أخبار العرب في أوروبا – قبرص
تتصاعد ظاهرة معاداة المهاجرين والإجانب في قبرص وصل حتى الهجوم على محلات تجارية يملكها أجانب وأماكن إقامة المهاجرين، نهاية الشهر الماضي وخلال سبتمبر/أيلول الجاري.
ويعزو الخبراء زيادة العنف إلى تفاقم رهاب الأجانب في السياسة ووسائل الإعلام القبرصية، يغذّيه انتشار المعلومات المضللة وسوء إدارة العدد الكبير من الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عن طريق الجزيرة العضو في الاتحاد الأوروبي.
نهاية أغسطس/آب الماضي شنّ سكان في بلدة قريبة من مدينة بافوس في غرب البلاد، هجوما على مهاجرين بعد سنوات من الاحتكاك مع مئات المهاجرين -معظمهم من السوريين- المقيمين في مجم\ع سكني.
وقالت الشرطة القبرصية إنها أوقفت 21 شخصا، إثر هذا الهجوم بينهم 12 سوريا.
وكانت الشرطة قد داهمت في وقت سابق المبنى لإخلائه، بعد انتشار مزاعم بسرقة الكهرباء على شبكات التواصل الاجتماعي.
ومطلع هذا الشهر، قام عشرات القبارصة الملثّمين والذي كان يحملون أعلاما قبرصية برمي قنابل مولوتوف على متاجر يديرها مهاجرون الذين كانوا يتهامسون في مدينة ليماسول الساحلية، عن العنف الوشيك الذي سيلحق بهم وسط تفاقم معاداة المهاجرين في الجزيرة المتوسطية.
مع قدوم هؤلاء الملثمين هرع أصحاب مطعم مصري لإدخال مقتنياتهم الخارجية، فيما أزالت بائعة فيتنامينة بسرعة خضارها من الشارع. غير أنّهم لم يتمكنوا من إخفاء تراثهم الثقافي الذي يميّزهم ويفخرون به منذ انتقالهم إلى جزيرة قبرص.
يقول المصري محمد البصراتي البالغ من العمر 38 عاما والذي يملك مطعما مصريا :”كنت واقفا مع جارتي وطلبت مني المغادرة قائلة: إذا رأوك، سيضربونك لأنك أجنبي”.
وأضاف:”حين وصل الملثمون إلى المطعم، اختبأت في الجزء الخلفي بينما حطموا نوافذ المكان الذي بنيته بكل ما لدي من مدخرات”، مشيرا إلى أنه بدأ يسمع صوت زجاج يتكسر قبل أن يشتم رائحة دخان ونار.
هذا الهجوم يأتي وسط موجة عنف ضد المهاجرين في قبرص، التي سجلت العام الماضي أعلى عدد من طلبات اللجوء للمرة الأولى بالنسبة لعدد السكان على مستوى الاتحاد الأوروبي.
رغم انتشار الشرطة.. “السلطات مقصرة”
يقول سكان المناطق التي شهدت أعمال عنف ضد الأجانب، إن السلطات لم تتدخل بما فيه الكفاية لمنع العنف، رغم الانتشار الكثيف للشرطة في ليماسول قبيل التظاهرة المعادية للمهاجرين
يقول عادل حسن البالغ من العمر 76 عاما :”كانوا أكثر من 600. كم شخصا أوقفتهم الشرطة 13 شخصا فقط؟”.
هذا الأمر أقره رئيس الشرطة ستيليوس”باباتيودورو” أمام البرلمان القبرصي الذي أكد بأن الاستجابة كانت “بطيئة”.
ووفقا لبعض المراقبين، فإنه من المرجح أن يكون الملثّمون منتمين لحزب الجبهة القومية الشعبية “إيلام” اليميني المتطرف.
وهذا الحزب وُلد في الأساس من حزب “الفجر الذهبي” المحسوب على النازيين الجدد في اليونان. لكن حزب “إيلام” نفى مرارا ضلوعه في أعمال العنف هذه.
الداخلية القبرصية تعلق
تقول الناطقة باسم وزارة الداخلية “إيلينا فيسينتزو” إن الاضطرابات سببها “مشاكل متراكمة استغلتها حسابات مجهولة على شبكات التواصل الاجتماعي”، على حد قولها.
وأدعت بأن “السلطات لم تعتمد أبدا خطابا عنصريا”. مع ذلك، يعتبر العديد من الأجانب المقيمين في الجزيرة أن الضرر قد حصل بالفعل.
لكن “سيد سمير” وهو صاحب مطعم تعرض للنهب يقول:”تغير الوضع. لم نعد نعرف الشعور بالأمان الذي كنا نشعر به”.
أما بالنسبة للفيتنامية “تشو ثي داو” البالغة 35 عاما، فإن الأمر استغرق عدة سنوات من العمل الشاق لجمع ما يكفي من المال لفتح متجرها الصغير المطل على الواجهة البحرية في ليماسول.
تقول ابنتها فلورا (17 عاما) “أرادت حياة أفضل لأطفالها”.
سرعان ما انتشر مقطع فيديو للسيدة الفيتنامية وهي تبكي بعد تعرض متجرها للهجوم، ما أثار تضامنا ودعما واسعا من السكان في قبرص ومن الحكومة.
تضيف فلورا، وعيناها مغرورقتان بالدموع، “أريد أن أبقى هنا وأن أعيش مع أمي وعائلتي”.
خطاب الكراهية لحزب”إيلام” يستقطب مؤيدين
وخلال الفترة الأخيرة تمكن حزب”إيلام” المتطرف من استقطاب مؤيدين بخطابه المعادي للمهاجرين.
تجلّى ذلك بحصول زعيمه كريستوس كريستو على 6% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت في فبراير/شباط 2023.
يرى “يورغوس خارالامبوس” الأستاذ في سياسات الأحزاب الأوروبية في جامعة نيقوسيا، إن أعمال العنف هذه تُنسب أيضا إلى مجموعات يمينية متطرفة أصغر تتهم حزب “إيلام” بالتساهل مع مسألة الهجرة منذ تحقيق قاعدة شعبية مهمّة.
ووفقا لـ”خارالامبوس” فإن “خطاب الكراهية” أصبح معمّما وشائعا لدى مختلف مكونات الطيف السياسي، ما خلق مناخا مؤاتيا لهجمات وصفها بأنها “مذابح منظمة” تستهدف أعراقًا معينة.
وأضاف في تصريحات صحافية لوكالة فرانس برس:”ينبثق الأفراد والسياسيون الذين ينشرون أخبارا زائفة وخطابا عنصريا حول الهجرة من أحزاب يمين الوسط أيضا”.
اقرأ أيضا: تجدد أعمال العنف ضد المهاجرين في قبرص “فيديو”
وخلال السنوات الأخيرة، استقبلت قبرص أعدادا كبيرة من المهاجرين، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة بينها زيادة عمليات الصد والرفض، بحسب منظمة “المجلس القبرصي للاجئين”.
وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد أعربت عن قلقها الشهر الماضي، وذلك بعد ترحيل أكثر من 100 سوري إلى لبنان دون فحص طلبات اللجوء التي قدموها بعناية.
تقول كورينا دروسيتيو من”المجلس القبرصي للاجئين”: “لم نشهد من قبل مثل هذا المستوى” من العنف في قبرص، مع تأكيدها أنه كان متوقعا.
كما تؤكد دروسيتيو بأن “اللغة المستخدمة في البيانات الرسمية معادية للأجانب بوضوح”، ملقية باللوم خصوصا على التدابير غير المناسبة لا سيما تلك التي اتخذتها الحكومة القبرصية السابقة.