ابداعات ومواهبتقاريرثقافة وفنون

السوري “موسى الرمو” ابن الفرات والرصافة.. حوار مع الإنسانية بلغة “النحت”‏

إبراهيم نمر: هولندا
‏”موسى الرمو” النحات السوري الدائم الحضور في المعارض والمهرجانات التي تقام في المدن الهولندية، درس في ‏جامعة حلب قسم النحت، وهو الآن عضو اتحاد الفنانين الهولنديين وجمعية النحاتين الهولنديين ورابطة فنانين تطويع ‏المعادن العالمية، تنتشر أعماله اوروبا والولايات المتحدة، استراليا كندا، وقد وثق تجربته المخرج ريمون بطرس في ‏فيلم وثائقي، اضاء فيه على هجرته وكذلك تجربته الفنية وتم عرضه على القناة الثانية الهولندية .‏


فقدان الأمان والأمل
يقول في حوار خاص”حينما دخلت رايات السوداء مدينتي الرقة أدركت ان الأمان فقد لي ولعائلتي فآثرت الرحيل عابرا ‏الصعاب متخليا عن تاريخي الشخصي وكل ما بنيته وان اقتلع من جذوري ذلك اقل سوءا مما كان سيحدث ..اربعة ‏سنوات عمري في هولندا حاولت خلالها إقامة جسور التواصل الثقافي والفني السوري الهولندي فأقمت التظاهرة ‏السورية في اندهوفن ومن ثم بروكسل ودوسلدورف وأقمت عدة معارض شخصية وشارك أيضا فنانين هولنديين ‏وأجريت مقابلات تلفزيونية وبرامج ثقافية كرمتني منظمة اليونسكو وأقمت صالة عرض تضمنت فعاليات ثقافية‎ ” ‎.


الإنسان أولاً
ويتابع موسى القول: ” مشروعي الفني يتعامل بشكل أساسي مع توجهات الفن المفاهيمي ويرتكز على محبتي لفن النحت ‏فقدمت العديد من الاعمال التي تنمي في هذا الاتجاه مع الحفاظ على المقولات الجمالية التي بشكل أساسي على النسب ‏وهو أيضا ما أعالجه في أعمالي، اعمالي بشكل كامل تستند على الانسان لكنها تخاطب الوجود وطرق التفاعل حواراً أو ‏صراعا‎ً.
وهذه المجموعة التي اعرضها غالبيتها من الحجر الذي هو العنصر الرئيسي تاريخيا لفن النحت وعبره ارتبط العمل ‏النحتي بالعمارة التي ارتكزت أيضا على الثقافة وما تأخذه من مفاهيم التوازن والقاعدة وقد أنجزت أعمالا في مواد ‏أخرى وقمت بمزاوجة عدة مواد وخامات متعددة في العمل الواحد لأضفي الفرادة والجمال من خلال هكذا مفاهيم آثرت ‏ان يرتكز العمل على الأرض مباشرة لما ما تعطيه هذه الفكرة من ثراء جمالي واتصال بين الوالدة والحفيد عبورا ‏بالإنسان ابن هذه الأرض‎”‎

رحلة في المجهول
يعرف “موسى الرمو” نفسه بأنه ” فنان تشكيلي ونحات من سوريا، وحالياً مقيم بهولندا، ويقول: “موسى الرمو شخص ‏مثله مثل باقي الأشخاص، إنسان بسيط طموح وحالم.. أحلم بأشياء أعتقد أنني أستطيع تحقيقها، ولهذا السبب أعمل كثيراً ‏وأجد وأجتهد، أحب عملي وأخلص له كما أنني أعطيه كل وقتي وحبي.. لقد أثر على روحي ما حدث ويحدث حولي من ‏أحداث وهذا أثر أيضا على عملي وابداعاتي وفني. أعيش في هنا منذ ما يقرب الخمس سنوات كنت مضطراً للرحيل ‏بسبب الحرب، كما أنه لا يمكنني العيش كفنان بسبب الحرب، وأنا أصلاً لا يمكنني أن أعيش إلا كفنان، لم تكن رحلتي ‏خالية من الصعوبات، ورحلتي كانت صعبة جداً وفيها مخاطر كثيرة على حياتي‎” ‎
ويتابع “حين يفكر الانسان بالرحيل اولا لا بد من تأمين المال المطلوب وهو أصعب بند، مما يضطره لبيع بيته أو سيارته ‏أو مدخراته من ذهب وغيرها، وهذا طبعاً إن تبقى مما ذكرت ولم يسرق أو أكلته الحرب ودمرته.. ثانياً العبور ويعني ‏تهريبه من مكان إقامته إلى خارج دولته وهذا أخطر شيء، مثلا من سوريا نحو تركيا، ليبدأ بعدها في صرف المال ‏والمغامرة، كما أنه يحتاج لأشخاص صادقين للسفر معهم أو مرافقتهم، يحتاج أيضاً لأرقام وهواتف الأشخاص الذي ‏سيقومون بتهريبه، وهذا طبعا لا يخلو من أنه قد ينصب عليه أو يتعرض للسرقة أو السلب أو الموت أو الإحتيال أو ‏الإعتقال على الحدود.. أيضاً هناك معاناة كبيرة مع الجوع والبرد والتعب والنوم بالبراري والغابات. لقد خرجت من أجل ‏أطفالي‎”. ‎


الفرات والرصافة
وبالعودة الى البدايات يؤكد موسى ولعه بالنحت منذ الصغر وفي المرحلة الابتدائية تحديدا “حيث بدأت الموهبة وانا ‏صغير وكان لنهر الفرات دور كبير في تنامي الموهبة لدي ، حيث الصلصال، ورخام (ألابستر) الذي بنى أجدادنا من ‏حجارته “الرصافة” و”توتول”، وهذا مدعاة للفخر حيث إن هذا الرخام، متوفر في “الرقة” بكثرة، وأستطيع أن أقول أنه ‏حجر رقي بامتياز‎”. ‎
وعن الدور الذي تلعبه المواد الخام، المستعملة في النحت، رخام خشب المعدن يقول “الرمو”: «إنني أنظر في تعاملي ‏مع الخامات وتوظيفها في أعمالي، على أنها وسائط مختلفة أعايش بينها لتصل إلى الفكرة التي يقوم عليها العمل، فهي ‏جميعاً تتحد لخدمة الفكرة، والنحت ليس حكراً على خامة أو وسيط معين، وإنّما الفنان يُدخل ما يرى أنه يخدم عمله، ‏ويضيف إليه دون إسفاف أو إقحام يشوه وينتقص من العمل‎”.‎
إن النحت فعل ثقافي تشكيلي، يعتمد على المحمول الفكري للفنان، ويجمع بين الثقافة والفكر والإحساس، ويصاغ بتقنية ‏وحرفية في التعامل مع الخامة أي أنه ليس كما نراه عند بعض الفنانين، يعتمد على التكنيك أو الحرفة فقط، دون أي فكر ‏أو رسالة يحملها في طياته، ومن هذا المنطلق يكون تعاملي مع أعمالي، فالخامة التي أتعامل معها لا تتعدى أن تكون ‏وسيطاً أعبر به عن فكرة العمل‎.‎

النحت مبكراً
موسى ومنذ المرحلة الابتدائية كان يرى في نفسه موهبة الرسم وتنامت هذه الموهبة عفويا خلال سنواته التالية واتجه فيما ‏بعد لتكريس موهبته اكاديميا‎ ‎
الفنان التشكيلي النحات موسى الرمو وفي العام 2003 أسس عملا فنيا فريدا تكريما لشهداء جنين…عبر لوحة فنية زيتية ‏طولها 550 متر بعنوان …لوحة اﻷنتفاظة الفلسطينية الجوالة ..أستغرق العمل بها عامين متواصلين استهلكت حوالي ‏‏1000 متر من القماش القاسي المخصص للخيم ومئات من مواسير اﻷلوان والريش …..وشارك بها حوالي 300 فنان ‏عربي وأجنبي‎…‎
وقد طافت جميع المحافظات السورية وتم عرضها بالساحات العامة وقد عرضت في لبنان واﻷردن وتركيا وفي ‏المخيمات الفلسطينية.وحصل تعاون بينه وبين فنان امريكي بعد ان طلب منه إرسال لوحاته الى فلوريدا لعرضها في ‏الولايات المتحدة الامريكية.‏
وفي هذه القصة القصيرة بعنوان “عصير الروح”يعتصر قلب موسى الرمو ألما على تعب السنين والعمر أنه البيت ‏الذي تركه مجبرا “يتناول إن بيتي مبني من أرغفة الخبز، ومن وصفات الطبيب ومن مسكن اﻵلام، من ملابسي ومن ‏ملابس أطفالي التي لم نرتديها، من حليبهم ومن ألعابهم، كل طوبة هي وجبة عشاء لم نتناولها، شكلنا منها مكعبا وبنيناها ‏مع وجباتنا السابقة، إن كيس اﻷسمنت يعني دجاجة مشوية كنت أسرقها من أفواه أطفالي لأطبخها مع الرمل وأطعم بها ‏الثقوب بين وجباتنا المبنية‎.‎‏ كل حفنة رمل هي ربطة خبز، وكل قضيب حديد هو عظام حساء عشائنا المجرد من اللحم ‏مثلنا، إن حبة البحص هي “بسكوتة” طفلي، شمس الله تغازل حيطاني ووجداني هو وسامات انتصاري في حربي الطويلة ‏مع جرافة البلدية ومطارق عمالها الثقيلة‎.‎‏ هو كل شهاداتي وتفوقي وطموحاتي ونجاحاتي، هو حلمي الذي كان يزورني ‏كل ليلة وأنا بلا مأوى، و هو نصري المؤزر‎.‎‏ هو مكعبات هواء قنبلة فراغية، هو كبسة زر من إبهام طيار، هو قذيفة ‏هاون رماها مقاتل كان يجلس القرفصاء أطلقها ثم رحل‎…..‎
خذوا أرغفة الخبز خذوا كل ما تستطيعون حمله حتى أسلاك “الكهرباء” واتركوا الشبابيك فمنها كنت أطل على وطني ‏وعلى جيراني، منها كانت تزورني شمس الله تغازل حيطاني و وجداني‎.”‎
منذ وصول موسى الى هولندا لم يهدأ فهو دائم الحركة والنشاط وأقام العديد من المعارض داخل هولندا وخارجها سواء ‏على المستوى الفردي او الجماعي وتم تكريمه من العديد من الجهات كبلدية أمستردام واليونسكو ولم يكتف بإقامة ‏المعارض وإنما أراد إيصال رسالته الفنية من خلال ورشات عديدة في مرسمه “كاليري موسى”مستمر بالعطاء لا يعرف ‏الملل إنتاجه غزير غزارة المطر نحتا وقصصا‎.‎

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى