ابداعات ومواهبثقافة وفنون

“المجوز”.. من ساحات الأفراح في حوران والجولان إلى ساحات المانيا

خلدون المزعل – المانيا

يسافر “أيهم شلش” من مدينة “دورتموند” إلى مدينة “بريمن” في المانيا  ليشارك أقاربه فرحتهم بحفل زفاف ابنهم، ويحمل معه ذكريات الماضي والحنين  إلى “المجوز” والدبكة المرتبطة بتراث  أهل جنوب سوريا.

“أيهم” من (نازحي الجولان، عشيرة النعيم) مازال يحافظ على عاداته وتقاليده ويشتمها برائحة القهوة المرة التي مازال حاضرة في منزله وبشكل يومي  في مدينة دورتموند الألمانية.

يرتبط “المجوز” بتقاليد أهل المنطقة الجنوبية في سوريا “حوران  والجولان” وكذلك الأردن ومناطق من فلسطين، ويرافقهم في أفراحهم وأعراسهم،  من خلال الدبكة – (رقصة فولكلورية شعبية تنتشر في بلاد الشام).

يقول أيهم :”هذه عاداتنا وتقاليدنا وسنحافظ عليها، عندما نسمع المجوز نطرب، ويرافقنا حماس وقوة نعبر عنها من خلال الدبكة حين  تتشابك الأيدي  بقوة في دلالة على التماسك والتكاتف كأننا على قلب واحدة، واليوم عاداتنا ترافقنا في غربتنا وتخفف عنا بعض مآسينا”.

لكن الأمر لم يتوقف على السوريين،، يوضح “أيهم”: “الألمان بدأوا يتعلمون الدبكة ويطربون لسماع المجوز  وأنغام “أبو سلطان والحوشان والقسيم،”  وهذا  يمثل تراث الجنوب السوري في حوران والجولان وتقاليده ، فالشباب قبل الزواج كانوا يتسابقوا  لحجر الدور عند (لعيب) المجوز – مصطلح يستخدم للدالة على عازف المجوز-  ” .

المجوز والدبكة..

عازف العود والمؤلف الشعبي للعديد من الأغاني الشعبية السورية “حسن الجعثوني” يقول: “المجوز آلة موسيقية بسيطة فلكلورية ارتبطت قديماً  برعاة  الحيوانات (الأبقار والأغنام ) حيث كان الرعي يستخدم هذه الألة ليعبر  بها عن مشاعره ويروح عن نفسه، وكانت ترافقه دائماً أثناء عمله، حتى أن الأغنام والأبقار كانت تطرب وتحن لهذا العزف”.

يضيف “الجعثوني”: “بعدها انتقلت هذه الألة  إلى الأجواء الشعبية أصبحت تستخدم في الأعراس والأفراح حيث يقوم عازف المجوز بالعزف على آلته وسط دائرة من الدبكة والرقص الجماعي، وتنتشر في بلاد الشام  في الأردن و فلسطين  وارتبط في سوريا  في حوران والجولان”.

يقول “الجعثوني” طريقة عمل المجوز “على الرغم من  بساطة الآلة فالمجوز إلا أنها تحتاج الى مهاراة وتدريب عالي وتعتبر من أصعب الألات لآن العزف عليها يحتاج  إلى نفس قوي ومستمر، ولم تتطور هذه الآلة وبقيت شعبية بسيطة ومحدودة، وتشبه في أدائها وطريقة عملها  آلات النفخ كـ( الأوبوا والسكسافون)”.

يتابع “الجعثوني”:”خلال السنوات الماضية أدخلوا على المجوز  إيقاع الطبل والدربكة، وأما حديثاً فيستخدمون إلى جانبه آلة الأورغ الذي أفقد المجوز جماله، فالأورغ آلة غربية  تعتمد على الموسيقى السريعة وأعتقد أن هذا السبب الذي جعل الألمان ينجذبون إلى المجوز والدبكة بشكل أكبر “.

فنان ومبدع..

وعن تصنيف هذه الآلة يوضح الجعثوني:” من يتقن استخدام هذه الآلة فنان بكل ما تعنيه الكلمة لأنه يملك إحساس وشعور مرهف ويتميز  بالصبور، فالفن  يحتاج الى صبر ومعرفة  وتجربة كبيرة لصعوبة استخدامه، واليوم من الصعب أن تجد شخص يجيد استخدام هذه الألة  وعلى الرغم من اتساع جغرافيا انتشارها وكثرة الأفراح والمناسب يحتاج صاحب الفرح للانتظار لفترة زمنية كبيرة ليستطيع أن يحجز دوره عند العازفين”.

تختلف الآلات الموسيقية وتتنوع ولكنها تبقى مرتبطة بالتراث والعادات فصوت المجوز بحسب الفنان “حسن الجعثوني”: “يرتبط بالأرض والوطن وله حنين مختلف، لارتباطه بالأغاني الشعبية ارتباطا ًوثيقاً ، فلحن المجوز هو لحن الأغاني الشعبية مثل( الدلعونة – يا ظريف الطول –جفرا.. وغيرها.)، ونحن في الغربة بحاجة إلى جرعات من الحنين تخفف علينا آلامنا وتزيد من  تفاعلنا مع المجتمع الغربي ولا سيما أن الألمان أحبوا الدبكة وأنغامها وبدأوا يمارسونها ويتعرفوا عليها أكثر، فتعريف الآخرين بثقافتنا من خلال الموسيقى يلعب دوراً مهماً في الاندماج وتترك أثراً كبيراً “.

يُصر “أيهم” على أن للعادات والتقاليد دور إيجابي في الاندماج فيقول: “مهما تغيرت الأوطان سنحافظ عل هويتنا من خلال عادتنا وتقاليدنا فالقهوة المرة وسماع المجوز وإكرام الضيف  هو أفضل باب لتعريف الألمان بنا، فمنسف أهل الجولان وحوران معروف لدى كل السوريين ويتميز بالكرم والجود”. ويختم :” يتفاعل الألمان كثيراً مع عادتنا وتقاليدنا وينظرون إليها باب من أبواب  التكافل الاجتماعي ولا سيما في المناسبات التي تخص الأفراح والأحزان، وغالبا تجد السوريين يشاركون الجيران الهموم والأفراح “.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى