: المجتمع الألماني يشيخ ونقص في الأيدي العاملة.. فما هي الحلول ؟
أما رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان والمعروف بموقفه المناهض للهجرة فأكد على أنه “لا ينبغي إدارة ملف الهجرة بل يجب منعها”.
وأشار أوربان إلى أن بلاده سجلت حوالي 250 ألف محاولة عبور حدودي غير قانوني هذا العام. علما أن السلطات المجرية شيدت منذ العام 2017 سياجا على طول حدودها الممتدة مع صربيا على مدى 175 كيلومترا، مزودا بكاميرات حرارية وأجهزة إنذار.
صعود اليمين وترحيل المهاجرين
وتُعد الهجرة من القضايا السياسية الساخنة في أوروبا، حيث لجأت الحكومات إلى فرض المزيد من السياسات المتشددة في محاولة لوقف تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، في وقت صعد اليمين الرافض للاجئين والمهاجرين إلى سدة الحكم في العديد من الدول الأوروبية كما حصل في إيطاليا والسويد، وتم التجديد للحكومة اليمينية في المجر.
كما شهد العام 2022 صعود الخطاب المعادي للمهاجرين. ففي إيطاليا، استطاع ائتلاف اليمين الفوز بالحكومة، وتوعّدت رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني، في خطابها الأول أمام البرلمان، بوقف عمليات إنقاذ المهاجرين العالقين في البحر بالوقف النهائي، وقالت إن إدارتها لن تسمح للناس بدخول إيطاليا بشكل غير قانوني.
إضافة إلى هذا، عمدت عدّة حكومات أوروبية إلى سنّ قوانين جديدة للتضييق على المهاجرين وترحيلهم. وكان أول من طبّق إجراء الترحيل الجماعي هي بريطانيا، التي تعاقدت حكومتها مع نظيرتها الأوغندية لإنشاء مراكز إيواء للاجئين هناك، حيث سيُنقلون إليها في انتظار البتّ في طلبات لجوئهم.
ومن جانبها، تُخطط الحكومة الفرنسية هي الأخرى لسنّ قانون يُسهّل عملية ترحيل اللاجئين. ووفقا لمسودة أولى، يهدف قانون الهجرة الفرنسي الجديد إلى تضييق الخناق على الهجرة غير النظامية، بتشديد العقوبات على كل من يسهّل بانتظامٍ تهريبَ أو توطين مهاجرين غير نظاميين، برفع عقوبتها إلى السجن 20 عاما.
وستعمد بموجبه إلى توسيع عمليات الترحيل هذه، عبر تقليص عدد قواعد التقاضي للحصول على الإقامة لتشمل أربع حالات فقط، بدل الـ12 المعمول بها حاليا.وسيتسبب هذا التعديل في حرمان نطاق من واسع من المهاجرين غير النظاميين الذين يلجؤون إلى المحكمة لتسوية وضعيتهم.