ابداعات ومواهبتقاريرثقافة وفنون

“ياسر الغربي”.. عندما تنطق الحروف العربية بأوجاع السوريين

فرنسا: مؤيد أبازيد

فنان استطاع أن يُنطق الحروف العربية بموهبته وينقل من خلالها، أوجاع وآلام ملايين السوريين بطريقة فنية نادرة قل نظيرها.

وكانت جدارية “سرنيكَا” التي خطتها أنامله في مدينة “آنجيه” الفرنسية قبل أشهر، عبارة عن صرخة من أعماق قلب كل إنسان سوري ذاق القهر والظلم والحرمان.

هذا الفنان الذي يملك موهبة نادرة، تتمثل بدمج الفن التشكيلي وروعة الخط العربي المميز عن باقي أبجديات العالم.

يقول الفنان “ياسر الغربي” المنحدر من مدينة “مسكنة” قرب حلب شمالي سوريا: “ولدت الموهبة معي، كان إحساسي فيها منذ الطفولة المبكرة رغم أن طفولتي كانت شائكة، قضيتها في ثلاثة أماكن مابين قرية بسيطة ثم مدينة صغيرة(مسكنة) ومن بعدها العاصمة السعودية الرياض المفتوحة للعالم، مقارنة مع قرية أو مدينة على ضفاف الفرات في سوريا خلال الثمانينيات”.

وأضاف في حديث لموقع”أخبار العرب في أوروبا”: “هذه الطفولة وعلى أهميتها، إلا أن دعم العائلة والمحيط كان الأساس في السير في الموهبة من خلال التشجيع، رغم غياب الوعي في أهمية الموهبة والفن “، كما يقول.

صقل الموهبة

أحب الفن، لكنه درس مجال آخر بعيد عن موهبته، وحول هذا يقول: “درست الحقوق في جامعة حلب وتخرجت عام 2005، وكان ذلك بناءً على رغبة الوالد أكثر منها رغبة شخصية، ورغم أنها رغبة غير مُلحة، لكني اخترت رغبته”.

ويعتبر أن هذا من حُسن حظه (دراسة الحقوق) ذلك أن شخصية المحامي تختلف جذرياً عن شخصية الفنان، لكنه استطاع الدمج بينهما، ويعتقد بأن النتيجة كانت جيدة وتعطي مؤهلات مختلفة في الحياة.

ورغم دراسته للقانون، لكنه لم يتوقف عن ممارسة الفن في عالمه الخاص، سيما أن فترة الشباب الأولى تعد من الفترات الحاسمة إلى حد كبير في حياة الإنسان، سواء على الصعيد الشخصي أو على صعيد صقل المواهب لتنطلق نحو الأضواء.

يقول الغربي في هذا الصدد: “مرحلة الشباب وخاصة في الثانوية كنت قد عُدت من السعودية لمدينة مسكنة، لم تكن هناك امكانيات، إضافة لاختصار الدعم من المحيط على التشجيع فقط”.

ويؤكد بأنه قام بصقل الموهبة أثناء فترة الدراسة، واستمر فيها وكان مُصّراً عليها و”النتيجة اليوم، هي أن الموهبة أصبحت تشغل وقتاً كبيراً من حياته بل كل حياته، على حد تعبيره.

وتابع:” أحياناً الظروف رغم صعوبتها تعطي نتائج ايجابية، خاصة بعد انتقالي إلى حلب للدراسة، حيث وجدت نفسي اعيش في المنزل وحيداً مع غياب للعلاقات الموسعة التي اختصرت على بعض الأصدقاء، إلا أنني امتلكت أفقا جيدا للحركة، فكانت فترة أول عامين لي في المدينة الجديدة والكبيرة (حلب) فرصة لصقل الموهبة بشكل أكبر، رغم أن الأدوات بقيت بدائية والامكانيات محدودة”.

في هذه الفترة يشير إلى أن ضغوطات كانت تنهال عليه من قبل العائلة والأصدقاء، وصفها بـ “ضغوطات ايجابية” من أجل الاستمرار بالموهبة وعدم تركها، وكان هذا من صلب تفكيره وأهدافه في الحياة.

وطن طارد لأبنائه

كان لإقامته وحيداً في حلب دوراً في انجاز عشرات اللوحات الفنية، التي شكلت أساساً فيما بعد، لتنظيم معرضه الفني الفردي والوحيد له في سوريا.

يقول “الغربي” إن ” تشجيع أصدقائي الذين بادروني بفكرة إقامة معرض فردي خاص، شكل حافزاً لتنظيم المعرض، رغم أنني حينها لم أكن في وارد التفكير بهذا الأمر”، مشيراً إلى أن هذا التشجيع جاء بعد الزيارات المتكررة للمنزل ومشاهدتهم للجدران الممتلئة باللوحات والاسكتشات والكتابات وكلها تجارب فردية.

ولفت إلى أن المعرض أقيم في كلية الحقوق في جامعة حلب في الذكرى السادسة لرحيل الشاعر السوري “نزار قباني ” في الـ30 من نيسان 2004، أما المعارض الأخرى في سوريا، فكانت عبارة عن مشاركته في معرضين مشتركات كذلك في جامعة حلب.

وعن أعماله الفنية الأخرى قبل وصوله أوضح فرنسا: “شاركت بعدة معارض في السعودية، ومعرضين في تركيا، ومعرض في كل من ألمانيا وهولندا وأمريكا”.

اختصر أعماله في سوريا على معرض فردي واحد في ظل غياب أي دعم ، فضلاً عن ضغوطات أخرى، منها منعه من التوظيف أوالاشتراك في أي مسابقة لأسباب “أمنية” وحتى منعه من ممارسة مهنة المحاماة، وكما يقول ” سُدت حتى ثقوب الإبر في وجهي”.

جميع هذه الظروف جعلته يغادر البلاد قبل أشهر قليلة من الربيع العربي نحو السعودية وكانت ذلك في تشهر تشرين الثاني من العام 2010.

يعتبر الفنان أنه مثل معظم السوريين “لم آخذ حقي في وطني، وهنا لا أقصد الوطن هذا الضمير الحي والشيء الجميل في داخلنا، بل بمفهومه السياسي، كان طارداً للكثير من أبنائه الذين لم تتح لهم الفرصة في الوطن وغاب عنهم أي دعم “.

وعن مشاركته في الثورة السورية ، ذكر بأنه “في الفترة الأولى للثورة كما هو الحال في صعوبة البدايات دائماً، كانت مشاركة على استحياء وأيضاً الصعود المفاجئ للثورة والبعد عن الوطن، جعلني لا أعرف كيف اتصرف وأتكلم هنا كمواطن سوري قبل أن أكون فنان”.

وأضاف: “لكني شاركت وجدانياً، من خلال بعض الأعمال في السعودية أثناء إقامتي فيها حتى نهاية 2017، والآن في فرنسا بعد أن وصلت إليها”.

“سرنيكَا” جدارية حروفية تحكي الألم السوري

أنجز الفنان “الغربي” قبل نحو ثلاثة أشهر جدارية “سرنيكَا” في فرنسا، وتعد أكبر جدارية حروفية على القماش في فرنسا، وعرضت في فعالية فنية على مستوى فرنسا وزارها أكثر من 35 ألف شخص وكتبت عنها الصحافة بإسهاب.

وجاء انجاز الجدارية، بعد عمل استمر لمدة اسبوع كامل ومتواصل وبمعدل 12 ساعة عمل يومياً، ضمن مبنى أثري يطلق عليه “لاشابيل” بمدينة “آنجيه” وسط فرنسا.

يشير “الغربي” في حديثه إلى أن لوحته مستوحاة من لوحة “غرنيكا” الشهيرة للفنان الإسباني “بابلوبيكاسو”، وهي المدينة الإسبانية التي دمرتها الطائرات الحربية الألمانية والإيطالية في نيسان 1937،وكانت أبعاد لوحة “بيكاسو” حوالي 7.5 م و3.9 م ،وحجم اللوحة هذا حرضه على تحدي نفسه وأن يعمل شيئاً مختلفاً أولاً ويكون بمستوى الحدث في ما يجري في سوريا.

تركت الجدارية الفريدة صدى واسعاً في الإعلام الفرنسي والعربي، لما تحمله من معانٍ عميقة استطاع من خلالها الفنان وضع الجمهور أمام صرخات الحروف العربية لتكون صدى لصرخة الإنسان السوري الذي يعاني منذ تسع سنوات.

حول هذه الجدارية يقول:”تكلمت من خلالها عن ألمي وهو ألم موجود داخل كل إنسان سوري،ذاق القهر طوال السنوات الماضية”، مضيفاً”حاولت أيضاً إيصال رسائل، أننا كسوريين كباقي البشر لدينا رسائل حب ومحبة وسلام ومن حقنا أن نعيش بحرية  وكرامة… من حقنا العيش كما نريد ونختار حياتنا ووطننا وهويتنا كأبناء هذا الوطن( سوريا)، هذه الهوية التي لم تكن يوماً تشبهنا”.

وتابع موضحاً “حاولت كذلك إيصال رسائل كمواطن وكفنان، يقدم أعمال تهتم بما في وجدان وطنه وداخل وجداني بالتالي، الذي يمثل ما بداخل كل إنسان سوري. بمعنى آخر داخل كل إنسان سوري هناك سيرنيكَا كبيرةوعميقة جداً”.

 معارض ومشاريع قادمة

يتحضر الفنان “الغربي” حالياً لتنظيم معرضه الثاني في فرنسا في الرابع من شباط المقبل، وسيكون تحت عنوان”مونولوج” وسيكون في مقر المركز الثقافي في مدينة  Troyes (تروا) شمال شرق فرنسا.

إضافة لذلك، لديه الكثير من الأفكار لانجاز أكثر من جدارية، وحالياً ينتظر بعض اللقاءات حولها والترتيب للأمر، فضلاً عن عمل مشترك مع شعراء عرب معروفين.

ويؤكد بأن هناك فكرة تتلخص بانجاز عمل فني مشترك يتم عرضه في خمس عواصم بالعالم، موزعة مابين الوطن العربي وأوروبا والولايات المتحدة، وتوقع أن يأخذ هذا المشروع صدى واسع لأنه “مشروع كبير”،لكن وفق قوله “لازلنا في قيد الإجراءات لهذا المشروع”.

على الصعيد الشخصي يقوم الفنان بنشاطات فنية متنوعة مثل ورشات عمل لأطفال مدينة” تروا” حيث يُقيم، وتتم بالتعاون مع بلدية المدينة، وخلال الفترة المقبلة سيقوم بتدريس الحرف العربي وفنيته في المدراس الحكومية في المدينة.

ياسر الغربي الإنسان والفنان

يقول في حديثه لـ”أخبار الغرب في أوروبا”: ” ياسر الغربي كإنسان هو شخص يحاول أن يملأ نفسه بالحب والسلام قدر المستطاع، رغم وحشة هذا الكون ورغم توحش سكانه، كذلك التصالح مع نفسي مع كل ما حولي حتى مع الإضاءة والكراسي والجدران و الأشجار… مع الآخرين مع كل مافي الحياة… بمعنى اوضح هي محاولة الحياة بأقل قدر ممكن من الخسائر”.

أما “ياسر الغربي” الفنان فيقول :” كفنان وكسوري لدينا وزر سوريا وزر الظلم والقهر، وهذا القهر أحاول أن أوصله للعالم، أننا من بلد لديه ثقافة وحضارة عريقة، رغم الألم الذي نمر فيه…هذا الألم هي مسؤولية كبيرة حملناها مرغمين ولم نحملها مُخيرين”.

واختار الفنان أن يكون ختام حديثه حول الثورة السورية، التي اعتبر بأنه يجب أن تكون أولاً ثورة على الذات.

وأوضح :”أقصد أن تكون الثورةعلى كل موروث وعقلية ومفاهيم، لا أقول تغييرها، لكن آن الآون لأن تستعيد دمها وشبابها…نحن نستحق الحياة في الشكل الذي نريده والحياة جميلة بكل أشكالها”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى