اقتصاد واعمالتقاريرمجتمع

ثقافة “المونة” .. المكدوس يجتاح أوروبا

خلدون المزعل – المانيا

 يرتبط الطعام والمطبخ بالخاصية الثقافية والمعاشية وربما الاقتصادية لأي مجتمع من المجتمعات، ولمنطقة شرقي المتوسط ما يميزها في هذا الاتجاه، فبعد فصل الصيف ومواسم الخضروات والفواكه، يأتي شهر أيلول حاملا معه الكثير من التعب والطقوس شبه الالزامية التي يستقبل فصل الخريف بها، ومن بينها”المونة” المنزلية لفصل الشتاء.

وعلى الرغم من اختلاف المكان والطبيعة يصر السوريون على المحافظة على هذه العادة واعتبارها من عناصر التراث الشعبي الخاص بالثقافة الغذائية.

تقول “خديجة” التي تسكن في مدينة “دورتموند” بولاية شمال الراين لـ”العرب في اوروبا”: “لا يمكننا الاستغناء عن عادتنا وتقاليدنا، فأنا أعتبر أن المونه من أساسيات المطبخ، وهي ثقافة قديمة ترتبط بأنواع المأكولات مثل  المقدوس والملوخية والبامية”.
 وتضيف: “تشمل المونة أصنافا أخرى من المنتجات الزراعية كالحبوب والخضار والأجبان والألبان والزيت والزيتون، وتحفظ بعد تصنيعها بالطرق التقليدية، وتخزن خلال مواسم إنتاجها في الصيف، من أجل استخدامها في الشتاء”.

مذاق ألذ وتوفير اقتصادي ..

الكثير من النساء تهرب من صنع المونة لأنها تتطلب الكثير من الجهد والوقت، وتحتاج أحياناً إلى عمل جماعي تعززها حالة  توفر هذه الأصناف في المحال التجارية العربية التي تغني عن تحضير المؤن، وفي هذا السياق يرى “أبو النور” المسألة من جانب آخر، موضحا: “المونة تؤمن لنا جانباً كبيرا ًمن الاطمئنان الصحي المتعلقة بالجودة ناهيك عن مذاقها الشهي، كما أنها توفر علينا الكثير من المال، فحجم العائلة يلعب دوراً في هذا الجانب، فالأسر التي يرتفع عدد أفرادها إلى ستة فما فوق تهتم بتحضير المؤن أكثر من تلك التي ينخفض عدد أفرادها”.

وبحسب “أبو النور”: “سعر كيلو الجبنة في ألمانيا يصل إلى ثمانية يوروهات وذلك حسب الجودة ، بينما تكلفة 10  كيلو  حليب التي يقدر سعرها بحوالي خمسة يوروهات تعطي ثلاثة كيلوغرامات من الجبنة، أي أنني بسعر ثمن كيلو واحد من الجبنة بإمكاني أن أصنع 3 كيلو من الجبن، وبذلك أوفر ١٥ يورو تقريباً، ويمكن القياس على باقي المواد الأخرى بالاعتماد على نفس المعادلة الحسابية”.

  مستلزمات المونة وطريقة الحصول عليها

 صعوبة توفير المواد الاساسية واحتياجات المونة في مدينتها لم تمنع “خديجة” من الذهاب إلى برلين وقطع مسافة طويلة للحصول على طلبها فتقول: “في سوريا كنا نقطع مسافات طويلة ونتوجه إلى المزارع للحصول على الخضار والفاكهة والألبان والأجبان الطازجة من مصدرها الرئيسي، واليوم في ألمانيا لا يختلف كثيراً فأنا أسافر بواسطة السيارة مع زوجي و مجموعة من الأصدقاء لنحضر الباذنجان ومسلتزمات صناعة المكدوس من  شارع العرب في برلين لتوفر المواد الجيدة وبسعر مناسب، ودائما أحرص أن أتسوق بنفسي”.

 أما أبو النور الذي يسكن في مدينة “مونيستر” في شمال الراين فيقول: “أجد غالباً سهولة في توفير مواد الأجبان والألبان كوني أسكن في منطقة ريفية، وأحصل عليها من المزارع بشكل مباشرة، وأحرص على الحصول عليها في هذا الوقت من العام لأن الأبقار تتغذى على الأعشاب التي تعطي حليب بجودة وطعم مميز، بينما أحصل على مستلزمات صناعة المكدوس من خلال المحال العربية القريبة، وأعتقد أن السوريين جلبوا بذور الباذنجان التي تناسب صناعة المقدوس من سوريا وبدأوا يزراعتها في ألمانيا”.

يرى البعض أنّ ثقافة المونة ارتبطت بفترات الحروب التي تعرضت لها البلاد عبر التاريخ، إذ اعتاد السكان على تخزين كميات كبيرة من المواد الغذائية تحسبًا لحالات الحصار وصعوبة وصول الأغذية،  أما في الوقت الحالي بدأت العادات الغذائية الجديدة في أوربا تفرض نمطها مع انحسار التفاعل المباشر مع المونة التي باتت طقسا جميلا أكثر منها حاجة اقتصادية لايمكن الاستغناء عنها وكأنها حالة استرجاع للواقع السوري والبيوت السورية التي يحوي الكثير منها على غرفة خاصة للمونة كمكان لحفظ الأغذية..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى