أخبار العرب في أوروبا – فرنسا
استثمر اليمين واليمين المتطرف في فرنسا الهجوم الذي شنه لاجئ سوري أمس الخميس في مدينة آنسي” شرق البلاد ضد أطفال صغار، للتنديد بـ”نزعة التوحش” الناتجة من “الهجرة الجماعية”، وذلك رغم الدعوات في البلاد لعدم تسييس الحادثة.
ورغم أن الصدمة كبيرة في فرنسا بعد أن قام لاجئ سوري (32عاما) بالهجوم بواسطة سكين على أطفال صغار في متنزه، لكن هذه الصدمة لم تمنع اليمين من توظيفه سياسيا ولم تحدث دقيقة الصمت في الجمعية الوطنية(البرلمان) فور وقوع المأساة الأثر المرجو.
كما يأتي هذا الاستغلال من قبل اليمين بينما لا يزال اثنان من الأطفال الأربعة المصابين في “حالة طوارئ حيوية”(حالة حرجة للغاية) حتى ظهر الجمعة. وكان قد أصيب في الإجمال ستة أشخاص بينهم شخص بالغ.
“بطل حقيبة الظهر”
واليوم الجمعة وضع العديد من الفرنسيين زهورا في الساحة التي استهدف فيها اللاجئ سوري الأطفال. ورغم حالة الصدمة، كانت هناك إشادة واسعة بشاب يقوم بجولة بين كاتدرائيات فرنسا سيرا على الأقدام وتصادف وجوده بالمكان بعدما حاول اعتراض المهاجم ثم طارده.
وأظهر مقطع مصور للهجوم التقطه أحد المارة، المهاجم وهو يقفز من فوق جدار منخفض إلى ساحة لعب للأطفال ويندفع نحو طفل في عربة أطفال بشكل متكرر ويزيح جانبا امرأة تحاول إبعاده.
وأثنت فرنسا على شجاعة “البطل الكاثوليكي” الشاب الذي واجه المهاجم واستخدم حقيبة ظهره كدرع بينما كان يحاول اعتراض المهاجم.
وأطلق الإعلام الفرنسي على الشاب (24 عاما) لقب “بطل حقيبة الظهر”. ويعرّف البطل الذي يدرس علم الإدارة والفلسفة نفسه باسم “هنري” فقط.
وقال هنري في تصريحات صحافية الجمعة: “كل ما أعرفه هو أنني لم أكن هناك بالصدفة… كان من غير المعقول ألا أفعل شيئا… تتبعت حدسي وفعلت ما بوسعي لحماية الضعفاء”.
تفاصيل عن المهاجم السوري
واليوم الجمعة، أعلنت السلطات الفرنسية تمديد توقيف منذ الهجوم الذي يدعى “عبد المسيح”.
ومنذ توقيفه، لم يقدم أي تفسير لدوافعه و”عرقل احتجازه لدى الشرطة” لا سيما من خلال “التدحرج على الأرض”، وفق مصدر مقرب من التحقيق.
وجاء في تغريدة مقتضبة للمدعية العامة لين بونيت ماتيس “مُدّد توقيف المتهم”، في حين أكد مصدر قريب من التحقيق أن حالة الرجل “تسمح باحتجازه” بعد خضوعه لفحص نفسي.
وحتى الآن “لا يوجد دافع إرهابي واضح” للهجوم، بحسب النيابة العامة في أنسي. رغم أن التفسيرات ات الأولية كانت تشير إلى ذلك، لكن بعدما أعلنت الشرطة أن الرجل من مسيحيي الشرق (أي من سوريا)، تغير مسار التحقيق من “إرهابي” إلى “محاولة ارتكاب جريمة قتل”.
والمهاجم ليس له سجل جنائي ولا عنوان سكن ثابت، وكان الرجل الذي عاش لمدة عشر سنوات في السويد قد طلّق زوجته قبل بضعة أشهر وتوجه إلى فرنسا وأقام في أنسي منذ خريف عام 2022. وعند تنفيذه الهجوم لم يكن تحت تأثير المخدرات أو الكحول.
وكان عبدالمسيح، الوالد لطفل يبلغ ثلاث سنوات، في وضع قانوني عندما وصل إلى فرنسا قبل بضعة أشهر.
وفي طلب لجوء جديد قُدِّم إلى فرنسا في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، صنّف نفسه “مسيحيا من سوريا” بحسب مصدر في الشرطة. وكان يضع صليبا عند توقيفه.
كما ذكرت بعض المصادر الصحافية الفرنسية أن الرجل كان يصرح “باسم يسوع ” خلال ارتكابه لعمليات الطعن ضد الأطفال الصغار.
الحكومة تحذر من “لعبة التفسيرات”
ومع توجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى آنسي لتقديم الدعم للضحايا وأسرهم، دعت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن الجميع إلى “التحلي بالمسؤولية في هذه الظروف”.
في هذا السياق، حذّر المتحدث باسم الحكومة أوليفييه فيران من “لعبة التفسيرات والتبريرات الضارّة”، بينما دعا وزير الاقتصاد برونو لومير إلى “ترك السياسة جانبا لبعض الوقت”.
لكن تلك التصريحات كانت أشبه بصرخة في واد، إذ إن الهجرة موضوع شديد الحساسية ومثير للانقسام في فرنسا.
وفي ظل هذا الوضع، استغل اليمين المتطرف الفرصة في ضوء تقدمه المستمر منذ سنوات حتى صار قاب قوسين من تولي السلطة.
وكان على رأس اليمين مارين لوبان الزعيمة السابقة لحزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف حيث سخرت من تصريحات المسؤولين قائلة :”هل هناك سلطة عليا يتعين طلب الإذن منها للحديث عن المشاكل؟”. علما أن لوبان وصلت مرتين إلى الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة عامي 2017 و2022.
وقالت عبر إذاعة أوروبا 1 اليوم الجمعة:”أشعر بأنني مضطرة لتقديم إجابات وأعتقد أن الفرنسيين ينتظرون منا أن نقدم إجابات”.
وكان العديد من قادة اليمين واليمين المتطرف وفور انتشار نبأ الهجوم أمس الخميس، قد استنكروا “الهجرة الجماعية”، وتحدث بعضهم عن “النزعة الإسلامية الراديكالية” و”الإرهاب” قبل أن يتبيّن أن المهاجم مسيحي وتعلن النيابة العامة أنه تصرف “من دون دافع إرهابي واضح”.
واعتبر رئيس حزب “التجمع الوطني” جوردان بارديلا عبر تويتر أنه “يجب إعادة النظر في سياستنا للهجرة برمتها وعدد من القواعد الأوروبية”.
من جانبه، قال نائب رئيس الحزب ديفيد راشلين إن “الهجرة الجماعية لها صلة مباشرة بنزعة التوحش التي تعانيها بلادنا”.
كما مثّل الهجوم فرصة ظهور أيضا لليمين التقليدي الذي يحاول حاليا فرض مقترحاته في المشروع الجديد للهجرة الذي تسعى الغالبية الرئاسية لصياغته.
أما رئيس كتلة حزب “الجمهوريين” أوليفييه مارليكس فقد اعتبر أن “الهجرة الجماعية غير المضبوطة تقتل”، في حين صرح رئيس الحزب إيريك سيوتي الخميس بالقول:”علينا أن نستخلص كل العبر بدون سذاجة وبحزم ووضوح”.
اقرأ أيضا:اتفاق أوروبي على تشديد إجراءات اللجوء
كذلك انتقد سيوتي اليوم الجمعة “الإدارة الكارثية للجوء في أوروبا”، داعيا إلى عدم “الخضوع للقواعد المفروضة علينا” بعد الآن.
وجاءت هذه التصريحات من قبل اليمين الفرنسي، غداة اجتماع أوروبي بشأن الهجرة إلى الاتفاق على إلزامية التضامن بين الدول الأعضاء في توزيع طالبي اللجوء.
وعلى غرار العديد من دول الاتحاد الأوروبي، اكتسبت قضية الهجرة أهميّة متزايدة في النقاش العام، وهو اتجاه يتصاعد بفعل وصول أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا.
إلى ذلك، يشير استطلاع أجراه معهد “إيفوب” ونشرته صحيفة لوجورنال دوديمونس” نهاية مايو/أيار الماضي، إلى أن 69% من الفرنسيين يؤيدون تعديل الدستور لإتاحة عدم التقيد بالقواعد الأوروبية من أجل الحد من الهجرة.